احتفل، يوم أمس، سكان الوادي بعيد الخريف بإقامة العديد من الطقوس والعادات التي توارثوها منذ القدم. ويعد فصل الخريف بالنسبة لسكان الوادي أفضل فصول السنة، باعتباره الفصل الذي يتم فيه جني محصول النخيل الذي يعد قوت غالبية أهل البلد. ويمر التمر قبل نضجه بمراحل، وهي البلح قبل أن يتحوّل الرطب ومنه إلى تمر، وهي مرحلة جنيه لبيعه أو تخزينه. ويقوم سكان البدو بالوادي بالعودة مع الأيام الأولى للخريف من الصحاري للإقامة بالحضر والاستمتاع بتناول الرطب لعدة أسابيع، قبل تحوّله مع شهر أكتوبر، حيث يتم جني المحصول لبيعه أو حشوه داخل أكياس من قماش تخاط خصيصا لهذا لغرض. وموازاة مع فرح سكان الوادي وابتهاجهم بجني محصول نخيلهم، مصدر رزق عائلاتهم الوحيد، وما يحققه لهم من مكاسب مالية، تقام أفراح بهذا الضيف المبجل، حيث يتم نحر الجمال بشكل جماعي من خلال ما يعرف محليا بالنفقة، وتعني اشتراك عدة عائلات في الجمل الواحد الذي يعد لحمه أفضل أنواع اللحوم التي تحضر مع أكلة الكسكسي الشهيرة، وهي الأكلة التي لا يمكن للسكان الاستغناء عنها أو استبدالها كوجبة أساسية أو ضرورية للعشاء. وتقوم العائلات السوفية في مظهر ينم عن الفرح والغبطة، بتوزيع الكسكسي مع اللحم وإهدائه لبعضها البعض كاعتراف منها بالعطاء والخير وشكر للنعم التي أنعم الله بها عليها. وتستغل العائلات السوفية ما يدره عليها محصول النخيل من مردود مالي، لتقوم بتزويج أبنائها وإقامة الأعراس لهم خلال هذا الفصل لاعتدال الجو فيه. ولا يخلو الاحتفال بعيد الخريف، من تنظيم بعض المنافسات بين المناطق والجهات التي تقام فيما بينها مباريات في لعبة القوس، وهي لعبة شبيهة إلى حد كبير بلعبة الهوكي على الجليد. وتعتمد هذه الرياضة التي تقام على الرمل وعلى امتداد مسافات طويلة، على الجري والقوة البدنية، إلى جانب بعض الفنيات والتقنيات. ويحمل كل لاعب من كلا الفريقين عصا مقوسة يطلق عليها محليا.. القوس.. وهو عبارة عن جريدة النخيل يتم نزع سعفها. وتقام المباتيات في هذه اللعبة بعد أن يتم ردم الكرة التي عادة ما تتم إخاطتها بالشعر والوبر، في رمال أحد الكثبان التي يتوسط موقعها المسافة التي ينبغي على كل فريق قطعها للفوز بالمباراة. والغريب، أن لعبة القوس التي لا تخلو من التشدق والتهكم تحضرها النساء والصبايا اللواتي يقمن بتشجيع اللاعبين وإحضار المياه لهم من خلال بعض الأواني والتي عادة ما تكون قربا.. تصنع من جلد الماعز يحملنها معهن وبها مياه باردة، كما تقوم كل مجموعة من النسوة بتشجيع الجهة أو الفريق الذي ينتمين له. ومع انتهاء المباراة، تنطلق زغاريد النسوة وعبارات الافتخار مما حققه الرجال من فوز على خصمهم. أما اللاعبون والمناصرون، فينطلقون في حركات وصياح ممزوج بعبارات السخرية والتباهي. وأيا كانت هذه العادات والطقوس التي كان يقيمها سكان الوادي ولا زالوا يقيمون بعضها، فإن قدوم فصل الخريف يظل بالنسبة لهم موعدا للفرح والأمل وتتويجا لسنة من الكد في بساتين النخيل.