أكد رئيس الحكومة الأسبق وأحد مفاوضي اتفاقية إيفيان السيد رضا مالك أنه يجدر اليوم في ظل الظروف التي تميّز الوضع الدولي والإقليمي التذكير بالمبادئ التي تحلى بها الوفد الجزائري المفاوض في اتفاقيات إيفيان والتي تجسدت كنتائج لمسار التفاوض قبل وقف إطلاق النار وإعلان الاستقلال، وهي وحدة التراب الوطني ووحدة الشعب الجزائري وتقرير المصير. وأوضح السيد رضا مالك في ندوة تاريخية نظمتها أمس جمعية مشعل الشهيد بيومية المجاهد إحياء للذكرى ل49 لعيد النصر المصادف ل19 مارس 1962 أن تحلي الطرف الجزائري المفاوض بهذه المبادئ جعل المفاوضات على مدار سنتين عسيرة لكنها كللت بالنصر، حيث حافظ الاتفاق الموقع عليه يوم 18 مارس 1962 في إيفيان بسويسرا على مبادئ بيان أول نوفمبر وفتحت العلاقات الجزائرية-الفرنسية على المستقبل في ظل المبادئ ذاتها التي حكمت مفاوضات تقرير المصير. ونفى المتحدث من موقع المشارك في مسار المفاوضات أن يكون لاتفاقيات إيفيان شق سري وأبرز أن الاتفاق مكتوب وتم التوقيع عليه ولا يمكن فعل ذلك مع شيء سري. موضحا أن ما سمي بالأمور السرية المسكوت عنها في الاتفاق تتعلق بالمهلة الزمنية لإنهاء تواجد القواعد العسكرية الفرنسية بالجزائر المستقلة (مرسى الكبير، بشار ونشاط الشركات البترولية الفرنسية المتواجدة على التراب الجزائري) كانت محددة ب15 سنة إلا أنها تمت قبل هذه الآجال، حيث حصلت هذه الأمور سنتي 1968 و.1971 وأشار السيد رضا مالك الى أن الوفد المفاوض كان مدعوما بجبهة التحرير الوطني وقيادة جيشها وبالنشاط السياسي والدبلوماسي للحكومة الجزائرية المؤقتة مما جعله يمتاز بوضوح الرؤية والتصور لمسار المفاوضات، الشيء الذي أحبط المناورات السياسية والعسكرية وكذا الدبلوماسية الرامية إلى التأثير على عملية التفاوض وتوجيهها باتجاه فصل الصحراء الجزائرية عن التراب الوطني وتقسيم الشعب الجزائري إلى حوالي عشرين عرقا. وذكر المحاضر في هذا السياق أن مفاوضات إيفيان الأولى بسويسرا في 20 ماي 1961 قد فشلت بسبب إصرار فرنسا على فصل الصحراء والإبقاء على امتيازات المستوطنين بالجزائر، ونفس المصير لاقته محادثات لوغران (20-28 جويلية 1961) بسبب تنكر فرنسا لسيادة الجزائر مروجة لفكرة الصحراء بحر إفريقي بهدف ضرب الوحدة الوطنية وإضعاف الثورة وتأليب دول الجوار. أما في محادثات بال بسويسرا (أكتوبر- نوفمبر 1961) فقد فشلت هي الأخرى بسبب رفض الطرف الجزائري المفاوض اقتراح فرنسا الذي ينص علي مرحلة انتقالية بإدارة فرنسية قبل وقف إطلاق القتال ورغبتها في إنشاء قواعد عسكرية بالجزائر ومطالبتها إلحاق الجزائر بالفرانكفونية وازدواجية الجنسية، إلى أن توجت -يضيف رضا مالك- اتفاقيات إيفيان الثانية بسويسرا (07 -18مارس 1962) بالاتفاق على اعتراف فرنسا لجبهة التحرير الوطني ممثلا شرعيا للشعب الجزائري واحترام وحدة وسيادة الجزائر. وقد نصت الاتفاقية صراحة على إنهاء جميع العمليات العسكرية في اليوم الموالي (19مارس) بدءا من منتصف النهار وإنشاء هيئة تنفيذية لتسيير البلاد لاستفتاء تقرير المصير في اقل من 6أشهر وانسحاب الجيش الفرنسي تدريجيا وتأجير قاعدة مرسى الكبير لمدة 15 سنة، إضافة إلى التعاون الاقتصادي بين الجزائروفرنسا والإفراج عن المعتقلين والأسرى وتقديم مساعدات علمية وتكنولوجية للجزائر واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية للأوروبيين ولهم الخيار في البقاء والتحضير لاستفتاء تقرير المصير والإشراف على ذلك في مدة أقصاها 6 أشهر. للإشارة فقد قام السيد رضا مالك على هامش الندوة بإطلاق عملية بيع بإهداء لكتابه الجديد ''من حرب التحرير إلى الثورة الديمقراطية'' الصادر عن دار القصبة باللغة الفرنسية في انتظار إصدار نسخته باللغة العربية حسبما أكده لنا المؤلف نفسه توسيعا للاستفادة والانتشار.