يطمح كل شاب جزائري للحصول على منصب عمل وفق شهاداته وكفاءاته وتخصصه، لكن البعض من الذين لم يجدوا مناصب شاغرة ملائمة لرغباتهم، دفع بهم الأمر إلى معانقة التجارة الحرة والخوض في غمارها والبعض الآخر أخذ يغامر بنفسه من أجل دراهم معدودة بدخول عالم التهريب من أبوابه الواسعة على الحدود الغربية للوطن. وكعينة لذلك ... مصطفى... شاب كان طموحه يتسابق والزمن، متحصل على شهادة في العلوم التجارية، إلا أن كل المسابقات الوظيفية التي شارك فيها لم تعطه نصيبا في العمل مثلما حاز عليه البعض الآخر بلا كفاءات أو شهادات، الأمر الذي زجّ به في حظائر تفريغ المازوت والوقود لتمريرها عبر الحدود، وخلال حديثه كشف لنا عن معاناته الشديدة والمريرة والفاجعة المفاجئة التي يمكن لأي شاب مغامر في هذه المهنة التي يُقرّ بأنها "غير شرعية " باعتبارها سرقة للدولة، يضيف، "إلا أن الزمن الذي نحن فيه أين أصبح كل شيء يساوم إلا بالمال "، وبما أن الغاية تبرر الوسيلة فإن هذا الشاب كمثل أقرانه الذين يلقون بأنفسهم بإدراك من على شفا حفرة من النار، حيث قال لنا في هذا الصدد أن " العمل يكون في أوج نشاطه في الساعات المتأخرة من الليل علما أن نقل الوقود لا يتطلب التوقف، إلا أنه في كثير من الأحيان ما يصادفون فجأة في الظلمات الحالكة شاحنات ضخمة ناقلة للبضائع في منعطف من المنعطفات الوعرة التي يعرفها طريق مغنية، لينتهي المطاف بهم إلى الاصطدام فيما بينهم وفي حالات نادرة ما ينجو أصحابها من هذه المجازر الليلية لكن بعاهات مستديمة وجروح بالغة الخطورة، ففي كثير من الأحيان ما تستيقظ مدينة تلمسان على فاجعة من الفاجعات التي تنتهي بموت أزيد من 3 أشخاص في إحدى الرحلات بعد عبورهم على الطريق الوطني رقم 35 الذي يصفه الكثير بمسلك الموت، حيث أن ضيق هذا الطريق وتقاطعه مع المسالك الأخرى يؤدي في الغالب إلى وقوع اصطدامات بين المهربين والتجار الذي يقلون شاحنات ضخمة تجارية، حيث ترجع أسباب هذه الحوادث إلى السرعة المفرطة في ساعات متأخرة من الليل من قبل هؤلاء المهربين من أجل 1200 دينار للرحلة الواحدة كأقصى حد، علما أن هذا الطريق ليس مزودا بمصابيح الإنارة العمومية، كما أن الشباب المهرّبين أصبحوا يستبدلون سياراتهم الفخمة بسيارات المرسيدس القديمة، كون هذه الأخيرة تحمل 90 لترا إلى 100 لتر في الرّحلة الواحدة، في حين أن الخزان الأصلي يحمل أقل من ذلك أي 70 لتر، الأمر الذي يدفع الكثير من المهربين إلى استخدام عدة تقنيات من بينها الاعتماد على عملية "تفجير خفيف" هذا الأسلوب الذي يسمح بتوسيع حجم الخزان ليتمكن من استيعاب 90 لترا بدل 70 لترا وذلك من خلال وضع قطعة قماش مبللة بالكحول يتم إشعالها بالكبريت، مضيفا في نفس السياق أن أغلب المتعاملين ليسوا فقط شباب و ذكور بل هناك كهول ونساء، إلى جانب أطباء الذين يشتغلون دكاترة في الشتاء وخلال العطلة السنوية مهربين من الدرجة الاحترافية، حيث كشف لنا أن الأطباء والأساتذة وأصحاب الوظائف المرموقة ينفذون في كل الحالات من الرقابة الجمركية باعتبار أنهم من أصحاب المهن النبيلة لا يستدعي الأمر إلى تفتيشهم، يضيف، " إلا أن الأستاذ لن يكون أبدا رسولا إلا للتهريب، ولا الطبيب حكيما " ،" في حين أن هؤلاء الأساتذة يقومون بتوبيخ التلاميذ الذين أهملوا حفظ دروس التربية المدنية " على حدّ تعبيره ". وفي سؤال حول أن الكل يعمل على هدف واحد، قال محدثنا أن هؤلاء الشباب ما دفعهم كرها لا طوعا هي الظروف القاهرة والبطالة، مستغربا عن حال الطبيب الذي يستفيد ما لا يقل عن 40 ألف دج شهريا، والأستاذ الذي وفّرت له جميع الشروط المهنية من قبل الوزارة الوصية متسائلا بذلك عن أيّة وزارة يمكن لها أن تتكفل بهذا الشباب الضائع. ....." سوق الفلاح "...نشاط تجاري مغربي ببضاعة جزائرية وجدة وبني درار- كل الرّحال تشدّ إلى "سوق الفلاح" بمدينة وجدة المغربية على الحدود الجزائرية، ففيه يجد كل مشترٍ ضالته بثمن بخس، بدءا من المواد المنزلية وانتهاء بالملابس والمواد الغذائية. لكن ما يلفت الانتباه هو أن كل البضائع الموجودة بهذه السوق لا علاقة لها بالمغرب سوى من حيث كونها تباع فوق أرضها، أمّا السلع فهي حصيلة عمليات التهريب التي تقع بالمنطقة الشرقية للمغرب، سواء على الحدود الجزائرية أو مع مليلية المحتلة..." لا وجود لبضائع مغربية هنا، كل ما تراه هو إما سلع آتية عبر نقاط التهريب مع الجزائر أو مليلية حسب محدثنا الناس يفضّلون البضائع المهربة لرخص ثمنها من جهة ولجودتها العالية من جهة أخرى "، غير أنه يضيف من جهة ثانية أن السلع الإسبانية والأوروبية الآتية عبر مليلية المحتلة تبقى جودتها الأفضل. في وجدة وباقي المدن المغربية الشرقية، تجد كل البضائع عرضة للتهريب، ويبقى سوق الفلاح نموذجًا مصغرًا لما يروج في المنطقة الشرقية، ويقبل المواطنون بشكل كبير على حليب الرضع الصناعي، في ضوء الأسعار الملتهبة التي تعرفها أثمانه في المدن الداخلية للمغرب، فقد تجاوز متوسط ثمن حليب الرضع ال7 دولارات للعبوة الواحدة، بينما توفر سوق التهريب عبوة الرضع نفسها بدولارين ونصف فقط، ويستهلك كل رضيع ما معدله 3 عبوات كل أسبوع، ولا يتخوف سكان وجدة من أيّ آثار صحية جانبية للسلع المهربة، ويكتفون بالإطلاع على تاريخ انتهاء الصلاحية دون أدنى قلق من عمليات الغش. وتتنوع الثغرات الحدودية التي يعبر منها المهربون من البلدين، من بينها طريق "العالب" قرب وجدة، وأحفير وبني درار وفلاج لخضر. وتؤكد مصادر زارت مدينة وجدة، أنّ الجزائريين "يستوردون" من المغرب سراويل الجينز والملابس المصنوعة محليا، في حين يكثر الطلب المغربي على البنزين بشكل خاص، ثم المواد الغذائية والتجهيزات المنزلية والأغطية والملابس الجاهزة، "حتى الخبز الطري يتم تهريبه بحيث يعجن ويطهى في الجزائر، ويباع ساخنا في المغرب" بحسب أحد الزوار في حديثه، ويباع الخبز الجزائري الضخم ب 3 دراهم مغربية (أقل من نصف دولار). ولا تكاد سوق الفلاح يجد منافسًا سوى من قرية بني درار التي تبعد حوالي 30 كم عن وجدة، ففي هذه القرية الحدودية كل الأنشطة تقوم على التهريب بما فيها شراء الأدوية، حيث بمدخل سوق الفلاح بمدينة وجدة حسب محدثنا القادم من هذه المدينة الحدودية يمكن شراء، بالقطعة أو بالجملة، نحو 72 صنفا من الأدوية، وبأسعار تقل بنحو 40% إلى 80% عن أسعارها في الصيدليات المصنفة إلى جانب الأدوية والمواد الغذائية تباع بمدينة وضواحيها مختلف أنواع السلع الجزائرية سواء بشكل موسمي أو بشكل دائم، وهكذا تشهد فترة الدخول المدرسي رواج السلع الجزائرية المرتبطة بهذه الفترة كالملابس وأدوات التمدرس (محفظات، أقلام، دفاتر، علب الصباغة...الخ) وتعرض بثمن بخس، وفي شهر رمضان تعرف المدينة إنزال شحنات كبيرة من التمور تعرض بأثمان تتراوح بين 20 و 27 درهم للكيلوغرام حسب الجودة، وكذلك الحليب ومشتقاته...وقدّرت دراسة ميدانية أنجزتها غرفة التجارة والصناعة لمدينة وجدة عدد السلع المهربة المتداولة في أسواق وجدة بنحو 422 بضاعة مختلفة، مصنعة في أوروبا وآسيا وبعضها مصنع في الجزائر، وكشفت الدراسة أن 100% من قطع غيار السيارات المروجة بهذه الأسواق مقبلة من الجزائر، وكذلك 91.4% من الأجهزة المنزلية و73.4% من الأدوية و72.7% من المنتجات الكهربائية، و71% من المواد الغذائية المصنعة و68.4% من مواد التجميل و40% من الملبوسات والأنسجة، ومن غريب أيضا مفارقات هذه السوق إمكانية شراء أكياس من الدقيق الجزائري لا يتجاوز الفرق بين تاريخ عرضها في أسواق وجدة وبني درار وتاريخ تعبئتها في الجزائر، يومين أو ثلاثة، مما يؤشر على أنها جاءت مباشرة من الجزائري إلى السوق المغربية، حسب محدّثينا. وفي المقابل، تمّ الكشف حسب التقرير لمصالح الدرك الوطني، أن قوّات حرس الحدود الجزائرية نجحت خلال هذه السنة في كبح العديد من محاولات تهريب منذ مطلع السنة الجارية، شملت مختلف المواد، على غرار الكيميائية والألبسة والمشروبات الكحولية إضافة إلى الماشية والطيور فضلا عن الأدوات الكهرومنزلية وغيرها. وأكّدت الحصيلة أن عملية تهريب المواد الغذائية المتوفرة في علب، زيت المائدة وأثار الملابس، الأجهزة، النحاس ومواد البناء وقطع غيار، سجلت ارتفاعا مقارنة بالسنة الماضية بحوالي 13.155 كلغ من المواد الغذائية المعلّبة، تهريب المواد الغذائية غير المعلبة يصل إلى 31.049 وحوالي 10.243علبة زيت المائدة156.770، الأجهزة الالكترونية، بينما تقدّر عملية تهريب النحاس ب 8645 وحدة، مواد البناء ب وحدة 813، وفيما يخص قطع الغيار وصلت عملية تهريبها إلى الخارج ب 234 وحدة، وبالمقابل، أوضح التقرير أن بعض المواد عرفت انخفاضا خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية في تهريبها من الداخل إلى الخارج، وهذا الانخفاض يشمل كل من المشروبات الغازية، أو الكحولية والأغنام والأجهزة الإلكترونية والمرجان، لتصل هده السنة نسبة التهريب المشروبات الغازية إلى 5638 لترا و114 وحدة فيما يخص تهريب المشروبات الكحولية، و5306 الأجهزة الالكترونية و13.300كلغ من المرجان المهرب. في حين أشار التقرير إلى أن عملية الحجز للمواد المهربة من الخارج إلى الداخل شهدت ارتفاعا كبيرا خاصة، المشروبات الكحولية، المستحضرات التجميلية، الأدوات المدرسية والأجهزة الإلكترونية والطيور. وهذا الارتفاع يقدر ب1371 وحدة في تهريب الملابس وحوالي وحدة 11530من قارورات المشروبات الكحولية والمستحضرات التجميلية ب 13058 وحدة، و4015 من الأجهزة الالكترونية والمواد المدرسية ب 1690و1755حالة من تهريب الطيور، بالمقابل، المواد الغذائية والأغنام، السجائر، قطع الغيار، المواد الحديدية وأجهزة التنظيف، عرفت انخفاضا في تهريبها هذه السنة. ...."حمير" مُوجهة بجهاز ال walkman لتهريب السلع بين الجزائر والمغرب اهتدى بعض المهرّبين عبر الحدود البرية المغلقة إلى حيلة استخدام الحمير لحمل البضائع المهربة خاصة في فترات اشتداد دوريات مراقبة الحدود على أنشطة وحيل المهربين من الجانبين معاً. ويقوم المهربون المغاربة أو الجزائريون باتفاق مع بعضهم البعض، بتوجيه الحمار من خلال جهاز تشغيل الصوت walkman وسماعات صوتية يتم وضعها على أذنيه، فيسمع أوامر صاحبه بصوت جهوري بأن يواصل السير ولا يتوقف أبداً مهما حدث في تهريب السلع عبر حدود البلدين الجارين، حيث يحكى أن هذه الحيلة الطريفة فعالة وتؤتي ثمارها بفضل معرفة الحمار لتضاريس المنطقة ومسالكها الجبلية الصعبة، وأضاف أن طريقة جعل الجهاز الصوتي في أذني الحمار لا تجدي نفعاً خاصة إذا ما وجد هذا الحيوان في طريقه إلى الجانب الآخر حراس الحدود الذين يعتقلون الحمار ويحتجزون البضائع، وأحياناً قد يردونه قتيلاً إذا لم يرغب في التوقف. وزيادة على توجيه الحمار من خلال سماعات صوتية، ينفذ بعض المهربين طريقة في غاية الدهاء، ومفادها ترويض الحمير للفرار عند رؤية اللون الأزرق وهو لون البذلة الرسمية لرجال مراقبة الحدود، حيث يقوم الشخص المهرّب صاحب الحمار بارتداء اللون الأزرق، ثم يضربه ويعنفه بشكل كبير إلى أن يصاب الحيوان المسكين بخوف شديد وبالفوبيا من أي شيء لونه أزرق. وهكذا يطلق المهرب الحمار ليسير وحده، وفي أذنيه سماعات صوتية مُسجل فيها أوامر صاحبه بالمشي، إلى أن يصل إلى الوجهة الثانية لتفريغ الحمولة من البضاعة المهربة.