الرقية، الحجرة السوداء وغاز البوتان للتخلص من سم العقارب لم ينف الحاج "محمد القوراري" تردد العديد من المصابين بسم العقرب بمنطقته على الطلبة أو حفظة القرآن من المشائخ المعروفين بالزوايا، من أجل الرقية من لسعة العقرب كوسيلة للشفاء، مشيرا إلى "أنه يؤمن بتلك الرقية"، ذلك أنها مكنته هو شخصيا والعديد من أقاربه الذين أصيبوا بلسعة العقرب من الشفاء، لكنه يؤكد ويحرص على توفر النية وقوة الاعتقاد بما يقوم به الراقي من قراءة آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية المأثورة، في كوب من الماء ليقدم للمصاب ليشربه لتزول بذلك فعالية السم من الجسم. ومن الطرق الأخرى التي يلجأ إليها سكان تلك المناطق للوقاية من لسعات العقارب، وهو عشاب تقليدي وبائع متجول للحيوانات الصغيرة من بلدة "عسلة"، استعمال السكان للقنافذ باعتبارها تنتمي إلى الحيوانات من فصيلة الشوكيات التي تتغذى على مختلف الحشرات السامة، ويداوم سكان بعض البوادي بولاية النعامة على عادة متوارثة تتمثل في اقتناء القنفذ لمكافحة التسمم العقربي والقضاء على انتشار تلك الحشرة السامة والتهام كل الزواحف والحشرات السامة كالعقارب والأفاعي، مما يمثل متنفسا آخر للقاطنين بالمناطق المعزولة التي تتميز ببعد المسافة وصعوبة المسالك التي تفصلها عن المراكز الحضرية، على غرار البدو الرحل، لمحاربة تلك الحشرة. * الخبرة والكتب القديمة لتحضير مستخلصات الأعشاب الطبية ومن الطرق التقليدية الشائعة أيضا للتخلص من سم العقرب، اللجوء إلى استعمال بعض الأعشاب الصحراوية كعشبتي الرمد والحنتيت اللتين تقدمان كمسحوق للمصاب ليتناولها قصد التقليل من فعالية التسمم العقربي، ومنهم من يتناول مادة السمن البلدي المحضر بعشبتي الزعتر والعرعار لتوقيف انتشار سم العقرب في الجسم، أو استخدام غاز البوتان لاعتقادهم بأنه يساعد على تجمد السم، لكن تلك الطرق غير ناجحة وغير مضمونة النتائج في العديد من الأحيان، حيث يسترجع السم حركته في الجسم بعد ارتفاع درجة حرارة الجسم. ويجلب سكان تلك القرى هذه الأعشاب، سواء بالتقاطها من المراعي مباشرة أو عن طريق اقتنائها من العطارين وبائعي الأعشاب المنتشرين بالأسواق الأسبوعية، حيث يعتمد بائعو الأعشاب في غالبية الأمر على الخبرة والكتب القديمة ليصبح هؤلاء المصابون بالتسمم العقربي الذين يتفادون معاناة التنقل لمسافات بعيدة للوصول إلى وحدات العلاج على شكل حقل تجارب للعطارين وغيرهم، باستخدام الأعشاب والنباتات الطبية التي في أحيان كثيرة تجهل أخطارها. * الوسائل التقليدية.. دواء غير مضمون النتائج ويرى الطبيب غفاري المجدوب المختص في علاج التسممات، أن استعمال الأعشاب الطبية كوسيلة لعلاج التسمم العقربي له عواقب وخيمة إذا لم يتم الالتزام بقوانين ولوائح تنظيم الطب البديل، حيث أن أغلب مواد النباتات التي يتم العلاج بها عرفت عن طريق التوارث دون دراسة لمكوناتها الكيميائية أو تأثيرها على البشر عند استخدامها، وهو ما قد يسبب تأثيرات جانبية أو مضاعفات صحية خطيرة أو مميتة للمصاب، موضحا أن البعض لا يحترم المقادير والكميات أو الجرعات المحددة الواجب التقيد بها وغالبا ما تكون تلك المستحضرات خالية من المواد ذات فعالية للعلاج. وما دام الطب الحديث قد توصل للمصل المضاد الذي يعالج سم العقارب، فلا داعي لأن يلجأ الأفراد لمثل تلك الأعشاب والنباتات الطبية، خاصة وأن للعشبة الواحدة مفعولا يتعلق بكل جزء من مكوناتها كالورقة أو الساق والجذر، ويعتقد الطبيب غفاري أن اللجوء إلى استعمال هذا النوع من التداوي غير مضمون النتائج، يعود إلى الاستماع إلى نصائح خاطئة، خاصة في المجتمعات التي يقل بها مستوى التثقيف الصحي، وهو ما ينجم عنه أضرار بليغة للمصابين كون أن البعض من تلك الأعشاب تحتوي على مواد مضرة بالصحة وقد تتسبب مثلا في الفشل الكلوي وتسمم الدم وهبوط نبضات القلب، كما أن بعض الأعشاب تحتوي على مركبات كيميائية تتفاعل مع الأدوية الطبية الأخرى، وربما تتفاعل مع العناصر الغذائية وتقلل من استفادة الجسم من الطعام المتناول، وينصح الطبيب ذاته بإسعاف المصاب بسم العقرب بنقله نحو أقرب مركز صحي لتلقي لقاحا صيدلانيا يوقف انتشار السم في الجسم. كما أن توفر وصفة الطبيب المعالج بعد التأكد من أن الأمر يتعلق بلسعة عقرب، أمر ضروري كي تتحمّل المؤسسة الاستشفائية المسؤولية في حالة حدوث تأزم أو مضاعفات خطيرة ناجمة عن التسمم العقربي. * تراجع بنسبة 25 المائة في عدد الإصابات بالتسممات العقربية بما أن سكان الخيّم يفضّلون استعمال الطرق البدائية لمعالجة تسممات العقرب بدلا من التوجه إلى المصالح الصحية، تسعى مصالح الطب الوقائي للمؤسسات الاستشفائية العمومية الجوارية إلى تعميم وتكثيف حملات التوعية ونشر الثقافة الصحية وتنظيم حملات جمع العقارب ومحاربة المظاهر الملوثة للمحيط في أوساط التجمعات القروية للولاية، وقد أعطت تلك الحملات الوقائية لمحاربة التسممات العقربية نتائج ملموسة مكنت من تسجيل تراجع كبير في عدد الإصابات بداء التسمم العقربي بولاية النعامة، بنسبة فاقت ال 25 المائة مقارنة بسنة 2008 والسنة التي سبقتها 2007، بعد أن كانت نفس الولاية من أكثر المناطق الموبوءة على مستوى الوطن في سنوات التسعينيات، حسب مديرية الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات. وتعد البلديات الجنوبية للولاية ك "تيوت" و"عسلة" و"العين الصفراء"، من المناطق التي تتصدر أكثر حالات تسممات العقارب بمعدل 650 إصابة سنويا، وتتزايد تلك الحالات مع بداية الثلاثي الثاني من كل سنة تزامنا مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع معدلات درجات الحرارة، ليتراجع عددها مع نهاية أكتوبر. وتوضح المصالح أن تكلفة علاج المصاب بلسعة العقرب التي تصل في المراحل المتقدمة إلى نحو15 ألف دج، فضلا عن أعباء المكوث بالمستشفى إلى أكثر من يوم واحد، مما يتطلب نشر المزيد من الوعي والثقافة الوقائية لتفادي تسجيل ارتفاع حالات الإصابة بهذا النوع من التسممات، وذلك من خلال التزام الأسر القروية باحتياطات نظافة المحيط أواتخاذ التدابير اللازمة في المحيط السكني كإبعاد أكوام الأتربة والقمامات والحجارة عن الأحياء لتفادي توفير الأجواء الملائمة لتكاثر العقارب.