سوق حقيقية للكتاب العربي المحاصر "بالثورات" يعود صالون الجزائر الدولي للكتاب هذا العام وقد بدأ يترسخ شيئا فشيئا كتقليد في الأجندة الثقافية الوطنية بما يحمله كل موسم من كتب ومطبوعات جديدة، وزوار جدد من كتاب ومثقفين وفلاسفة وسياسيين من مختلف بقاع العالم. شاءت الصدفة أن تحمل رياح ما يسميه البعض "الربيع العربي" هذا العام الكثير من الأوراق العربية المتناثرة نحو صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته السادسة عشر الذي فتح أبوابه مند الواحد والعشرين من سبتمبر الجاري ويستمر إلى غاية الفاتح أكتوبر المقبل والذي أقيم تحت شعار" الكتاب يحرّر"، حتى تحول إلى "سوق" حقيقية للكتاب العربي الذي ضاقت به جدران المكتبات والمخازن في الكثير من الدول العربية، عكس نسيم "الحرية والتحول" الذي صار يستنشقه المواطن العربي في بعض الأقطار. كانت المناسبة كبيرة وعظيمة بالنسبة لدور النشر المصرية واللبنانية على وجه الخصوص التي انقضت على أجنحة الصالون مند الوهلة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة لدور النشر الجزائرية والسورية وغيرها التي لم تستطع تسويق مطبوعاتها بسهولة هذا العام نظرا للظروف التي عاشتها دول عربية عديدة ومنها مصر وتونس المعروفتين بمعارضهما الكبيرة المخصصة للكتاب. ويقول ناشرون جزائريون على دراية تامة بما يدور في كواليس الصالون أن المصريين مثلا "ماتوا من شدة الفرح" عندما قبلت إدارة الصالون مشاركتهم في هذه الطبعة فحملوا أكثر من طاقتهم من الكتب من مختلف الأنواع وهرولوا مسرعين باتجاه ساحة المركب الاولمبي محمد بوضياف علهم يعوضون ما خسروه هذا العام بعد إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب بسبب الأحداث السياسية التي عاشتها أم الدنيا هذا العام، وقد بلغت المشاركة المصرية رقما قياسيا بالنظر للمشاركات السابقة حيث وصل عدد دور النشر المشاركة في الصالون إلى 80 دارا، ونفس الشيء بالنسبة للبنان أيضا كما كانت دور النشر الجزائرية هي الأخرى حاضرة بقوة في هذا الصالون طبعا. وحسب ناشرين جزائريين فإن الثورات العربية التي فتحت الأبواب على مصراعيها هذا العام للمواطن العادي أغلقتها بالمقابل أمام الكتاب الذي لم يجد متنفسا له سوى صالون الجزائر الدولي بعد إلغاء عدة معارض كبيرة ومعروفة للكتاب في كل من مصر وتونس وليبيا و حتى في الإمارات العربية المتحدة وقريبا في سوريا التي تعيش هي أيضا بألوان "الربيع العربي"، لذلك أراد أصحاب دور النشر من الدول المذكورة استغلال هذا الصالون إلى ابعد حد، ولسان حالهم يقول لابد من تسويق المطبوعات والكتب ولو في الصين، علهم يرجعون بعضا من رؤوس أموالهم التي صرفت في الطبع. ولحسن حظ هؤلاء ربما أن الإقبال على فعاليات الصالون معتبر في الأيام الأولى، وهو مرشح للارتفاع مع اقتراب إسدال الستار عليه، فقد أصبح صالون الجزائر الدولي للكتاب نقطة في المخيلة الثقافية للمواطن الجزائري يجب التوقف عندها كل سنة، وطبعا كل واحد يبحث عما يريده، وإذا علمنا مثلا أن طبعة العام الماضي عرفت إقبالا وصل إلى مليون و200 ألف زائر فإن ذلك مؤشر على توجه ما في سلوك المواطن، ونستطيع أن نقول أن الصالون أصبح فعلا جزء من اهتمامات الفرد عندنا خلال هذه الفترة من كل عام.ورغم أن أسعار الكتب تبقى مرتفعة إلا أن الإقبال على الشراء يبقى هو الآخر معتبرا، خاصة بالنسبة للكتب الدراسية والكتاب الديني الذي بقى سيد الموقف كل عام، فصور الكثير من الشباب الملتحي وطلبة العلوم الشرعية والإسلامية والأئمة وغيرهم وهم يحملون أكياسا ممتلئة عن آخرها بالكتب الدينية من مختلف الأنواع تصادفك في كل زاوية من زوايا مركب محمد بوضياف، وهذا فعلا واقع وليس اتهاما أو ما شابه ذلك، فالإقبال على الكتاب الديني كبير و لا يحتاج المتمعن إلى كثير من العناء لتفسير هذه الظاهرة برأيي، ونفس الشيء بالنسبة للكتاب المدرسي الذي يجد الأولياء أنفسهم مجبرين على اقتنائه لأبنائهم خاصة والجميع في بداية الدخول المدرسي والجامعي. صالون الكتاب في طبعته السادسة عشر لم تتغير تفاصيله كثيرا عن الطبعة السابقة، مشاركة قوية لمصر ولبنان وسوريا وفرنسا أيضا، حيث تحظى دور نشر فرنسية معروفة خاصة التي تطبع القواميس بإقبال محترم أيضا. الجديد الذي حمله الصالون هذا العام يبقى في نوعية وطبيعة المدعوين لالقاء المحاضرات والتنشيط الثقافي والفكري، وفي طبيعة المواضيع المثارة على هامش هذه الطبعة، فقد تقرر أن يكون البرنامج الثقافي لهذه الدورة مصحوبا بملتقى دولي حمل عنوانا كبيرا "العالم العربي في غليان ..انتفاضات أم ثورات؟" وهو فرصة لأكاديميين وجامعيين ومثقفين ومتخصصين في العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتناول أوضاع العالم العربي الجديدة بكثير من الدقة والتحليل. كما تشرّف الصالون هذا العام أيضا بدعوة وجوه ثقافية متميزة من مختلف بقاع الوطن العربي والعام منهم أزراج عمر، واسيني لعرج، زينب الأعوج، محمد القاسمي، بريتن برتنباخ من جنوب إفريقيا، أدوي بلانل (فرنسا) يحي بلعسكري، أنور بن مالك، رشيد بوجدرة، دومنيك بوديس، مراد بوربون، اوسفالدو رودريغيز بيريز(الشيلي)، عبد القادر جمعي، يوسف تونسي، كمال دواد، جرمان سادولائيف (من روسيا التي تشارك لأول مرة في الصالون)، محمد ساري، إبراهيم سعدي، جابر عصفور، محمد سلماوي ، نور الدين سعدي، صلاح فضل، مالك علولة، إسماعيل غومزيان، مليكة مقدم، مايسة باي، فضيلة مرابط، ادغار موران (عالم اجتماع فرنسي)، يمنى العيد، رشيد الضعيف، محمد أبي سمرا شوقي بزيغ )من لبنان) وغيرهم من المدعوين من مختلف الدول،كما وجهت الدعوة أيضا للدبلوماسي الجزائري المعروف الأخضر الإبراهيمي، وعالم السياسة محمد السعيد إدريس من مصر، وفواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية بلندن، ووليام كوانت أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرجينيا بالولايات المتحدةالأمريكية. م- عدنان