نوقشت مؤخرا بجامعة بوزريعة بالعاصمة رسالة دكتوراه دولة للباحث الأستاذ في علم الإجتماع عبد العزيز راس مال تحت عنوان" الولاية الرباط بين شرف الأنساب وكرامة المناقب"،دراسة الفضائل الروحية للسمحات(أولاد سيدي أحمد المجدوب، أولاد سيدي الشيخ، أولاد سيدي التاج )، و قد ترأس لجنة التحكيم الدكتور محمد بن بريكة، وكل من الأساتذة عبد الغني مغربي، رشيد بوسعادة، و القاسيمي. وقد حاول "عبد العزيز " في أطروحته الحائزة على درجة مشرف جدا إظهار مدى التداخل بين عدد من الاختصاصات في تطرقه لموضوع الكرامات، المناقب والولاية، و منها علم الإجتماع الديني، الأنتروبولوجيا، وكذا المجال الروحي في الثقافة العربية الإسلامية، مبرزا أن طرح إشكالية المقدس و النسب تعتبر مسألة ضرورية، نظرا لما ينتج عنهما من قيم جماعية وفردية لم تكن متماثلة بين كل السلالات البشرية ، ولكل منهما مسارها وتطورها المستقل، ومن ثم يرى أن هناك ضرورة لمراجعة الطرح التاريخي الذي يعتبر في الوقت الحالي مسألة بديهية حيث لاحظ أن هناك إسقاطا غير مبرر لحوادث تاريخية ضعيفة السند والحجة على وقائع أنتربولوجية وسلالية بينما المنطق العلمي يقتضي أن نبدأ بأصول العائلات أو المجموعات الاجتماعية، و يقترح من الناحية المنهجية أن يكون هناك مسح سوسيولوجي للتراث الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي، وبالأخص للتراث الجزائري لتتضح بذلك معالم الدراسة الميدانية. ولقد استهل الأستاذ راس مال الفصل الأول بتناول الدراسة المنهجية للموضوع والتي تتركز على بعدين، البعد الرمزي والتاريخي، باعتبار أن الموضوع يبحث في المقدس، ومن ذلك حكاية الأولياء والكرامات. بالإضافة إلى البعد الإمبريقي، حيث أخضع الدراسة للملاحظة بالمشاركة، المقابلة، الدراسة الوصفية والاستمارة، وهي كلها أنماط كمية وكيفية تستلزم الدراسة لوحدات البحث من خلال العينة الممثلة لشريحة من السكان، وهو الفضاء الروحي للسمحات أولاد سيدي الشيخ، وأولاد سيدي أحمد المجدوب. هذا وقد عالج عبد العزيز راس مال في الباب الأول المتعلق بالإطار النظري للبحث في الفصل الثاني النظريات الكبرى للموضوع الذي يتأسس على البنيات الإجتماعية والذهنية، عن طريق الاستدلال بالأنتربولوجيون الكبار على غرار راد كليف براون، ايهوس بريشارد، ايميل دور كايم، جاك بارد، نور الدين طوالبي، ولطفي عيسى، وغيرهم. أما في الفصل الثالث فقد حاول الدكتور أن يحصر الفكرة في التناقض بين التيار الإصلاحي المتأثر بشكل أو بأخر بحركة محمد بن عبد الوهاب، والتيار الصوفي المضاد له، والذي يتزعمه مشايخ الطرق الصوفية والمريدون وذلك عبر نظرة موضوعية. ليتطرق في الفصل الرابع للعلاقة بين الولاية والنسب من خلال الأشراف والبوبكرية أبناء أبو بكر الصديق، ليبين بذلك أن التاريخ القدسي للجزائر مرتبط بشكل كبير بالبعد النسبي والروحي الرمزي، وهذا عن طريق تتبع هذه الحركة المرابطية، محاولا في الفصل الخامس الولوج لجوهر الموضوع من خلال توضيح ممارسة الشيخ بين النسب والطريقة، والتي تجمع بين صعيدين في أن واحد، وهما تلازم البعد النسبي مع البعد الصوفي، مما لانجده في الطرق الصوفية الأخرى، التي قد يبتعد فيها البعد النسبي عن الممارسة الصوفية، وقد أسهب في التوضيح عنها بتحليل البعد التاريخي لها، بالإضافة إلى السند الصوفي لمشايخ الطريقة، وكذا الأصول والانحدار للقبائل المنتنسبة للشيخيية والمتفرعة في المجال الواسع الذي يمتد من ليبيا شرقا، إلى المغرب الأقصى غربا. أما في الباب الثاني من الفصل السادس قام الباحث بدراسة الوثائق الرسمية التي تبين اهتمام الإحتلال الفرنسي بالزوايا والطرق الصوفية في الفترة الممتدة من 1898 الى1959 . ليليه إبراز المواعيد الاجتماعية والدينية، ومنها الاحتفالات التي تعد فرصة للفرح الإجتماعي، واستعادة الذاكرة والتعبير عنها عن طريق الرقصات، المديح الديني الأشعار، والفروسية. وتضمن الفصل الثامن مسألة الكرامات ابتداء من الجد المؤسس أبي بكر الصديق ، وقد استقى المعطيات لإبراز هذه المسألة المقابلات التي أجراها مع كبار السن، والعارفين من المشايخ المنتمين لهذه الطائفة. هذا وقد عرج في الفصل التاسع الكرامات والمناقب الخاصة لقطب الطريقة الشيخية سيدي الشيخ أو سيدي عبد القادر محمد بشيء من التفصيل، ومن ذلك ما كتبه الباحثون ويخص جاك بارك وهو مايشكل مرجعية للسكان في الجنوب الغربي. ليختتم دراسته بفصل عاشر احتوى الإجابة على أسئلة الإستمارة، والمتمركزة حول ممارسة الذكر المديح الديني والحضرة عند السمحات ورؤيتهم للفضاء الروحي خاصة مكانة الأنبياء عندهم، من خلال الزيارات والتواصل بين بعضهم البعض. وعليه اعتبر الدكتور عبد العزيز راس المال أن المعلومات والنتائج التي نتجت عن الدراسة لا تعتبر هدفا في حد ذاتها، كما أن الطلبة والمهتمين بالعلوم الإجتماعية، وبالأخص بالتاريخ الإجتماعي، والبناء الإجتماعي التقليدي يجدون ما يلبي فضولهم، باعتبار أن الباحث يكتب عن التاريخ المسكوت عنه والخفي، بخلا ف المؤرخين المعاصرين الذين يكتفون بالوثائق الفرنسية، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث باستجواب الشيوخ الذين مازالو يمثلون الذاكرة وسجلها.