لا أحد من قاصدي مقام الشهيد، أو كما يدعى" المونيمو" بوسط العاصمة سيجهل وجه عمي رزقي، بائع الورود المتجول، ولا أحد ينكر ملازمة العريضة لوجهه الأسمر، ومعه في ذراعية دائما يتأبط قفة من الورود أغلبها لونه أحمر. "الأمة العربية" التقته بمكان قال أنه بيته الثاني فكانت هذه الدردشة الخفيفة. منذ متى وأنت تبيع الزهور ؟ بدأت احتراف بيع الزهور في رياض الفتح منذ سنة 1993، وذلك كنشاط تجاري، وقد كانت محاولاتي الأولى بشكل عشوائي، أو إن شئت أقول أنني كنت أعمل بشكل خارج القانون رغم أني أبيع الزهور فقط. كنت تعمل بشكل فوضوي إذن؟ لا لقد سويت وضعيتي بسرعة بعد أن نبهني أحد الأعوان القائمين على حراسة المكان، وأذكر أنه يدعى بلخير، لقد طلب مني بكل احترام التوجه إلى إدراة رياض الفتح، وأخذ تصريح خاص للبيع في أروقة رياض الفتح، وهذا ماحدث بالفعل، وسويت الوضعية بسرعة فائقة، ومن يومها أنا بائع الزهور الوحيد بالمنطقة التي يزورها يوميا الآلاف من المواطنين من كافة أنحاء الوطن. هل كنت دائما الموزع الوحيد هنا؟ لا لقد جاء عدد لا بأس به من بائعي الورود، بعضهم ينشط بشكل قانوني، وبعظهم عمل بصيغة غير قانونية، لكنهم لم يستمروا في العمل؟ لماذا ياترى؟ لا أدري! فرحت لذلك؟ لا ، لا .. أنا متيقن بأن الرزق من الله، وكنت أتمنى التوفيق لهم، .. ولكن في اعتقادي الأمر يرجع إلى أسباب أخرى، فأنا أعشق مهنتي حتى النخاخ. نعود إلى أسباب اختيارك لهذه الحرفة، هل هو دافع الحاجة فقط؟ لا بالتأكيد، أنا قبل أن أكون بائع، فأنا محب لهذه المهنة التي أعتبرها نشاطا راقيا، ومشرف. إذن أنت رومنسي؟.. قد لا أكون كذلك إلى درجة كبيرة، لكنني أؤكد لك أنه منذ طفولتي كنت الوحيد بين أصدقائي من يضع وردة على قميصه، وعلى " الفيستا " كذلك، وكنت أقدم الورود لأصدقائي وأخواتي وأقاربي، من بينهم أمي. ما هي الوظائف التي مارستها بعد انهاء دراستك؟.. لقد عملت كثيرا في ميدان الخدمات الحرة، وقد كنت أغسل وأمسح السيارات في محطات الوقود. نذهب إلى نقطة أخرى، بما أنك قطعت شوطا كبيرا في هذه الحرفة، هل تغير الحال بين الأمس واليوم، طبعا بالنسبة لنشاطك؟ سؤالك في محله، أنا أحب هذا النشاط، لكن بين اليوم والأمس الأمر تبدل كثيرا، والناس أيضا تغيروا، .. كنت أبيع في السنوات السابقة ثلاث سلال كاملة في يوم واحد، والآن بالكاد أبيع سلة واحدة. أنت تقيم بحسب المبيعات؟.. لا حتى الناس تغيروا كثيرا، وصار الإقبال على هذا المكان يقل من يوم لآخر، باستثناء أيام العطل، وهذا بالطبع يؤثر على حركية هذا المكان، ونشاط التجار هنا. إلى ما ترجع السبب إذن؟ لا أدري. هل فكرت في يوم من الأيام ترك هذا النشاط، وامتهان حرفة أخرى تدر مالا وفيرا؟ ذلك مستحيل، هذه الحرفة ستكون مهنتي الأبدية، ومنها مدخولي أنا وعائلتي، كما أني لا أجيد أي مهنة أخرى... ألفت عملي هنا، والمكان صار بيتا لي أكثر منه مقر عمل، بل صار بيتي، فأنا أقضي أكثر أوقاتي هنا. لا بد أنك شاهدت حوادث كثيرة في هذا المكان الفسيح وذكريات!.. نعم هناك أمور كثيرة جدا، لكن ما أتذكره دائما أني في مرة من المرات شاهدت شابا مع خطيبته أتيا للفسحة، وحدث بينهما شجار، ومناوشة كادت تتطور، وقد استطعت بحمد الله أن ألطف الأجواء. إذا كنت مصلحا اجتماعيا! أتدري ما حدث ! وماذا حدث؟ بعد مرور سنوات عن الحادثة جاء الي رجل لا أعرفه، .. كان رفقة امرأة وطفلين، وسألني ان كنت أعرفه، فتعجبت، وبعد أخذ ورد تذكرت بأنه هو ذلك الشاب الذي صالحت بينه وبين خطيبته، وكانت المرأة زوجته. كيف كان إحساسك؟ عرفت حينها بأنه يمكنيي البقاء في بيع الزهور. ما هو حلم عمي رزقي ؟ أريد أن أعيش بسلام، وأن يكون الناس في وئام، ..( قف ) .. أحب الجزائر، ولن أرضى بالعيش خارج وطني. ماذا يعني لك هذا المكان .. أعني رياض الفتح.. قلت لك، صار بيتي الخاص مع أنه يسع الجميع. - رزقي بوبغلة يبلغ من العمر 41 سنة. - ولد بقرية تافوغلت بدائرة ذراع الميزان ولاية تيزي وزو - رب أسرة وأب ثلاثة أطفال ( خالد أنيس ومحمد مهدي وفريال صاحبة ربيع واحد). - يقطن بالحي الدبلوماسي ببلدية درقانة شرقي العاصمة.