رغم تراجعه الجلي في ساحة المقروئية الأدبية بالجزائر، وذلك كنتاج لمسار التحول اللغوي والفكري الذي فرضته المدرسة الأساسية منذ انتهجت بأنظومة الجزائر التربوية في سبعينيات القرن الفارط، إلا أن الأدب المكتوب باللغة الفرنسية لا يزال يضطرم تحت رماده ويرنو بين الفينة والأخرى عبر بقايا أقلامه. العودة على شاكلة طائر الفينيكس إلى ريادة المشهد الأدبي الجزائري من خلال كتّاب اختلفت أسباب إصرارهم على التعبير بلغة الآخر وأي آخر! الأديب الروائي أحمد عموري الذي صدرت له مؤخرا بفرنسا رواية بعنوان "حياة واحدة وعالمين"، هو أحد أولئك الذين حالت الظروف بينهم وبين لغتهم الأم، وعن تلكم الظروف وأشياء أخرى متعلقة بأعماله وآفاق الأدب الجزائري ومعضلة اللغة فيه، حاورناه. * كيف جاءتكم فكرة كتابة تلك القصة؟ ** في الحقيقة، استلهمت فكرة القصة من واقع الحصار الذي ضرب على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أمام الصمت المريب للرأي العام العربي أين لم يجرؤ أحد على رفع إصبعه الصغير ليقول "لا للعدوان". وأمام هذا الخنوع والاستسلام وعدم القدرة على تمثل الماضي المشرق للأمة والاقتداء بالمواقف البطولية لمن أسسوا أعظم حضارات الشرق والتاريخ، رفض بطل روايتي سعيد الكفيف منذ ولادته البصر بعد، إذ كان يتوق إليه من قبل، فالهوان والمذلة ورؤيته لأمته في مؤخرة الركب التاريخي والحضاري دفعت به إلى رفض عالم البصر المنقوص من البصيرة الذي تعيشه أمته اليوم. * هل تعتقدون أن اللغة الفرنسية كفيلة بأن تعطي لقصة ذات بيئة ثقافية حقها في التعبير الصادق والدقيق؟ ** طبعا لم يمكن للغة الأجنبية مهما طالت أي قطر، أن تستوعب كل مكنونات في تعبيراتها الأدبية، ذلك لأن اللغة وعاء طبيعي لأنساق ثقافية وفكرية، وهي منطوقه الرمزي، وبالتالي تبقى اللغة الأم هي الأجدر بالتعبير الحق والكامل على الموروث الثقافي حين تحفل به الكلمة الأدبية في السرد أو في الشعر. لكن الظروف حكمت على أجيال عدة من شعبنا، أن تبقى بمعزل عن لغتها، ومع هذا أرى التأصيل الذي عرف فيما بعد للمنتج الأدبي الوطني أعاد الأمل في نهضة اللغة الوطنية، مثله بالأخص الراحل مالك حداد بقولته المشهورة "أنا المنفي في اللغة الفرنسية"، لذا يمكن القول إن الأفق سيكون واسعا للغة الوطنية بحول الله بفضل الأجيال القادمة. * كيف تقيّمون وضع الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية ببشار والجنوب عموما؟ ** اللغة الفرنسية سواء في الجنوب أو الشمال، هي إرث عن الاستعمار وغضا للطرف عن السجال السوسيو ثقافي المشتعل في ساحة الإنتلجانسيا الجزائرية، هل هي مكسب أم غير ذلك؟ أرى أنها لعبت دورها في فترة كنا فيها في حاجة إليها كواقع حتمي للتعبير عن ذاتنا وتسيير قدرتنا من دون خلفية عقائدية أو إيديولوجية أو سياسية، ولهذا عرفت ازدهارا في مجتمعنا بالجنوب كما في الشمال، فهناك كتّاب ذاع صيتهم عالميا كياسمينة خضرا (محمد مولسهول)، بيد أن مسارات التحول الثقافي والاجتماعي التي اتبعتها الجزائر في إحدى فتراتها رجحت كفة اللغة الوطنية والأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية الذي أصبحت الأسماء التي تمثله ترنو به والثقافة الوطنية إلى أفاق واعدة. غير أني أود الإشارة إلى نقطة هامة هنا.. * تفضل... ** مسألة الموقف من الأدب عندنا، سواء أكان أدبا مكتوبا بالفرنسية أم بالعربية، لا أرى أنها ذات أولوية بالطرح ما دمنا نفتقر إلى قاعدة مقروئية واسعة، بالخصوص من لدن الفئات الشبانية من تلاميذ وطلبة وأساتذة حتى! * هل قرأتم لياسمينة خضرة على اعتبار أنه ينحدر من مدينتكم القنادسة بشار ؟ ** صراحة لم أقرأ لمحمد مولسهول (ياسمينة خضرة)، فمعظم نتاجاته الروائية غير متوفرة في المكتبات والأكشاك، مثلما كذلك تندر الكتب النقدية التي تناولت أعماله في الوسط المكتبي الأدبي عندنا. قرأت فقط بعض المختارات والمنتخبات من أعماله من خلال الانترنت، لكنها لم تسمح لي بأخذ صورة تقييمية لأعمل هذا الكاتب. * ما رأيكم في حراك الترجمة بالجزائر، لا سيما للنصوص الإبداعية؟ وأي ترجمة ترونا أجدى للقارئ الجزائري، هل تلك التي تترجم من العربية أم إليها؟ ** الترجمة جسر هام في التفاعل الثقافي والحضاري للإنسانية، وبالترجمة وحدها استطاعت الإنسانية أن تحافظ على تلك السلسلة المترابطة الحلقات في بناء الحضارة العقلانية للبشرية منذ سحيق الآماد، ألم يقل المثل في البدء كانت الكلمة، أي أن منطقها ومضمونها الفكري هو من صنع التاريخ لذا انتقالها من لسان إلى آخر عبر آلية الترجمة حفظ نتاج العقل والفكر من الضياع، وأعود إلى سؤالك لأقول إن حركة الترجمة عندنا في سعتها وجودتها وحقل اشتغالها تعكس بحق وضعنا الثقافي المزري، فنشاط الترجمة شبه مشلول عند بالقياس إلى حجم الحاجة المعرفية عندنا إليه عدا عن بعض الأعمال المعزولة وغير مؤسسة أو غير مؤسسية تعنى بترجمة بعض الدراسات العلمية و المدرسية فليس ثمة ما يقال عنه حركة ترجمة بالجزائر. * هل تأملون في ترجمة أعمالكم حتى تقرأها الأجيال المعربة؟ ** من ذا الذي لا يرغب في أن تترجم أعماله إلى لغات أخرى لتتسع قاعدة مقروئيه ولا أخفيك أنه حلمي أن أترجم أعمالي بنفسي وذلك بمساعدة من أثق فيه من الأقلام الجادة التي تجيد اللغة العربية والترجمة الأدبية غليها. * ما هي مشاريعكم في المستقبل؟ ** أشتغل حاليا على قصة تتناول هي أخرى الوضع العربي الراهن، فكوني مرتبطا جدا بقضايا أمتي في إن جل أعمالي تتناول واقع حالها المزري وآمل أن أنتهي منها في القارب العاجل لأتفرغ إلى سبل نشرها فأنتم تعلمون صعوبة هذا المجال في الجزائر برغم التقدم الذي أحرزه بعض الشيء مؤخرا. * كلمة أخيرة الأستاذ أحمد؟ ** أشكركم الأستاذ بشير عمري على إتاحة هذه الفرصة لي لأتواصل مع المهتمين بعالم الكتابة الروائية والقصصية، خصوصا روايتي "حياة واحدة وعالمين"، وأشكر من خلالكم صحيفة "الأمة العربية" على نموذجها الصحفي الراقي وإن شاء الله نفعت الأمة به عسى أن نخرج من براثن التخلف والأمية والجهل ونعود إلى مجد تركه لنا أمانة الأسلاف بعدما بنوه بفكرهم ودمائهم وأموالهم وأنفسهم.