غاص بقلمه في أعماق المجتمع الجزائري من خلال "بيت الصابون"، كما شرح الوجود الإنساني بكل جوانبه في "تمثال غالاكيا"،"راس الطرف"، "القادوس المقدس"... إلى غيرها من المسرحيات التي زيّنت رصيده المسرحي بثمانية أعمال. إنه خريج المعهد الوطني العالي للفنون المسرحية دفعة 2004، الكاتب والممثل المسرحي علي تامرت، الذي كشف لنا عن عدة أشياء في هذا الحوار مع "الأمة العربية". الأمة العربية : ماذا لو بدأنا حديثنا بالجائزة التي تحصلت عليها مؤخرا؟ علي تامرت : تحصلت على جائزة أحسن نص مسرحي عن مسرحية "راس الطرف" في المهرجان الوطني للمسرح ببراقي من تنظيم جمعية أوفياء المسرح في نوفمبر 2008. وقد حصدت نفس المسرحية جائزة أحسن ممثل وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان المسرح بأدرار. وتتناول المسرحية قصة شخصين يعملان في حفر القبور، يحكمان على العالم بأعينهما ويتناولان عدة مواضيع حساسة خلال حفرهما لأحد القبور، ليجدا في النهاية أنهما لم يحفرا شيئا. ورغم فرحي بالجائزة إلا أنني تمنيت لو تحصلت على الجائزة الكبرى. الأمة العربية :يحمل جوابك نوعا من النرجسية، فهل علي تامرت نرجسي؟ علي تامرت : لا أظن ذلك. لكن كل واحد فينا يملك قدرا من النرجسية، بالنسبة لي لم أكن يوما راضيا تمام الرضى عن أعمالي، ولكن الكمال لله تعالى.. والفنان بطبعه يبحث دائما عن الكمال.. وكل هدف أصل إليه هو بداية لهدف آخر. الأمة العربية : ما الذي يميز النصوص المسرحية ل علي تامرت؟ علي تامرت : ربما بساطتها من حيث اللغة والبناء، وجرأتها من حيث المواضيع المطروحة، فهدفي هو كسر الطابوهات التي يحاول العديد من الكتّاب التهرب منها. إنني في رحلة بحث عن أسلوب جديد، أو بالأحرى لمسة خاصة بي كفنان. كما يميز نصوصي أيضا أنني أعرضها بعد كتابتها على عدة فئات وطبقات من المجتمع لقراءتها قبل عرضها على الناقد لأنني أؤمن بمقولة ألكسندر ستروفسكي "نحن نكتب لعامة الشعب". يجب على الكاتب أن يذوب في المجتمع الذي ينتمي إليه إذا أراد النجاح. ف "موليير" كان يكتب للمجتمع الفرنسي، و"تشيكوف" للمجتمع الروسي، حتى "شيكسبير" لو قلت له إنه فنان عالمي ما كان ليصدق لأنه كان يكتب للجمهور اللندني، ورغم ذلك أعمالهم جعلتهم يصلون إلى العالمية. الأمة العربية: إذن نستطيع القول إن المجتمع هو الرئة التي يتنفس منها الفنان؟ علي تامرت : الفنان هو الزهرة التي تنبت من كيان الأمة.. جذعها باسق في الهواء. لكن عروقها ضاربة في الأرض، ومتى اقتلعتها من عروقها تموت.. تصوري معي نبتة بدون عروق ! الأمة العربية : كممثل وككاتب، من هم الفنانون المسرحيون الذين تأثرت بهم؟ علي تامرت : لا أستطيع القول إن هناك أشخاصا تأثرت بهم فعلا، لكنني معجب بهم وأحب أعمالهم، فهناك عز الدين مجوبي ورويشد من الجزائر، محمد صبحي من مصر، دوستان هوفمان من أمريكا ...في الحقيقة أنا أحب كل عمل متقن. الأمة العربية: يعاني مسرح الطفل عقما من حيث النصوص المسرحية، فهل فكرت في الكتابة لمسرح الطفل؟ علي تامرت : مسرح الطفل هو أشد أنواع المسرح صعوبة وحساسية. في نظري الطفل ورقة بيضاء يكتب عليها الكبار ما يشاءون.. إنني لا أتعامل مع الطفل بصفته أحمقا، فبالنسبة لي الطفل كائن ذكي. وأظن أنه حان الوقت ليبذل المبدعون جهودهم للعمل في هذا المجال – أقصد مسرح الطفل-. صدقيني إن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وهجر المؤلفين لهذا النوع من الكتابة أتاح الفرصة لبعض المتطفلين للعمل في هذا المجال دون علم أو دراية بما يفعلون كما يحدث الآن في الساحة، لذا حاولت بدوري كتابة شيء جديد ومختلف للطفل. الأمة العربية : من خلال تجربتك في الكتابة للطفل، ما هي المواضيع التي تناولتها؟ علي تامرت : في رصيدي مسرحيتان للأطفال، حاولت كتابة سلسلة مسرحية "ساجي وراجي"، الجزء الأول أسميته "الآلة" والهدف منها أن يتعلم الطفل أن العلم سلاح ذو حدين، والثاني أسميته "أوكسجين" تعالج مواضيع بيئية كالتصحر، إنهما كوميديا علمية ترفيهية. وللأسف فبعد أن بدأ العمل في إنتاج مسرحية الآلة، توقف المشروع بسبب مشاكل مادية. الأمة العربية : لو طلبنا منك تقييم المشهد المسرحي الجزائري، ماذا تقول؟ علي تامرت : المسرح كمؤسسة موجود، وهي متمثلة في المسرح الوطني الجزائري، والمسارح الجهوية.. لكنه غائب ك "لمسة"، فعندما أنظر إلى البهلوان أعرف أنني بصدد المسرح الإيطالي، ونفس الشيء بالنسبة للمسرح الكلاسيكي الفرنسي، لكننا هنا في الجزائر نفتقد إلى لمستنا الخاصة .. إننا لم نخرج من التقليد والاقتباس.. المشكل فينا وليس في الآخرين، ناهيك عن مشاكل البيروقراطية، التمويل، والتوزيع. فأنا أظن أنه من الأحسن لو تمت خوصصة المسرح وكل المؤسسات الثقافية فهوليوود مثلا تابعة لوزارة الصناعة الأمريكية، الفن صناعة بالنسبة لهم، هناك أموال تستثمر وتأتي بمردود، وفي الجزائر لو كان هناك مسرح خاص ستكون هناك جودة ومنافسة. الأمة العربية: ينظر الجزائريون إلى المسرح نظرة سلبية، لِمَ تعود أسباب ذلك؟ علي تامرت : أعتقد أن أزمة العشرية السوداء هي السبب في حدوث هذا الشرخ، فمن قبل كانت المسارح مملوءة، وكان هناك نشاط مسرحي كثيف، لكن بعد ذلك انقطع الناس عن المسرح، وعندما رجع هذا الأخير -المسرح- بعد طول غياب وجد جيلا جديدا لا يهتم بالركح، لكن مع مرور الوقت بدأنا نلاحظ عودة الجمهور تدريجيا. الأمة العربية : حين نتكلم عن المسرح العربي لابد من الإشادة بالمسرح اللبناني، حسب ظنك، لماذا نجح؟ علي تامرت : يمكنني أن أتحدث في هذا الصدد عن فرقة "كركلا" المشهورة جدا في لبنان، حيث نجحت الفرقة لأن أعضاءها متلاحمين مع بعضهم البعض، بغض النظر عن التقنيات التجارية المعتمدة على الماركتينغ، كما تتميز الفرقة بالاستمرارية حيث الكبير يمسك بيد الصغير، وجيل يسلم المشعل لجيل..أما عندنا ...؟! الأمة العربية: في رأيك، ما هي العناصر التي يعتمد عليها نجاح العمل المسرحي؟ علي تامرت : لابد في البداية أن نتفق على أن المسرح إبداع جماعي، فالنص يلعب دوره، المخرج يلعب دوره، السينوغرافيا، الديكور والممثل كذلك. فالعمل المسرحي يحتاج إلى فريق متكامل .. لكنني أظن في النهاية أن أهم عنصر هو الممثل، فالمسرح يدعى "أبو الفنون" لأنه يضم كل الفنون من رسم، غناء، إضافة إلى الممثل الذي يعتبر أساس العمل المسرحي ومن دونه لا وجود للمسرح. الأمة العربية : نحصل من خلال تجاربنا في الحياة على قيم نرتكز عليها، ما هي القيمة التي منحتها لك تجربة المسرح؟ علي تامرت : القيمة التي تعلمتها من المسرح هي البساطة، كما علمني أن أنظر إلى الحياة من عدة نواحي "فيونسكو" في مسرحيته اللوحة يقول "إن العالم يبدو لنا قبيحا لأننا ننظر إليه من زاوية واحدة، لذا فلا بد أن نتحرك". الأمة العربية : ماذا عن جديد علي تامرت؟ علي تامرت : انتهيت مؤخرا من كتابة مسرحية بعنوان " القادوس المقدس" تحاكي ظاهرة التحايل والانتهازية في علاقة الأفراد، حيث تتغلب المصلحة على المبدأ. كذلك أنا بصدد تحضير حلقات للمسرح الإذاعي مع الأستاذ "باباسي بلقاسم" وتتناول التراث الجزائري والأسطورة الجزائرية، وهي قريبة من حكايات جدتي.