أحاديث عن صدمة 73 و84 النفطية والحوار بين الشمال والجنوب الريع النفطي استعمل كوقود لتغذية المشروع الاشتراكي ( بومدين كان تقنوقراطيا ) تعتبر مذكرات الوزير الأول الأسبق الدكتور عبد الحميد براهيمي تشخيصا وافيا لظروف استقلال الجزائر سياسيا، واحتلالها اقتصاديا، إذ بمجرد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 عرف ما اصطلح عليه بصعود البيروقراطية والتقنوقراطية، غير أنه بزوال التعبئة الجماهيرية حدثت القطيعة بين البيروقراطيين الذين كونتهم المدرسة الفرنسية أو بالأحرى الإدارة القمعية والتقنوقراطيين وكذا المجتمع الجزائري شخص عبد الحميد براهيمي في مذكراته بعنوان: " في أصل المأساة الجزائرية" الدور الذي مثله البيروقراطي في خدمة المسؤولين الكبار، ودفاعه عن شرعية السلطة القائمة، فتعرضت الديمقراطية إلى الضرب في العمق، حيث لا تكون الإدارة في خدمة المواطن، وحتى يكون المواطن تحت رحمة البيروقراطي، وهذا ما فسح المجال لبروز الفساد والامتيازات بغير وجه حق التي تتحدى القانون والعدالة والإفلات من العقاب، وهذا ما يقف عليه المجتمع الجزائري اليوم، والأمثلة كثيرة، وتأتي في مقدمتها قضية الخليفة ومر كب الحجار بعنابة وسوناطراك، وغيرها من مؤسسات الدولة ذات الوزن الثقيل التي تعرضت للضرب في قواعدها الإنتاجية، واستولى من وضع فيهم الشعب ثقته على الملايير من أموال الخزينة العمومية في وقت يعيش فيه الشعب تحت درجة الفقر، وعلى الصعيد الخارجي استند الخطاب " العالم ثالثي" أي دول العالم الثالث كما سماه براهيمي بتمجيد الإمبريالية، حيث بعد للمحاولة الانقلابية الفاشلة للطاهر الزبيري في 1967 انطلقت عناصر لوضع حد للمشروع الثوري والشعبي الذي طرحته جبهة التحرير الوطني، حيث استخدم الربيع النفطي كوقود لتغذية المشروع الاشتراكي ولإخفاء مشاكل البلد الحقيقية، وحتى بعد صدمة 73 و84 النفطية بسهولة، واصلت الجزائر حوارها وصارت بطلة الحوار بين الشمال والجنوب، من أجل إقامة نظام عالم جديد. يكشف عبد الحميد براهيمي في مذكراته أن الرئيس هواري بومدين استند في تسييره شؤون البلاد على تقنوقراطيين، واعتمد على المساعدة التقنية ألأجنبية لتجسيد ثورة الجزائر الصناعية بصورة ملموسة، فبالرغم من تكوينه العربي الإسلامي، كان بومدين يرى أسبقية الاقتصادي على السياسي، واثبت تأثره بالتقدم العلمي التقني وكان يحلم بأن يجعل من الجزائر قوة كبرى ومثلا للعالم الثالث، كما كان يطمح في تحقيق مشروع المجتمع الخاص بالاعتماد على تقنوقراطيين في إطار ما يسمى ب: "التحديث"، فبعد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 أصبح صعود التقنوقراطية والبيروقراطية الوسيلتين المفضلتين للسلطة المدنية، وفي شهادة الدكتور عبد الحميد براهيمي كانت جبهة التحرير الوطني تعتمد على هذين العنصرين، وفي اعتقاد عبد الحميد براهيمي فإن جبهة التحرير الوطني انتهت كقوة سياسية من اجل انتصار الثورة منذ عام 1962 وأصبحت تابعة للسلطة وواجهة للجيش. وفي المقابل عملت الحكومة الفرنسية على تكوين ما سُمّيَ ب: "النخبة"، في الظاهر تتظاهر بالروح الوطنية لكنها في الباطن هي موالية لفرنسا، وبدون تحفظ يذكر عبد الحميد براهيمي في هذا الشأن أسماء بارزة من الذين كونتهم الحكومة الفرنسية، ومنهم رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام وإسماعيل محروق الذي أصبح وزيرا للمالية، وعبد الله خوجة الذي عين كاتب دولة للتخطيط بين 1970 و1978 وصغير مصطفاي محافظ البنك المركزي بين عامي 1962 و1984، وكانت هذه المجموعة من أنصار الفرانكفونية، وبهذا يمكن القول يضيف صاحب المذكرة أن فرنسا نجحت قبل إعلان الاستقلال السياسي للجزائر بكثير في إقامة جهاز للمحافظة على مصالحها والدفاع عنها بتنظيم وجودها في مختلف أجهزة الدولة الجزائرية . كانت مشاريع الدولة تسير من قبل يهود وحركيين، وآخرون تلقوا تدريبات في الجيش الفرنسي، ذلك ما جاء في شهادة عبد الحميد براهيمي، عندما تطرق إلى الحديث عن حكومة بلعيد عبد السلام، فقد شغل هذا الأخير منصب عضو في الهيئة التنفيذية المؤقتة فكلف بالشؤون الاقتصادية مع بداية الاستقلال ومنصب رئيس ومدير " سوناطراك " في الفترة بين 1963 1965 ومنصب وزير الصناعة والطاقة ( 65 و1977 ) ومنصب وزير الصناعات الخفيفة ( 77 و1979 )، وخلال الفترة بين عامي 65 -78 اعتمد بلعيد عبد السلام على مكاتب دراسات فرنسية، منهم مراد كاستال وهو فرنسي اختار الجنسية الجزائرية. كما بلعيد عيد السلام اعتمد على مستشار يهودي بلجيكي اسمه سيمون لم يغادر الجزائر إلا مع بداية الثمانينات ( 1980 ) عندما أصبح بلعيد بدون حقيبة وزارية، وكان بلعيد عبد السلام بعد مقتل محمد بوضياف وتم تعيينه وزيرا أولا، قال عبارة مقتضبة كما قال براهيمي ب: اقتصاد الحرب" لإخراج الجزائر من أزمتها السياسية والاقتصادية، وكأنه لم يكن على علم من كان المتسبب في هذه الأزمة، في الوقت كان غزالي هو المدير العام لسوناطراك في الفترة بين 65 و1977، ثم وزير الطاقة، المحروقات، المالية إلى أن استخلفه في مقعده كرئيس الحكومة بعد اغتيال محمد بوضياف. واعتمد بلعيد عبد السلام أيضا حسب ما جاء في مذكرات براهيمي على محمد الياسين كان من الفارين من الجيش الفرنسي معين لدى النقيب بن عبد المومن الفار من الجيش الفرنسي في معسكر التدريب بوادي ملاق بين عامي 59 و1961، كان مستشارا بين الوزيرين الأولين غزالي ورضا مالك، أما عبد الله خوجة فقد اشرف على أمانة الدولة للتخطيط من بداية السبعينات إلى نهائيتها أي مدة 09 سنوات شكل حوله فريقا مكونا أساسا من محمود أورابح من عائلة حركيين معروفين وقام بأعمال أمين عام طيلة هذه الفترة رغم أن بومدين رفض التوقيع على تعيينه كونه كان رافضا للفرانكفونية كإيديولوجية. علجية عيش رئيس الحكومة الأسبق والمفاوض في اتفاقيات ايفيان، رضا مالك: الجانب الجزائري رفض شروط فرنسا التي ترهن السيادة الوطنية أكد رئيس الحكومة الأسبق وعضوالوفد الجزائري في مفاوضات اتفاقيات ايفيان ان قادة الثورة التحريرية رفضوا خلال تلك المفاوضات كل الاقتراحات المقدمة من فرنسا والتي كانت سترهن السيادة الوطنية بعد الاستقلال. وقال مالك في محاضرة القاها بالمدرسة العليا للعلوم السياسية بالجزائر بمناسبة الذكرى ال51 لعيد النصر أن قادة جبهة التحريرالوطني "رفضوا كل الاقتراحات التي تقدمت بها فرنسا خلال مفاوضات ايفيان والتي تحد من السيادة الوطنية وترهن مصير الاستقلال الوطني الذي انتزعه الشعب بفضل تضحيات جسيمة". وأوضح المتحدث أن مفاوضات ايفيان التي انطلقت في 20 ماي 1961 وتوقفت عدة مرات عرفت تعنت الجانب الفرنسي وذلك من خلال تقديمه لثلاث اقتراحات رفضها الوفد الجزائري وتخص بقاء الصحراء الجزائرية والقاعدة البحرية لمرسى الكبير بوهران تحت نفوذ فرنسا إلى جانب قضية المليون فرنسي في الجزائر. وفي هدا السياق أشار رضا مالك إلى أن الوفد الجزائري تمسك بموقفه بشان الصحراء وأصرعلى أنها أرض جزائرية ولا يمكن التفريط فيها، مشيرا إلى أنه تم في الأخير الاتفاق على صيانة الاستثمارات الفرنسية في الصحراء لمدة ثلاث سنوات خاصة بعد أن تم اكتشاف البترول بها. وبخصوص وضعية الفرنسيين في الجزائر بعد الاستقلال قال المحاضر إن الجانبين الجزائري والفرنسي توصلا في الأخير إلى اتفاق يقضي باعطاء مهلة ثلاث سنوات للفرنسيين لاختيار الجنسية الجزائرية أو الابقاء على الجنسية الفرنسية ويتم بعد ذلك معاملتهم وفقا للقوانين المطبقة على الأجانب. وفي ما يتعلق بمسألة القاعدة البحرية للمرسى الكبير اوضح السيد رضا مالك أن فرنسا تقدمت باقتراح يقضي باستغلال المرسى لمدة 99 سنة غير أن الوفد الجزائري رفض ذلك وتم الاتفاق على تحديد 15 سنة كمدة للكراء. وأشار المتحدث إلى أن فرنسا قد خرجت من القاعدة البحرية سنة 1967 قبل انقضاء المدة المحددة في اتفاقيات ايفيان، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الوفد الجزائري قد وجد صعوبة أيضا خلال هده المفاوضات بشأن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين بعد الاستقلال ومحاولة الجانب الفرنسي الانقاص من قيمة سيادة الجزائر في مجالات السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد. وخلص رضا مالك إلى القول انه بفضل تمسك الوفد الجزائري بموقفه الرافض لكل اقتراح يحد من السيادة الوطنية ويرهن مصير الاستقلال الذي انتزع بفضل تضحيات مليون ونصف المليون شهيد تم التوقيع على الاتفاقية يوم 18 مارس1962 ليتم وقف القتال في اليوم الموالي من طرف الجانبين. لم نعط تاريخ الجزائر حقه الكامل من البحث والدراسة هذا وقد شدد النّاطق باسم رئيس الوفد الجزائري في اتفاقية إيفيان ورئيس الحكومة السابق رضا مالك، على ضرورة تعميق الدّراسات العلمية فيما يتعلق بكتابة تاريخ الجزائر وتوكيل المهمة لمؤرخين مختصين، وذلك بالنظر إلى كثرة المراحل التي مر بها وتشابك الأحداث، خاصة خلال فترة الثورة الجزائرية. وقال رضا مالك في حديث إذاعي أن وسائل الإعلام مطالبة بالاهتمام أكثر بإبراز تفاصيل مراحل مهمة في تاريخ ثورة التحرير مثل اتفاقية إيفيان التي يرى أن الحديث عنها في تذبذب خلال السنوات الأخيرة وكذلك الحال بشأن أسماء كثيرة شاركت في صنع نصر الجزائر أمثال أحمد بومنجل- يقول – وسعد دحلب وكريم بلقاسم. وقدم رضا مالك شهادته بشأن أفظع أعمال الاعتداءات الإرهابية التي ارتكبتها المنظمة المسلحة السرية " أ واس "خلال مرحلة وقف إطلاق النار إلى غاية الاستقلال، مؤكدا ان عملياتها بدات حتى قبل المفاوضات واستمرت إلى غاية الاستقلال وبلغت درجة التطرف ّإلى حد اغتيال رئيس بلدية إيفيان أيام قليلة قبل افتتاح المفاوضات، وفي الفترة الإنتقالية بين وقف إطلاق النار وإعلان الاستقلال قضت جبهة التحرير على المنظمة السرية نهائيا. الرائد عز الدين "رابح زراري" 19 مارس 1962 .. "التاريخ الذي وضع حدا لشتاء طويل " أكد عضوالقيادة العامة لجيش التحرير الوطني، الرائد عز الدين، واسمه الحقيقي رابح زراري، ان يوم ال19 مارس 1962 تاريخ اعلان وقف اطلاق النار في الجزائر قد وضع "حدا" لشتاء طويل فرضه الاستعمار على الجزائريين. واوضح الرائد عز الدين في ندوة بمنتدى يومية "ليبرتي" بمناسبة الاحتفال بعيد النصر ان "شهر مارس يعتبر الشهر الذي فتح الابواب امام ربيع الجزائر" مضيفا ان ال19 مارس 1962 قد وضع حدا لشتاء طويل فرضه الاستعمار والذي يعتبر "الشتاء الاكثر قساوة الذي لم يسبق ان عاشه الجزائريون ". وتابع يقول ان "يوم ال19 مارس يعد تاريخا هاما يستحق تسميته بعيد النصر فهذا التاريخ سيبقى محفورا في ذاكرتنا". في هذا الصدد قدم الرائد عز الدين المجاهد البارز في جيش التحرير الوطني لاشرافه لسنوات عدة على كوماندوس الولاية الرابعة لائحة اتهام طويلة عن الجرائم التي اقترفها الاستعمار خلال حرب التحرير الوطني. كما اضاف انه في سنة 1959 قدم الوزير الاول الفرنسي الاسبق ميشال روكار الذي كان حينها مفتشا للمالية تقريرا للمندوب العام ديلوفريي اشار فيه إلى موت 500 طفل جزائري يوميا. وذكر في هذا الخصوص بان "فرنسا الاستعمارية قد استعملت شتى انواع الاسلحة التي كانت موجودة في ذلك الوقت ما عدا القنبلة الذرية من اجل ابادة الجزائريين ووضع حد لثورتنا". كما ذكر بالاغتيالات التي قامت بها منظمة الجيش السري التي انشاها المتطرفون من المعمرين على الرغم من اعلان وقف اطلاق النار. وقال في هذا الصدد ان الاعمال الاجرامية التي قامت بها منظمة الجيش السري قد كان مآلها الفشل سيما بفضل القرار الذي اتخذه قادة الثورة بإعادة تنظيم المنطقة المستقلة للجزائر. وخلص في الاخير إلى القول بان "الامر قد استغرق وقتا لتطهير ووضع حد لعناصر منظمة الجيش السري وان قرار مواجهة منظمة الجيش السري قد استقبلها جميع الجزائريين بارتياح".