زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كونشير إلى الجزائر كانت بهدف البحث مع المسؤولين الجزائريين ملف الاتحاد من أجل المتوسط الذي طرحه الرئيس نيكولا ساركوزي وتفوز فيه إسرائيل بالعضوية الكاملة تصادف الذكرى الثانية والخمسين للمجازر الفرنسية الصهيونية التي ذهب ضحيتها مئات الجزائريينبقسنطينة في 12 ماي 1956 عشية عيد الفطر المبارك. هذه الجريمة التي ارتكبتها المعمرون اليهود بقسنطينة بإيعاز من الموساد الإسرائيلي لم تكن الأولى و لا الأخيرة في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر حيث تؤكد مصادر فرنسية أن اليهود والموساد تحالفوا مع منظمة الجيش السري "أو.أ.أس"، ففي 12 ماي 1956 قامت ميليشيات اليهود في قسنطينة بتقتيل الجزائريين في أحياء المدينة ببرودة و تحت أعين الجيش والبوليس الفرنسي وتواصلت مجازر المعمرين أياما. وحسب التقرير الفرنسي المنشور في كتاب "الجزائر سنة 1956" للصحفي الفرنسي روبير بارا فإن قسم حفظ الجثث بمستشفى قسنطينة لم يتسع لاحتواء جثامين الجزائريين من مختلف الأعمار الذين قتلوا ذلك اليوم. وتمر 63 سنة على مجازر الإبادة العرقية التي ارتكبتها الدولة الفرنسية من 08 ماي إلى منتصف جويلية 1945 في كل من سطيف، خراطة وقالمة وباقي المدن الأخرى من الوطن، والحقيقة لم تكشف بعد، وبشاعة الجرائم التي ارتكبتها العساكر، وقطعان المعمرين المسلحين يستمرون في نكرانها. والأخطر أن التلفزة الوطنية الجرائد سارعت لتغطي وتضخم تصريحات السفير الفرنسي برنارد باجولي الذي سمح لنفسه قبل شهر بأن يقول أكاذيب ويدعي أن فرنسا سلمت الجزائر كل الأرشيف المتعلق بالفترة قبل 1830، كما شتم ذاكرة الضحايا بقوله إن فرنسا لن تعوض ضحايا الألغام في الجزائر، مضيفا أن الأرشيف من 1830 إلى 1962 ملك لفرنسا ولن تسلمه. ثم عاد مرة أخرى ليعلن على صفحات جريدة وطنية أن الجزائر لم تطالب بالأرشيف ولا بتعويضات لضحايا القنابل النووية التي يعتبرها تجارب، ثم أضاف كاذبا أن فرنسا قدمت معلومات جديدة حول التجارب النووية في حين أن الحقيقة كانت محاولة لتقرير محافظة الطاقة الذرية بعد تحقيق لها في الجزائر أجرته سنة 1999 بطلب من الحكومة، ونشرته على موقعها سنة 2005، وكان لفرنسا ضلع في تأخر نشر التقرير. ذهب باجولي إلى قالمة مؤخرا وغطت التلفزة الوطنية والجرائد الجزائرية خرجته ونقلت قوله بجامعة قالمة، زمن نكران الاعتراف بالجرائم قد ولى، وأن السلطات الفرنسية تتحمل مسؤولية المجازر التي وقعت يوم 8 ماي 1945، والتي لطخت تاريخ فرنسا، وتحولت إلى وصمة عار يصعب محوها، وأضاف أن يوم 8 ماي 1945 يوم تاريخي، مثل للعالم بأسره نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية النظام النازي، ولكنه بالنسبة لمدينة قالمة فهو يوحي بذكريات أخرى تعود إلى حقبة أكثر مأساوية في تاريخ الجزائر، وتناسى السفير الفرنسي أن النازية لم تنته فعلا وأن فرنسا واصلتها بجرائمها ضد الإنسانية. ولم يتوان باجولي في الإشادة بالمعمرين الأوروبيين واعتبر أنه بينما كان الجزائريون يحتفلون في ذلك اليوم إلى جانب الأوروبيين بالانتصار على النازية، وقعت مجازر رهيبة في سطيفوقالمة وخراطة، مشددا على أن الانفلات الجنوبي للغضب القاتل والدامي، الذي كان للسلطات الفرنسية، القائمة آنذاك، مسؤولية جسيمة فيه، وخلف آلاف الضحايا من الأبرياء، الأغلبية الساحقة بينهم من الجزائريين، دون نسيان العشرات من المدنيين الأوروبيين الذين قضوا نحبهم إبان تلك المواجهات. باجولي لم يأت في الحقيقة بجديد وأراد أن يمرر سموما باعتباره أن المظاهرات الجزائرية جاءت للاحتفال بنهاية النازية فقط، وأن القضية كانت مجرد غضب تحول إلى مجازر، في حين أن الجزائريين يومها خرجوا للمطالبة بالاستقلال وبإطلاق سراح الزعيم مصالي الحاج الذي نقل في أواخر أفريل إلى برازافيل. ويؤكد تقرير توبير الذي كان على رأس اللجنة التي عينها ديغول للتحري في مجازر 8 ماي (وهذا التقرير ما زال حتى اليوم حبيس السيرة، ونشر مؤخرا موقع رابطة حقوق الإنسان بطولون ملخصا له في 23 صفحة) زيف الأطروحات الفرنسية خاصة ما يتعلق بأسباب المظاهرات التي أراد بعض المؤرخين الفرنسيين أيضا تحويلها إلى انتفاضة جوع وفقر، بينما يؤكد تقرير لجنة توبير، وهو أحد مؤسسي لجنة حقوق الإنسان وكان جنرالا في الجندرمة الفرنسية وصديقا للحاكم العام شاتينيو وللمؤرخ شارل أندري جوليان. لجنة توبير أنشئت يوم 18 ماي 1945 وكان الجنرال توبير عضوا بالمجلس التأسيسي الفرنسي رئيسها والسيد لاباتي محام بمحكمة الجزائر عضوا، والسيد شعيب ولد بن عودة قاضي تلمسان عضوا، وذهبت اللجنة إلى سطيف يوم 25 ماي للاستقصاء ثم عادت إلى الجزائر ولم تتوجه إلى قالمة لآن المجرم المحرك للمليشيات كان المحافظ الإداري اشياري وهو من الديغوليين. باجولي السفير أحدث زوبعة في فنجان، وسب مرة أخرى ذاكرة الشهداء الجزائريين عندما ألح على ما أسماه الضحايا الأوروبيين وعددهم واضح في كل التقارير 102 قتيل، بينما واصل نكرانه للخمسة وأربعين ألف جزائري وجزائرية الذين قتلوا ذبحا وبرصاص البوليس والجندرمة والجيش أو تحت قذائف البواخر الحربية والطائرات بأوامر وزير الطيران الشيوعي تيون والجنرال ديغول. مجازر 8 ماي 1945 أهملت وأهملت المسؤوليات، والحقيقة أن الجزائريين أرادوها مظاهرات سلمية مطالبة بالاستقلال، وكانت نفس الشعارات المطالبة بالحرية وبإطلاق سراح مصالي الحاج رفعت في كل المدن الجزائرية بسكيكدة، القل، سوق أهراس، تبسة، عنابة، البليدة، سيدي بلعباس، خميس مليانة ومدن أخرى ورفع فيها العلم الوطني الأبيض والأخطر والأحمر الذي سقط بسببه الشاب الكشاف بوزيد سعال الشهيد الذي لم تعترف له الجزائر المستقلة مع إخوانه ال 45 ألف ولم يخرج الجزائريون في مظاهرات مع الأوروبيين كما إدعى السفير الفرنسي، اللهم المنتمين إلى التيار الاندماجي الذين شاركوا في مظاهرات الأوروبيين، و لكن هؤلاء لم يمسهم القمع. المهم فرنسا لا تزال تتنكر لجرائمها عكس تصريح سفيرها الذي أصبحت كلماته وجرأته تتناقلها وسائل الإعلام الجزائرية، ولم يتفطن أحد أنه ذهب إلى قالمة عندما زار رئيسه ساركوزي تونس ليمرر مشروعه الغامض "الاتحاد المتوسطي" الذي يشرك فيه إسرائيل، وحتى زيارة وزيرة الداخلية للجزائر تتغطى بذريعة مكافحة الإرهاب وما تسميه الوزيرة "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي"، في حين أن الجزائر لم تجد فرنسا عندما كان الإرهاب ومجموعات "الجيا" و"الجي.اس.بي.سي" تدمر البلاد، بل كانت فرنسا تمارس حصارا على الجزائر، في حين أن شحنات الأسلحة من نوع "اورزي" و"اسكوربيو" كانت تمر على فرنسا وتدخل الجزائر لتقتل أبناءها بعلم المخابرات والأجهزة الفرنسية. أما الاعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي وكشف حقيقة جرائمه في الجزائر، فما تزال فرنسا تراوغ و تمجد ماضيها الأسود النازي. ومازالت تواصله والدليل على ذلك القانون الجديد حول الأرشيف الذي سنته الحكومة الفرنسية الذي يؤكد الفكرة الثابتة لسر الدولة حول جرائم الدولة من بينها الجرائم التي تم اقترافها في الفترة الاستعمارية. ويبقى القانون الجديد حول الأرشيف و بعض الوثائق التاريخية "غير قابلة للإفشاء" كما يمدد آجال الحصول عليها إلى 75 سنة لتصبح بعض الوثائق لاسيما تلك المتعلقة بالفترة الاستعمارية في الجزائر سرية ولا يمكن الحصول عليها إلا في حدود سنة 2037. فإن الشعب الجزائري يعرف جيدا صنائع الاستعمار وينتظر أن تطرح قضايا الجرائم الاستعمارية بجدية وتقدم ملفات أمام المحكمة الدولية وتسترجع ذاكرة الأمة المحجوزة وقد تتجند الطاقات لإجبار فرنسا على استرجاع عشرات الآلاف من النفايات المشعة المدفونة في صحرائنا ونقلها إلى فرنسا، وهذه مسائل حيوية لن تنجزها ديماغوجية الرئيس الفرنسي ساركوزي ووزير خارجيته كونشير والسفير برنارد باجولي. نحن لا نريد اعتذارا شفهيا يلقى في وسائل الإعلام من الرئيس الفرنسي ساركوزي ووزير خارجيته كونشير وسفيره برنارلد باجولي، نحن نرى أن ذلك لا يكفي وأن الشعب الجزائري عانى ويلات الاستعمار الفرنسي من قهر ووحشية واعتداء على حرماته لا تعوضه كلمات دبلوماسية معسولة، إن الشعب الجزائري يريد رد الاعتبار بغسل العار، وذلك بالجمع بين الاعتذار الصريح والتعويض العادل. * الناطق الرسمي للهيئة الجزائرية المناهضة للفكر الاستعماري