الدكتور صلاح حيدر محمد أحد كبار المصورين في العالم العربي في من مواليد كربلاء التي أُشربت روحه صور أحيائها وأزقتها ومساجدها ومزاراتها وسكانها من الدهشة وكاميرا قديمة كبرت فيه وحملها معه أينما حلّ...الى المصور الشهير، "الأمة العربية" انفردت بحوار معه. "الأمة العربية": من هو صلاح حيدر؟ صلاح حيدر محمد: الإنسان البسيط المتواضع الذي أحب الناس فأحبوه وأفنى سنوات حياته من أجل زرع الخير فحصد الخير وقدّم العون والمساعدة للجميع فحاز على حبهم وتقديرهم في كل مكان عاش فيه، جرب كل شيء في الحياة واختار أن يكون مصورا ليشبع رغبته وهوايته في التصوير والسفر والرحلات واستكشاف الأماكن ومتعة التعرف على تاريخ وتراث الشعوب. - في بداية سبعينيات القرن الماضي بدأت التصوير، كيف ولد صلاح حيدر المصور؟ * في البدء كانت الدهشة ..لا لصورة التقطتها أنا بل لما كانت تراه عيناي فتتسعان دهشة ..صورة ملونة تحملها الأجندات السنوية أو تلك المعلّقة على الجدران، صور الإعلانات التي تحفل بها المجلات، كانت تبهرني كثيرا فلا أكاد أكفّ عن تصفّحها وإمعان النظر فيها ومحاولة تحليلها وفق القدرات البسيطة التي كنت أمتلكها .. لم أكن أمتلك كاميرا آنذاك فاكتفيت بالحصول على أية مجلة تحوي صورا ..كان هذا قبل أكثر من 35 عاما، لكن الحماس الذي أظهره مصور الحي "أبو ضحى" لشرح بعض ما يصعب عليّ استيعابه وإعارته لي بعض كاميراته القديمة ذات فيلم 120ملم قلبت موازنات تعاملي مع المفردات البصرية، فكنت أصور كل شيء ولا تسعني الأرض لفرط الفرح حين أستلم نتيجة ما أصوره بعد تظهير الفيلم وطبع صوره ..فأفرش الصور على الأرض وأبدأ في محاولة فهم أسباب فشل الصورة ومكامن جودة الصورة الجيدة وأكرر التجربة وفق ما حصلت عليه من نتائج لأحصل بالتالي على صور أفضل، وهكذا .. عرفت بسرعة ما كان يعرفه المصورون التقليديون من معلومات صرت أراها فيما بعد سطحية كتعريض الضوء وفق حسابات فتحة العدسة وسرعة الغالق أو إظهار الأفلام والصور ..الخ.. وأدركت مبكرا بأن الإبداع يكمن في معرفة ما هو أكثر من ذلك، لذا عمدت إلى محاولة تطوير ملكاتي بقراءة كل ما يتاح بين يدي من كتب وموضوعات عن التصوير الفوتوغرافي، ومواصلة التجارب في اختيار الزوايا وفهم الضوء وخواصه... - أتذكر أول صورة التقطتها؟ * عادة ما أطرح هذا السؤال على طلبتي وأجده مهما جدا. نعم أتذكر أول صورة التقطتها في كاميرا بوكس قياس 120ملم وكانت الصورة لوالدي وهو عائد من العمل في ظهيرة أحد أيام الصيف الحار وهو يسير في الزقاق المؤدي لبيتنا، وما زلت محتفظا بها لأن لها نكهة ومعزة خاصة. - أي مسافة تفصل بين الهم العام والهم الخاص في صورك؟ * هناك فرق بين الهم العام والهم الخاص، فالمصور يجد صعوبة في تجسيد همّه الخاص من خلال لقطات مصورة لقلّتها وندرتها. المصور ليس كالشاعر يستطيع أن يكتب أحاسيسه وأفكاره بكلمات يسطرها على الورق، المصور يحتاج إلى التنقل والترحال والبحث الدقيق ليرى لقطة تكون قريبة لهمّه ووجدانه خصوصا في تجسيد حزنه ومعاناته ومع ذلك أنا لا أميل إلى أن أفرض همي على الآخرين إلا إذا كانت هنالك قواسم مشتركة. - حكمت في عدة مسابقات وشاركت في عدة فعاليات في العالم العربي، ما تقييمك للمشهد الفوتوغرافي العربي العام؟ * المشهد الفوتوغرافي العربي يبشر بخير قادم رغم الخطوات البطيئة التي يسير بها. المصور العربي لا يقل شأنا عن أقرانه الأجانب وأصبح يتسلح بالعلم والمعرفة وأصبح صاحب تجربة خاصة به ووضع بصماته التي تعبر عن هويته، كما أعتقد أن أشياء ممتازة تضاف للمشهد من حين لآخر أذكر جائزة آل ثاني الدولية للتصوير، غير أني آخذ على بعض المصورين قلة أو عدم اهتمامهم بالكتابة أو عدم اتقانهم لها فالكتابة تساعد المصور وتساعد القارئ في التعرف أكثر على المصور ومن خلاله على فن التصوير. - أقمت خلال ثمانية وثلاثين سنة تسعة عشر معرضا شخصيا، أي دور يلعبه المتلقي في استمرارية المصور؟ * كلما تقدّم الإنسان بعمره وتجربته وكلما استمع لآراء وتفسيرات المتلقين والنقاد فمن المؤكد أنه سيحصل على معلومات جديدة وتجارب مضافة من معرض لآخر. المتلقي جعلني أصل من المعرض الأول إلى التاسع عشر، من المؤكد أن هناك رؤى جديدة وأتمنى أن يكون المعرض العشرين لي مختلفا عن المعارض السابقة لتقديمه برؤيا فنية حديثة ... - اليمن، محطة مهمة في حياة صلاح حيدر المصور والإنسان، أين وصل مشروعك الكبير "موسوعة اليمن المصورة" نحن نعلم أن صنعاء وحدها خصت بأكثر من 10000 صورة؟ * بعد مدة بسيطة من الاحتلال لم نعد نشعر بالأمان وبعد نشاط طويل في العراق كمصور وكرئيس للجمعية العراقية للتصوير، بالإضافة إلى نشاطي في اتحاد المصورين العرب رأيت كل جميل يتكسر، فشددت الرحال إلى أرض الله الواسعة ولم تكن الوجهة محددة تماما، زرت عددا من الدول العربية لكن المقام استقر بي في اليمن السعيده هذا الكنز الفوتوغرافي الكبير.... وبدأت الموسوعة التي لم أفرغ منها بعد، ستأخذ وقتا طويلا وستطبع على أجزاء في اليمن. - كيف جاءت فكرة الموسوعة المصورة للعتبات المقدسة – موسوعة مصورة لمساجد ومزارات وكنائس العراق - وكم استغرقت منك؟ * أكيد أن العراق مليء بالمساجد والمزارات والكنائس القديمة المتميزة، ورغم أن العراق من أوائل الدول العربية التي بدأ فيها التصوير، إلا أن هذه المعالم تشكو من قلة الاهتمام كما أنها – أقصد الموسوعة - حلم كبير كنت أتمنى أن أحققه وقد أنجزت منه ما يوازي ثلاثة أرباع وهو ما استغرق مني ثماني سنوات، عدد من الأجزاء لم تتكامل بعد بسبب تسارع الأحداث في العراق، البعض الآخر جاهز للطبع الآن وآمل أن نجتاز الظروف الصعبة لإكمال ما بدأته. - أخبرنا عن حال المصور العراقي؟ * المصور العراقي حاليا يعيش أصعب الظروف فالخطر يحاصره وهذا يمنعه من توثيق ما يجري الآن في العراق ومع أن الموت موجود في كل مكان فالمصور العراقي يحاول مع الهامش الصغير المتاح له لممارسة نشاطه الحفاظ على حياته والصمود لمد الحقيقة للعالم وللتاريخ. - كيف ترى مستقبل العراق؟ * مستقبل العراق مظلم لا أحد يستطيع التكهن به، ذلك لأن الأوراق قد تم خلطها في دهاليز السياسة العالمية. الوضع الحالي صعب والوضع القادم أصعب وما الحصار الظالم الذي فرض على العراق قبل احتلاله إلا خطوة من أهم خطوات تدميره، حيث شمل الحصار كل نواحي الحياة من الخبز إلى الفن وأثر تأثيرا سلبيا على نفوس المواطنين على مدى ثلاثة عشر عاما. بعد الاحتلال تم تسريح أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعملون في مختلف أسلاك الدولة وجدوا أنفسهم في الشارع دفعة واحدة هذه الحاله أفرزت أمورا كثيرة تؤثر على حاضر العراق وستؤثر على مستقبله...يتنهد... لقد تم اختزال أكثر من خمس وثلاثين سنة من تاريخ العراق الحديث في شخص الرئيس الراحل صدام حسين رغم أن العراق شهد قفزات نوعية في كل المجالات بل وتفوق في الكثير منها. في اعتقادي أن الخطر الأكبر هو التدخل الإيراني السافر في العراق هذا التدخل أصبح احتلالا فعليا. ترى كيف ستكون العشر سنوات القادمة من تاريخ العراق، بكل هذه المشاكل لا أحد يستطيع التكهن، هل سيبنى للعراق جيش وطني؟ هل سيتم القضاء على الاختراق الإيراني للمذهب الشيعي في العراق ومنع العادات والتقاليد الدخيلة التي روجتها إيران ؟؟؟ أعرف أن هذا ليس قريبا لكني آمل أن يتعافى العراق... - آخر صورة التقطتها؟ * لصنعاء ليلا. آ - خر كتاب قرأته؟ * ما أزال أقرأ كتاب "التصوير الضوئي فن وتقنيات" للدكتور مصيب محمد وهو مصور عراقي وأستاذ بجامعة الموصل. - كلمة أخيرة لقراء "الأمة العربية"؟ * أتمنى لكل قراء "الأمة العربية" ولكل الجزائريين المحبة والوئام والسلام، وآمل أن ألقاهم في معارض وندوات في المستقبل القريب.