هو واحد من الأقلام الأدبية والصحفية الجادة التي تحمل بين أضلعها نفسا نضاليا وغيرة على مقومات الأمة الإسلامية، إشتغل بعدة جرائد منها الشعب، جزائر اليوم، الحوار، العالم السياسي، ليختار بعدها ويتوج مديرا للتحرير في الجريدة الأم "البصائر" لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، له إسهامات وإثراءات نوعية في مجال الكتابة الإبداعية والصحفية الرامية لترسيخ الإنتماء الحضاري والعزة الوطنية، إنه بإيجاز الكاتب والمحلل السياسي "عبد الحميد عبدوس، الذي تحدث معنا في هذا الحوار عن كثير من القضايا التي تشغله وعن راهن الساحة الثقافية الجزائرية. "الأمة العربية": بداية كونكم من بين الذين ساهموا رفقة نخبة من العلماء كأمثال سماحة الشيخ شيبان على إعادة بعث جريدة البصائر، كيف تقيمون مسار العشر السنوات من تأسيس السلسلة الرابعة؟ عبد الحميد عبدوس: نعم لقد كنت من بين الذين أكرمهم الله وكان لهم الحظ في أن أكون رفقة نخبة من العلماء الذين قرروا إعادة بعث جريدة البصائر، حيث صدر العدد الأول من سلسلتها الرابعة في 20 ماي سنة 2000، ومازالت مستمرة لحد اليوم بفضل من الله. وكما تعلمين جريدة البصائر ليست جريدة تجارية فهي تعمل في إطار رسالة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي إنصبت على ثلاث ركائز الإسلام ديننا، العربية لغتنا، والجزائر وطننا، و هذه المبادئ لازالت صالحة، فالإسلام بحاجة لمن يدافع عنه ويعطيه الصورة الحقيقية، والأمر ذاته مع اللغة العربية التي هي بحاجة عن من يحمل قضيتها لتستعيد مكانتها كلغة وطنية ورسمية، ولازالت الجزائر أيضا بحاجة لأبنائها ليدافعوا عنها ويرفعوا شأنها بين الأمم، نسأل الله أن نكون عند حسن الظن بنا. برأيكم هل رواج الجريدة في مستوى الرسالة التي تؤدونها ؟ لا الجريدة لم تحقق الرواج الكافي الذي يتناسب ورسالتها لأسباب كثيرة منها مشكل التوزيع الذي تخبطت فيه الجريدة منذ تأسيسها، وللأسف لم نغطي بعد كامل التراب الوطني فنحن نحاول التغلب هذا الواقع مع الإصرار على البقاء ومواصلة الرسالة، وإن كان هذا واجب الأمة بكاملها بتدعيم هذه الجمعية بما ييسر لها مواصلة مهمتها لما نتوسم فيها من خير للوطن وللأمة. حاليا لكم موقع إلكتروني وهذا قد يجعل مشكل التوزيع غير مطروحا؟ صحيح وجود موقع إلكتروني للجريدة قد يكسب قراء جدد من أقطار مختلفة، لكن ليس بالمفهوم الذي يلغي وجود النشر الورقي الذي لاغنى عنه في البلاد العربية التي تشهد ركودا على عدة مستويات، وعليه يبقى طموحنا قائم على أن تكون لنا مؤسسة توزيع ومطبعة خاصة نستطيع بفضلهما إيصال الجريدة لأبعد مكان وطبع الكتب وتراث الجمعية التي تعد رمزا للجزائر في نضالها وحركتها الإصلاحية. ماذا أعطى عبدوس كمدير تحرير" البصائر" لعبدوس الكاتب والمبدع؟ الصحافة كما تعلمين وأنت صحفية مهنة المتاعب تأخذ أكثر مما تعطي خاصة في بلادنا، لكنها أيضا خيار وهواية وحب أحيانا، لكن بالنسبة لسؤالك المحرج واللطيف في نفس الوقت، أقول لك إنه لم يعطيه الكثير وإنما أخذ منه الكثير من الوقت الذي كان يجب أن يستثمره ويسخره للكتابة وللإبداع. نفهم من حديثكم أن هاجس الكتابة الإبداعية يبقى يطاردكم ؟ نعم الطموح للكتابة الإبداعية هاجس و أشبه بالنرجسية وحب الذات، ويعتقد الإنسان بأنه في الكتابة الإبداعية يتحرر من كل القيود ويقول أشياءا لايستطيع أن يقولها في الكتابة الصحفية التي هي مقيدة بشروط مهنية واتصالية وموضوعية، فالإبداع طموح ورغبة داخلية في الإنسان لأنها تستمر مع الزمن ويتفاعل معها الأخرون. على ذكركم لمزايا الكتابة الإبداعية وما توفره من تحرر هل تعرضت كتابتكم الصحفية لمقص الرقابة؟ لقد إشتغلت بالعديد من العناوين الصحفية التي تعرضت للتعليق وللغلق ليس بسب كتاباتي وإنما لكونها لم تنسجم مع المسار العام الذي يبتغيه النظام في ذلك الوقت، وهذا ثمن إختيار الموقف الذي يليق بك وتعتقد بأنه صادق وليس كرها في فلان. هل هذا يحولكم لممارسة الرقابة الذاتية على كتابتكم الإبداعية والصحفية؟ أنا أؤمن بالرقابة الذاتية لأنه ببساطة ليس هناك حرية مطلقة بل مسؤولية، على الإنسان أن يعرف كيف يوفق بين الرغبة في تحرير العقل وحدود الذاتية ومسؤوليته في المجتمع، فالكتابة ليست بالعبث و إنما هي رسالة في كل الأحيان. في تقديركم ماهي حدود الجرأة ؟ أنا لست مع الإعتداء على حقوق الأخرين بحجة الجرأة، لأنه في نهاية الأمر الجرأة في الكتابة هي أسهل شيء من التقيد بضوابط أخلاقية، وهناك للأسف الكثير من الشباب يعتقدون بأن كتابتهم ستنتشر إذا تجرأ وبدأ بتكسير الطابوهات وهذا تهور أكثر منه تحرر، لكن بالمقابل يجب أن لايعتقد الكاتب أو الأديب أن هناك طريق مرسوم عليه أن لايتخطاه، لأن هناك الكثير من الأعراف والتقاليد الفاسدة يجب أن تكسرها الكتابة وتفتح أفاق أخرى أمام الإنسان، ومن ثم فالعملية ليست سهلة للحفاظ على التوازن الشخصي والأخلاقي لأداء مهمة الكتابة. كيف تنظرون للمشهد الثقافي بالجزائر؟ على العموم الحركة الأدبية في الجزائر أصبحت أكثر حظا بتوفر الكم الهائل من المنابر و الجمعيات، ولقد سعدت مؤخرا بتكوين نادي الإعلام الثقافي الذي أراه ضروري وممكن يعطي مردود كبير بالتنسيق مع وزارة الثقافة في إبراز المواهب الشابة ونشر كتابتهم. القارئ لكتبك و بعض مقالاتك يشعر بنبرة تشاؤمية هل هو التعبير عن إنسداد الواقع ومحاولة نقده، أم وهن الأمة العربية؟ نعم لقد طرحت المشكل الصحيح فأنا أتألم ولا أتشاءم، وكما قلت وهن الأمة العربية يجعل هذه النظرة ربما تكون سوداوية بحكم أن هذه الأمة تملك كل مقومات النهوض لكن نلاحظ أنها تهان وتداس كرامتها وتنتزع أرضها ويعتدى عليها، وكما قال محمود درويش عندما سئل عن رؤيته للواقع العربي " أنا بين تشاءم العقل وتفاؤل الإرادة" بمعنى أن العقل لما يحلل الأمور منطقيا يرى بأن الأفق العربي مسدود وليس هناك مخرج بحيث نزداد تخلفا وتشتتا والعالم يتقدم ويتوحد، لكن التفاؤل والإرادة موجودتان بفضل الإيمان والقناعة الراسخة بنصر الله تعالى لكل من صار على هديه، ولنا في ثورة التحرير الجزائرية وفي جمعية العلماء المسلمين أكبر دليل. في خضم الواقع الزاخر بالمتناقضات، ألا ترون أن تقاعس بني جلدتنا عن الذود بحمى العروبة جعل الأمة الإسلامية في وضع لاتحسد عليه، والكل يدرك أن المدخل لبعث أية نهضة هي اللغة الوطنية؟ أتفق معك فالمدخل الرئيسي لأية نهضة وتقدم هي اللغة الوطنية وكمثال على ذلك هناك بعض الشعوب أقل تطورا وغنى ورسوخا في التاريخ إستطاعوا فرض أنفسهم بفضل إعادة إحيائهم للغتهم بعدما إندثرت كاللغة الفيتنامية والعبرية ، ونحن في الجزائر والحمد لله إستعمال اللغة العربية توسع مع وجود ديمقراطية التعليم، لكن الملاحظ من الناحية الرسمية رغم تأكيد المسؤولين في كل مرة على تشجيعهم لخيار التعريب الذي لا رجعة فيه، إلا أنه مازالت بعض الأماكن في الإدارات والتخصصات حكرا على اللغة الفرنسية، مع إبقاء اللغة العربية لغة تعليم وصحافة وقضاء. وعلى هذا الأساس فالوضع يرجع لقصور المسؤولين الذين من المفروض أن يطبقوا الدستور ويرقوا الشعب إلى مستوى السيادة التي لامأخذ عليها، هل هذا ناتج عن نقص إمكانيات، سوء نية، طبعا لكل واحد أن يدلوا بدوله حسب موقعه ورؤيته للأمور. الكثير من النقاد يصنفون ما كتب في الأدب الجزائري خلال العشرية السوداء ضمن الكتابة الإستعجالية، ماهي قراءتكم ؟ دعيني أكون صريح، أغلب ما كتب خلال العشرية السوداء وما أنتج من أفلام ومسرحيات هي مجرد كتابات إيديولوجية وسطحية استغلت الحدث أكثر مما أعطته من عمق إنساني وأدبي إبداعي، و ألا أقصد هنا أنها توضع في خانة ما اصطلح على تسميته بالأدب الإستعجالي وإنما غاصت في الأحداث بنظرة مسبقة ورؤية إيديولوجية وأيضا هدف تجاري، ومن ثم لم نجد في لحظة التأزم والتفجر هذه إلا بعض اللمسات واللقطات الموجودة في الكتابات الأخيرة للكاتب "طاهر وطار"، وللأسف كان يفترض أن تكون هناك إبداعات ملحمية كبيرة يمكن ترشح صاحبها لجائزة نوبل، بخلاف ذلك نجد أدباء كتبوا أحداث أقل مأسوية مثل الكاتب همنغواي الذي كتب عن الحرب الأهلية في إسبانيا واستطاع تخليد كتابته. الكتابة الإستعجالية ماذا تعني لكم؟ هذه بدعة في التسمية، ليس هناك كتابة إستعجالية في الأدب، فالأدب إما أن يكون وإما أن لايكون، وإذا أردت كتابة إستعجالية لأن الظرف إستثنائي فهناك أنماط تعبيرية في الصحافة تتيح التعبير عن حدث معين وليد اللحظة، أما الأدب فلا يخضع للمزاج أو الإستعجال، وتستحضرني هنا مقولة "برنارشو" عندما سئل عن الأدب قال كلمة جميلة " الأدب 10 بالمائة موهبة و90 بالمائة عرق وبذل طاقة، فالإستعجال في الأدب هو إبتداع وليس إبداع. هل يمكن أن نرجع هذا الأمر لغياب وعي نقدي؟ في الحقيقة مازلنا بعيدين عن إرساء تقاليد حضارية لاغبار عليها في مجال الممارسة النقدية في الجزائر، مازال النقد محاباة وشخصي وفئوي وأحيانا وسيلة إعلامية تتحدث عن فتوحاتها، وفي الحقيقة هذا أمر بعيد عن النقد ولكي يكون هناك نقد جاد لابد أن يتأسس بفضل الكفاءات الجامعية التي تعطي أسس الممارسة العلمية الحقيقية، و بفضل تشجيع الجانب الثقافي في اليوميات الذي نراه وللأسف ك"الأيتام في مأدبة اللئام" مقارنة بالجانب الرياضي الذي تتبارى حوله اليوميات لتحقق رواجها، المفروض أن تكون الصورة معكوسة بحيث يجب أن يكون هناك قسم قار يهتم بمختلف الشؤون الثقافية ويفتح المجال للمواهب الشابة، كما يعتمد على ناقد معروف يقيم الأعمال الأدبية ويوجهها من خلال نشر نماذج إبداعية راقية، وبالنسبة لي لو خيرت بين تشجيع موهبة رياضية أو موهبة أدبية لاخترت الأدبية لأنها من الأولويات. ماذا عن مشاريعكم؟ بالنسبة لمشاريعي فسيعاد طبع المجموعة القصصية المعنونة ب" رحلة الوهم البعيدة" التي أصدرت في سنة 1986، هناك أيضا تحت الطبع كتاب قدمته منذ 3 سنوات ينتظر الطبع في دار المعرفة والموسوم ب"ظلال وأضواء"، ومؤلف أخر تحت عنوان "وراء الأحداث" الذي سيصدر في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية و الذي يسلط الضوء على أسباب الواقع العربي المتردي.