عندما أعلن الرئيس الأمريكي "ولسن" مبادئه الأربع عشر بعد الحرب العالمية الثانية اعتنقتها كل الشعوب التي كانت تحت نير الاستعمار وتكتوي بناره، بل أصبحت تلك المبادئ تتلى تلاوة الكتب المقدّسة في المحافل الدولية من طرف المستضعفين في هذه الأرض، لتصبح أمريكا في نظر المستعبدين في القارات الخمسة هي ملاك الرحمة الذي جاء من أجل خلاص العالم وبثّ الحب والأمن في نفوس الشعوب التعيسة. كانت تلك هي صورة أمريكا الظاهرية والوجه "الممكيج" والبراق، لتصبح في الديمقراطية وحقوق الإنسان والبلد الذي تهفو له القلوب ويلجأ إليه المضطهدون الفارّون من الديكتاتوريات الظالمة والأنظمة الشمولية القمعية التي جعلت من الأوطان مجرّد سجون ومعتقلات كبيرة.. ماذا تغير من أمريكا اليوم..؟؟ الأرض هي الأرض.. البحر هو البحر .. وتمثال حريتها الأخرق لازال ماسكا مشعلا يحرق به الضعفاء بلا رحمة.. انهار الاتحاد السوفياتي فجأة مثل كومة من قش، انهياره حير حتى ذئاب "الس أي أي" الذين لم يتوقعوا انهيارا بتلك السرعة، ومن كان يعتقد أن وكالة الاستخبارات الأمريكية هي التي أسقطت الاتحاد السوفياتي فهو واهم لأن هذا الأخير أسقطته آفات حكامه وجشعهم مثلما ستنهار يوما مملكة المجون في الأرض. ودون سابق إنذار وجدت أمريكا نفسها إمبراطورية عظيمة وسط عالم تتلاطم أمواجه في جنون، وفي صدمة شبه جنونية وبعد انقضاء نشوة الانتصار على الشيوعية وجد عملاء "الس أي أي" أنفسهم في حالة "شوماج تكنيك" مثلهم مثل الشباب العربي المبدع البطّال، لولا أن أمريكا الديمقراطية والحرية ابتدعت لنفسها عدوا من العدم وسمّته "القاعدة" ليستمرّ دورها القذر في العالم وفرض الديمقراطية بالقوة، ليكون العراق الضحية الأولى والمحببة والعدو رقم واحد لسيدة الشر في انتظار أن تصنع أمريكا عدوا آخر من العدم، وقبل أن تحتل العراق كان لها ترتيبا آخر في أفغانستان لتجرّب على الضعفاء أفتك الأسلحة أمام "خردة" الطالبان الحربية، لتنهي بعدها الحصار على العراق بهجوم شرس لازال مستمرا إلى اليوم. بين أمريكا "ولسن" وأمريكا "بوش" بحار من دماء ضعفاء الأرض استثمرت فيه أمريكا بمبادئ العدالة الزائفة أو بمبادئ القمع الوحشي لكل من خالف رأيها أوأبدى امتعاضا من سياستها ليقف اليوم على نظام جديد يحق لنا أن نسميه ديمقراطية وميكي ماوس العظيم. لو كتب القدر ل"أدولف هتلر" أن يعيش ويرى مشاهد أطفال العراق وهم تحت رحمة جنود جلالتها وهم ينهالون عليهم بكل ديمقراطية وحرية لا يفرّقون في ركلهم بين عين صبي وأنفه ولا بين صراخهم وتوسّلاتهم وتوقف دقات قلوبهم لذرف بدل الدمع دما قانيا.. هكذا هي الحرية الموعود بها في العراق.. ها هي سلعتهم، فمن يشتري..؟