هذه الجريمة التي ارتكبها المعمرون اليهود بقسنطينة بإيعاز من الموساد الاسرائيلي، لم تكن الأولى ولا الأخيرة في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث تؤكد مصادر فرنسية أن اليهود والموساد تحالفوا مع منظمة الجيش السري "أو.أ.أسي". ففي مثل هذا اليوم من العام 1956، قامت ميلشيات اليهود في قسنطينة بتقتيل الجزائريين في أحياء المدينة ببرودة وتحت أعين الجيش والبوليس الفرنسي، وتواصلت مجازر المعمرين أياما. وحسب تقرير الليبراليين الفرنسيين المنشور في كتاب "الجزائر سنة 1956" للصحفي الفرنسي روبير بارا، فإن قسم حفظ الجثث بمستشفى قسنطينة لم يتسع لاحتواء جثامين الجزائريين من مختلف الأعمار الذين قتلوا ذلك اليوم. كما أن جريدة جبهة التحرير الوطنية "المقاومة الجزائرية"، نشرت تقريرا مفصلا لتلك المجازو وقائمة طويلة بأسماء الضحايا، واكتفت الجريدة بالحديث عن معمرين من الطائفة اليهودية دون التفطن لمسؤولية الموساد والكيان الصهيوني المجرم. ولأن الرئيس الفرنسي ساركوزي عند احتفاله يوم 8 ماي 2008 بعيد النصر الفرنسي، أكد عند وضعه باقة ورد على قبر الجنرال ديغول أنه لا يجب على الشعب الفرنسي أن ينسى جرائم النازية، فإنه يتعين على الشعب الجزائري ودولته أن لا ينسوا أبدا جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر، وكذا جرائم اسرائيل الصهيونية، حليفة الاستعمار. ولأن الحقيقة ستنكشف وتتجلى مهما طال الزمن، فقد كشف ضابط سام في الموساد تفاصيل عن مجزرة قسنطينة في 12 ماي 1956، خلال مؤتمر يهود قسنطينة المنعقد في تل أبيب. تفاصيل تورط الموساد، نشره الموقع الالكتروني الفرنسي "بروش أوريون أنفو" (أخبار الشرق الأوسط) الذي نقل شهادة أفراهام برازيليا (78 سنة) الذي قرر البوح بسر دفين رافقه طيلة حياته، ويتعلق بعمله كجاسوس للموساد بالتعاون مع سلطات الاحتلال الفرنسية. وكان عمر برازيليا 29 سنة عندما أوفده الموساد إلى الأراضي الجزائرية، ترافقه زوجته لترتيب عمليات استخبارية وتنظيم خلايا عمل لمواجهة المقاومة الجزائرية، ولمداراة نشاطه كجاسوس لصالح استخبارات بلاده امتهن التعليم في مدرسة من مدارس قسنطينة. ونقل بروش أوريون التجسسية التي كان ينسق فيها مع مسؤوله المباشر وقتئذ، ويدعى شلومو هافيليو، بينما كان في مهمة دائمة في العاصمة الفرنسية باريس عام 1956. وتقضي تلك المهمة بتدريب وتسليح شبان يهود في مدينة قسنطينة (شرق الجزائر) لمواجهة مخططات الثوار الجزائريين الذين تبنوا استراتيجية حرب المدن، وكان يجب إفشال مخططاتهم. ويروي الجاسوس برازيليا، فصلا مهما من أيامه الجزائرية، ويقول إن حدسه أوحى له بتاريخ 12 ماي 1956 بأن عناصر جيش التحرير الجزائري تحت تنظيم جبهة التحرير الوطني، بصدد تحضير عملية عسكرية كبيرة، فكان أن أمر أفراد خليته بمدينة قسنطينة بالتسلح بمسدسات والتجول في شكل كتائب عسكرية بشارع فرنسا، الذي كان يعتبر المفصل الرئيسي للحي اليهودي بقسنطينة. ويذكر برازيليا أنه في منتصف النهار دوى انفجار عنيف في شارع فرنسا، بعدما رمى عربي أي جزائري بقنبلة يدوية داخل مقهى، وبعد لحظات من الانفجار تجمع كل أفراد خليته، وكان الهلع وصراخ النساء يغمر المكان، لكن في ذروة الهلع كانت سيدة تشير إلى الشارع الضيق الذي فر من خلال "الإرهابي"، التسمية التي كانت تطلق على ثورة جبهة التحرير الوطني. ويذكر برازيليا أن أعضاء خليته ألقوا القبض على الجاني وأوردوه قتيلا بسرعة البرق. تقرير للموساد نشر العام الماضي، يكذّب أطروحة برازيليا يكون الجاني جزائريا ويوضح أن مجموعات الموساد اكتسبت قدرة فائقة على الاختراق والتحسس والتجسس، فضلا عن الدعاية في الوسط اليهودي والجزائري. وعند نهاية التكوين في إسرائيل، أرسلت مجموعات من هذه الوحدة إلى الجزائر ابتداء من سنة 1955 لتشتهر بالعديد من العمليات ضد المسلمين الجزائريين، وحتى اليهود، ومن أشهر العمليات التي قامت بها المجموعة كما تشير إليه تقارير الموساد الهجوم بالقنابل اليدوية يوم السبت 12 ماي 1956 بقسنطينة، وهو اليوم الذي صادف آنذاك عيد الفطر بالنسبة للمسلمين، وعيد الشابات "يوم الصيام" بالنسبة ليهود المدينة. ففي حدود الساعة 11.30 من هذا اليوم، عيد الفطر، قام أحد عناصر هذه الفرقة بإلقاء قنبلة يدوية داخل حانة "مازيا" بشارع سيدي لخضر، أدت إلى جرح 13 معمرا، بمن فيهم يهود وثلاثة من رجال الأمن. وبعد ذلك، وجهت الدعاية اليهودية أصابع الاتهام إلى جبهة التحرير وقام عقباه المعمرون اليهود بالانتقام من المسلمين ابتداء من ليلة ذلك اليوم، وقتلوا العشرات منهم، كما أوردت الصحف آنذاك، بما فيها ب "لاديبيش دوكونستونتين". وعن هذه العملية، قال رئيس هذه الفرقة شلومو غابيليون الذي غادر الموساد سنة 1960، إن جبهة التحرير اعتقدت حينها بأن القوات الخاصة الفرنسية أو ما يعرف ب "فيالق الموت السرية" كانت وراء هذه العملية. وحسب مركز هرداد، فإن مهمة هذه المجموعات كانت تتمثل أيضا في زرع الرعب وسط يهود الجزائر لإجبارهم على المغادرة إلى إسرائيل التي كانت بحاجة كما يذكر مركز هرداد الكائن بمدينة هرتزيليا نسبة إلى الزعيم الصهيوني تيودور نرتزل الذي نادى في القرن التاسع عشر إلى تأسيس دولة ليهود العالم أنه من جهة أخرى أشرفت هذه المجموعات على تسهيل عمليات رحيل يهود الجزائر إلى فلسطينالمحتلة، خاصة ما بين سنوات 1956 و1962. ويتابع الجاسوس برازيليا معتزا بما فعل "لقد توجسنا خيفة من أن يقوم العرب بعمل انتقامي ضد الحي اليهودي، فأعدنا توزيع خلاينا على أربعة منافذ استراتيجية لمدخل الحي، كان بعض اليهود مسلحين بتصريح من السلطات الفرنسية، ودون انتظار وكان متوقعا انهالت طلقات الرصاص على الحي اليهودي وقرر المسلحون الانتقام لأنفسهم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد أحياء المسلمين". ولكن برازيليا يستدرك أنه أعطى أوامر صارمة بتجنب أي عملية من شأنها أن تفرز أوضاعا وخيمة لا يحمد عقباها. ويذكر الجاسوس أنه بعث برسالة مشفرة إلى قيادة أركان الموساد في أوروبا تقول: "لقد هاجم رجالنا مقاه عربية مجاورة وألحقوا بها خسائر معتبرة". وكان عمل الجواسيس الاسرائيليين بالتعاون مع السكان اليهود، يتركز على إلحاق الأذى بشكل مستمر بالثوار الجزائريين، وإفشال كل أشكال المقاومة الجزائرية، بل كانوا ينوبون الجيش الفرنسي في أحيائهم. وفي هذا الشأن، يؤكد برازيليا أن ضباطا وجنودا في الجيش الفرنسي كانوا تحت قيادة خلايا تابعة للموساد الإسرائيلي. يحاول ساركوزي إقناع السلطات الجزائرية بالانضمام إلى مشروعه المتوسطي من أجل الصهيونية، الذي تحمست له للأسف بعض الدول العربية، رغم تعهدها بالدفاع عن موقف الجامعة العربية تجاه قضية فلسطين. أحمد لخضر بن سعيد الناطق الرسمي للهيئة الجزائرية المناهضة للفكر الاستعماري