لم يعد يفصلنا سوى أقل من شهر على دخول فصل الصيف الذي تكثر فيه الأفراح والمناسبات السعيدة، لا سيما الزواج الذي يبقى حلم كل شاب وفتاة من أجل بناء أسرة والعيش في كنف الهناء والسعادة وتطليق العزوبية وكذا العنوسة التي أضحت كابوسا يؤرق آلاف الجزائريات، لكن غلاء تكاليف العرس الباهظة حال دون إقامة هذا الفرح الذي ينتظره أهل العروسين رغم مرور عدة سنوات على فترة الخطوبة نحن هنا لسنا بصدد إبراز مشكل السكن الذي يعانيه ملايين الجزائريين والذي يكون من أهم الأسباب التي تجبر الشباب على العزوف عن الرباط الشرعي الذي يبقى حلم الجميع. بل سنخوض في سبب آخر ألا وهو غلاء أسعار الذهب رغم استمرار موجة الأزمة المالية التي تضرب العالم وتذبذب سوق الذهب العالمي الذي أثر على المقبلين على الزواج وكذا الصائغين وترك الباب مفتوحا لسماسرة هذا المعدن النفيس، واكتسحت مافيا الذهب مشكلة سوق موازية زادت من حدة الأزمة في ظل غياب الرقابة ووسائل الردع، الأمر الذي جعل الأسر الجزائرية تعزف عن شراء الذهب رغم حاجتها الماسة إليه، كما أن الصائغين لم يغامروا في شراء كميات كبيرة خوفا من تقلب السوق وتكبد خسائر إضافية هم في غنى عنها نتيجة الديون المتراكمة. وفي جولة استطلاعية قادتنا إلى مختلف محلات وأماكن بيع الذهب، بوسط مدينة مستغانم وعبر العديد من بلدياتها، لم نلاحظ ذلك الإقبال الكبير للمواطنين الذي كنا نلمسه من قبل، لا سيما من لدن النساء، فالتخوف والتريث أصبح سيد الموقف شأنهم في ذلك شأن البائعين الذين لا حديث لهم سوى: "هل هناك انخفاض في الأسعار أم لا؟". فمن خلال حديثنا مع البعض منهم لمسنا أنهم يعيشون حالة الضيق التي طال أمدها بسبب تداعيات الأزمة المالية الخانقة، أما عن السوق الموازية فبمجرد دخولك إليه إلا وتلمحك أعين شاخصة توحي أن هناك شيئا للبيع أما آخرون فلا يترددون في مساءلتك إن كان هناك ما يباع أو يشترى. حاولنا الغوص في غمار هذا السوق وكان حديث أحد الصائغين ممن يشتغلون في بيع المعدن النفيس بطريقة قانونية منذ سنوات، حيث أخبرنا أن هذا السوق يشهد ركودا وتراجعا كبيرين رغم ما أحدثته الأزمة المالية في الأسواق العالمية بما فيها سوق الذهب، إلا أننا في الجزائر نشهد غير ذلك، ونقلنا استفسارنا إلى بائعين آخرين أجمعوا أن السبب في ذلك يعود إلى بارونات الذهب أو التجار الموسميين الذين يستثمرون في كل شيء مستغلين مثل هذه الفرص السانحة ولو على حساب "الغلابى"، همّهم الوحيد الربح السريع بأية وسيلة، كما أن ضعف القدرة الشرائية للكثير من العائلات الجزائرية منعها من التقرب من محلات بيع الذهب لتكتفي بما تملكه، بل إن الكثير منها عمدت إلى بيعه وبأسعار زهيدة بسبب الفاقة التي يعانيها السواد الأعظم من المجتمع الجزائري، خاصة العام الماضي، حيث كان الدخول الاجتماعي أكثر قساوة كونه صادف شهر رمضان المعظم وكذا الدخول المدرسي والعيد المبارك، هذه المناسبات تتطلب مصاريفا إضافية مما حتم على العائلات محدودة الدخل على بيع جزء من مجوهراتها أو كلها. وأضاف أحد هؤلاء أنه كان ينبغي انخفاض أسعار الذهب لانخفاض الدولار الأمريكي والذي يرجع كذلك إلى قلة المستثمرين في هذا المجال حيث غيروا نشاطاتهم بحثا عن الربح وتجنب الخسارة جرّاء التذبذب في أسعار هذه المادة النفيسة، وعمدوا إلى التصدير والاستيراد والعقار وغيرها من الأعمال المربحة. وأضاف آخر أن سعر الكيلوغرام الواحد من الذهب الخالص من العيار 24 تجاوز هذه الأيام 285 مليون سنتيم، وعليه، أصبح من المستحيل شراء هذا المعدن بهذه القيمة الخيالية خاصة في ظل عزوف المواطنين عن شرائه، وهو ما أصبح يهدد آلاف الصائغين بغلق محلاتهم أو الإفلاس في حالة استمرار موجة الأسعار هذه، حيث أن الكثير منا سيحالون إلى التقاعد الإجباري كما قال. أزمة أسعار الذهب استغلّها الكثير من المتحايلين ممّن وجدوا ضالتهم فيها في ظل غياب وسائل الردع وعدم وجود ثقافة استهلاكية لدى المواطن الجزائري الذي يجري وراء كل شيء يلمع، حيث يؤكد العارفون بهذا المجال أن كل كيلوغرام واحد من الذهب الخالص ذي العيار 24 يقوم الصائغ بتحويله إلى عيار 18 وهذا تطبيقا للمعيار المعروف هو أن في كل 100 غرام يضاف إليها 33 غراما من الفضة والنحاس. وفي هذا الشأن، يحذّر هؤلاء المواطنين من الوقوع في شباك الذهب المغشوش بطريقة جهنمية تعجز عن كشفه حتى المواد الكيماوية الكاشفة، وحتى الطابع الذي يستعمله الصائغ بعد صنعه مختلف السبائك الذهبية قد يزوّر من قبل مافيا الذهب، وهو الأمر الذي يستدعي من أهل الاختصاص ضرورة التصدي لهذه الشبكات التي تحتال على المواطنين البسطاء ووضع حد لنشاطاتها غير القانونية من خلال عمليات المداهمة من حين لآخر، وكذا منع البائعين من عرض مجوهراتهم في أي مكان مثلما يحدث وسط مدينة مستغانم، إذ أصبحنا نشاهد كل من هبّ ودب يبيع مختلف سبائك الذهب وكذا العملات الأوروبية خاصة الأورو، ويحدث هذا أمام مرأى ومسمع الجميع، وكأننا في سوق عكاظ، فتندهش للعمليات الابتزازية التي ذهب ضحيتها العديد من المواطنين لا سيما النسوة بحكم حبّهن لهذا المعدن النفيس، هي أمثلة كثيرة بإمكانها أن تكون عبرة لمن لم يقع في مكائد تجار الغش والخديعة لأن القانون لا يحمي المغفلين. تقول سيدة إنها وقعت فريسة أحد الباعة حيث اشترت منه "لويزة" التي اكتشفت بعد فوات الأوان أنها من البرونز وثمنها لا يساوي شيئا مقارنة مع ما دفعته عند شرائها، فقررت ألا تشتري أي شيء من دون وصل أمان يثبت قيمة ووزن كل قطعة ذهبية. وتضيف أخرى أنها وهي تجوب إحدى الأسواق أعجبتها سلسلة ذهبية لدى أحد الشباب الذي أقسم لها أن القطعة من الذهب الخالص، ترددت السيدة قليلا ومع إصرار الشاب للإطاحة بفريسته التي لا تعرف بأنه يحبك لها مكيدة لن تنساها أبدا، قررت شراءها بثلاثة ملايين سنتيم، وقررت الكشف عنها عند صائغ معتمد، لكن الشاب المخادع كان أذكى منها بعدما وقعت ضحية نيتها حيث أخذها عند صاحبه الذي أكد لها أن السلسلة من الذهب الخالص لتغادر المسكينة المكان بعدما دفعت ثمن السلسلة كاملا وهي فرحة ظنا منها أن القدر ابتسم لها، وعند وصولها البيت عرضت القطعة على بناتها فارتابهن الشك في حقيقة الأمر، حيث قررن عرض تلك السلسلة على صائغ آخر، والذي أخبرهن حينها أن تلك المجوهرات مزيّفة وهي من "البلاكيور الممتاز"، حينها قرّرت السيدة الكشف عن المحتال وشريكه للتبليغ عنهما لكنها لم تجد الشاب، وصاحب المحل أنكر القصة. نموذج آخر من الاحتيال وقعت ضحيته نسوة كثيرات من خلال شهادات الكثير من هن، حيث أخبرتنا إحداهن أنها اشترت قطعة ذهبية تسمى ب "سلسلة القهوة" بمبلغ 15 ألف دينار وبعدما قررت استبدالها بسلسلة جديدة أخذتها إلى نفس المجوهراتي الذي لم يمنحها سوى مليون سنتيم فقط، وعندما استفسرت عن السبب بعدما اشترتها منه بالمبلغ المذكور تلعثم ورد قائلا اعطني وصل الشراء الذي لم يمنحها إياه عند شرائها تلك السلسلة، حينها غادرت ولم تقل شيئا سوى أنها قطعت وعدا على نفسها ألا تعود إليه ثانية. إذًا هي أمثلة كثيرة لا يسعنا ذكرها كلها، لكن غياب الرقابة وجهل غالبية الناس وجشع بعض البائعين زاد من حدة الوضع الذي يستدعي التصدي لمثل هؤلاء بشتى الطرق لحماية الناس وممتلكاتهم.