في وقت ليس ببعيد كانت الرقية الشرعية أقرب سبيل للعلاج من السحر، الحسد، المس والأمراض المستعصية على الطب الحديث، كما أنها أقل تكلفة من الدواء الكيميائي الذي أصبح يرهق كاهل المواطنين المغلوب على أمرهم، لكن بين العلاج والمرض في الوقت الراهن مفترق طرق يجد المريض نفسه مجبرا على اجتيازه، إما للخروج سالما أو على كرسي متحرك وحتى في تابوت مثلما حدث للعديد ممن غرر بهم الرقاة المزيفون. من بداية الفكرة يتضح جليا أن هذا الموضوع لن يكون سهل الولوج فيه لأننا اخترنا طريقا مظلما لدخول عالم الرقاة و الرقية الشرعية، فقادتنا رحلة إلى بعض "العيادات" أو الغرف المتواجدة بإحدى العمارات " بحي باش جراح" بالعاصمة، أين وجدنا العديد من الزبائن ينتظرون، سمعنا الكثير عن كرامات الشيخ الراقي الذي هو في الحقيقة ليس شيخا ولا حتى كهلا فهو لا يتجاوز 40 سنة و تمكنه من التحكم في الجن وقدرته على علاج العديد من الأمراض كالعقم و البرص ونحن نستمع إلى الزبائن فإذا أكثر من ساعة مرت، فجاء دورنا للدخول عند الشيخ الذي كان جالسا على كرسي يرتدي لباسا تقليديا يغطي شعره عمامة قديمة، طلب منا الجلوس فأخبرناه أننا جئنا قصد الرقية لشعورنا بضيق وقلق إضافة إلى أحلام مزعجة، فقام هذا الأخير بوضع يده على رأسنا و بدأ في قراءة بعض الآيات القرآنية ثم تناول قارورة ماء معدني وقرأ أيضا عليها آيات قرآنية و طلب منا أن نشرب من الماء ثم وضع يده ثانية على رأسنا و بدأ في قراءة نفس الآيات القرآنية وبعد انتهائه من ذلك سألنا عما نشعر به فلم نجد جوابا لسؤاله سوى شعورنا براحة نفسية، وبعد الانتهاء من معاينتنا أعطانا قارورة الماء المعدني التي شربنا منها الجرعات الثلاث أثناء الرقية وطلب منا أن نستحم بالقليل منها وضرب لنا موعدا بالعودة بعد عشرة أيام، أما عن الثمن قال إنه حسب النية وبعد أن دفعنا له غادرنا العيادة باتجاه راق آخر. رقية جماعية لكل الزبائن في غرفة المنزل غيرنا وجهتنا هذه المرة ليستقبلنا حي اسطنبول ببرج الكيفان والذي سمعنا أن فيه راقيا مقصودا من جميع أحياء العاصمة وبعض الولايات المجاورة كالبليدة والبويرة، لم نكن نعرف عنوان الراقي بالتحديد والذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة وبعد سؤالنا للعديد من المارة وصلنا إلى بيت المقصود حيث يستقبل هذا الراقي زبائنه في إحدى غرف بيته المتواضع والذي يعود حسب شكله الخارجي إلى الحقبة الاستعمارية وهو ما أكدته لنا الشابة المكلفة بتنظيم الزبائن وبعد الاستئذان وإلقاء السلام على الحضور دخلنا البيت فوجدنا الشيخ ينتقل بين غرفتين الأولى مخصصة للرجال والثانية للنساء وهو يقرأ بعض الآيات القرآنية، ونحن جالسين فوق زرابي بلاستيكية على الأرض رفقة مجموعة من النسوة نستمع لرقية الشيخ، فإذا بإمرأتين تصرخان فاقترب منهما الشيخ ومسك بهما وواصل قراءته للقرآن الكريم ولم يتوقف حتى أغميا على المرأتين وسقطتا أرضا وبعد مرور ساعتين قام الزبائن بالمغادرة وهذا بعد أن يدفعوا للشيخ المال الذي لا يحدده هو وإنما الزبون يمنحه إياه، فهناك من لا تزيد عطيته عن 100 دينار في حين أن العديد تزيد عن الألف دينار تبركا بالشيخ الراقي. الضرب المبرح لاستخراج الجني عدنا إلى العاصمة من جديد وقمنا بالاتصال هاتفيا بأحد الرقاة الموجود بالرويبة وذلك لأخذ موعد منه وكان الموعد، أين توجهنا في الصباح مباشرة نحو بيت الراقي فوجدنا طابورا كبيرا من زواره رجالا ونساء، دخلنا البيت وتوجهنا نحو الغرفة أين قام الراقي الذي كان يرتدي عباءة وله لحية طويلة مصبوغة بالحناء بقراءة آيات قرآنية، فصرخت إحدى النساء ليتدخل الراقي هذه المرة بضرب المرأة بعصى غليظة، وبالرغم من الضرب المبرح التي كانت تتعرض له المرأة إلا أنها لم تتوجع حسب ما أفاد به الراقي وفي تلك اللحظة لم نستطيع الصبر أكثر من ذلك وسألنا الراقي عن سبب استعماله للضرب فرد أنه يضرب الجني الذي يسكن المرأة وهذا ما كان يقوم به الإمام" أبوحنبل"و أكد على أن المرأة لا تشعر بشيء وبعد الانتهاء من ذلك أعطى الراقي للمرأة قارورة من الزيت وقال لها بأنها سوف تساعدها على إخراج الجني بسهولة على حد تعبيره . من ضحايا الرقاة المزيفين من منا لا يتذكر العائلة التي فقدت 2 من أفرادها بباب الزوار في العاصمة بعدما أحضروا راقيا للبيت و الذي أمر الأم وإبينيها شرب كميات كبيرة من الماء التي أخلطت بالملح والزيت والذي يفيد حسب الراقي في طرد الجن الذي يسكن جسد أفراد العائلة، لتتحول رحلة العلاج إلى مأساة أدت بحياة طفلين في 5 و 8 من العمر بعدما أصيبا بأزمة تنفسية حادة ناتجة عن الكميات الكبيرة من المياه التي أجبروا على شربها ولاتزال هذه القضية عالقة في أذهان الكثيرين خاصة بعدما أصدرت محكمة سيدي محمد حكما يقضي بإدانة الراقي المتسبب في الحادثة بسنتين سجنا فقط، وهو الأمر الذي لم يرض عائلة الضحايا التي استأنفت الحكم في القضية. من جهة أخرى وفي ذات السياق نسمع الكثير عن تعذيب الرقاة لمرضاهم باستعمال الضرب المبرح بحجة إخراج الجن ووصف الأعشاب لهم غير مراعين ما سينجر عن ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى تعرض العديد من النسوة إلى الاغتصاب والاعتداء من طرف الرقاة هذا بعد تخذيرهم أو ما شابه ذلك. ومن ضحايا الرقاة المزيفين نجد السيدة " م.ي" من العاصمة التي فقدت حياتها بسبب الضرب المبرح الذي تلقته من طرف الراقي بحجة طرد الجن من جسدها، إلا أن الضربات أخرجت روحها لتلتحق بربها تاركة وراءها طفلا سيشتاق كثيرا لحضن أمه، خاصة وأن والده طلق المرحومة قبل وفاتها بأشهر قليلة بحجة أنها مريضة، وتعاني من وساوس، هذه القضية التي حدثت السنة الماضية أسالت الكثير من الحبر خاصة بعدما اتهمت عائلة الضحية زوج هذه الأخيرة بقتلها نظرا لعلاقة القرابة التي تجمعه بالراقي المعالج، وبرر شقيق الضحية ذلك بمحاولة الطليق الاستحواذ على ممتلكات أخته التي كانت تعمل وميسورة الحال إضافة إلى الحصول على حضانة الولد، يضيف نفس المصدر الذي تولت ذلك جدته من أمه بعد وفاة والدته المغدورة، وما تزال القضية مطروحة في المحاكم، و في ذات السياق لا يخفى على الجميع أن عددا كبيرا من القضايا في قاعات المحاكم سببها رقاة لقي على أيدهم العديد من المواطنين حتفهم بمجرد تناولهم لأعشاب وصفها لهم الراقي أو تعرضهم لضرب أثناء الرقية. الضرب المبرح في الرقية غير جائز أكد في نفس السياق الشيخ "أبو سعيد" إمام بمسجد بني مراد بالبليدة أن الضرب المبرح في الرقية غير جائز، مضيفا في سياق حديثه أنه لا وجود لطريقة حنبلية آو غيرها في الرقية، إضافة إلى إجبار المريض على شرب كمية كبيرة من الماء الممزوج بالملح أو الزيت والذي قال في شأنه أنه ضرر على صحة المواطن، و الموجود في الشرع يضيف نفس المصدر هو قراءة بعض الآيات القرآنية على المريض لكن ما يحدث اليوم هو أن البعض اتخذها عملا و تجارة.