في منتصف شهر شباط الماضي قرأت مقالا للكاتبة التونسية سيماء المزوغي بعنوان"يا معشر الأعراب عودوا إلى خيامكم وإبلكم..هنا تونس", وتبدأ الكاتبة مقالها قائلة:"هم من السعودية و قطر ومن بعض الممالك المجاورة..على صحراء قاحلة شحيحة كانوا يسكنون..كانوا قوماً حفاة عراة يئدون بناتهم و يقتلون صغارهم عند وقوع مجاعة ما وكان الرجل منهم يرث حتى زوجات أبيه ، وكان إذا سافر يُقيّد زوجاته إلى شجرة حتى يرجع من سفره". وتمضي قائلة:"لم يُنجبوا ابطالاً فقد كان إبن خلدون من تونس وكان إبن الجزار من القيروان وكان الفارابي من بلاد ما وراء النهرين وكان الرازي وإبن المقفع من بلاد فارس وكان سيبويه من البصرة وكان إبن سيناء من بخارى وكان الغزالي من نيسابور وكان النووي من سورية". وتختتم الكاتبة مقالها بالفخر بأجدادها, حيث تقول:" عندما كانوا ينسجون أساطيرهم بوادي الجن وضع أجدادنا العظماء أول دستور في البشرية..كان أجدادي يسكنون القصور ويشربون الخمور في أواني الفضة والذهب كانوا يشيّدون المعابد والمسارح ويلتقون فيها للتٌسامر وتبادل المعارف وإقامة الألعاب و المسابقات والمناظرات الفكرية..كانوا يبنون المكاتب قبل المطابخ ..كانت روما أعتى الإمبراطوريات تَرهَبُهم وتغار من تقدّم القرطاجيين ومن اِنفتاحهم, ولو كتبت بحراً من الكلمات لما وصفت حضارة أجدادي". وتطالب أهل الخليج بالمغادرة تماما كما طالب شاعرنا الفلسطيني الراحل محمود درويش الصهاينة بالرحيل عن أرض فلسطين في قصيدته"أيها المارون بين الكلمات العابرة", فها هي تقول:" يا معشر الأعراب هيا عودوا إلى خيامكم وإبلكم واِنكحوة ما لذّ وطاب من جواركم وغلمانكم واِبتعدوا عن أرضنا وشمسنا وبحرنا فأوطاننا أطهر من أن يدنّسها أمثالكم". مما لا شك فيه, ان الكاتبة جريئة جدا وواقعية, فهي تصف حال من يقطن في شبه الجزيرة العربية وصفا صادقا لا غبار عليه, فهكذا كانوا يعيشون في عصور الجاهلية, وبهذا تعيد تذكيرهم بأنهم عاشوا في تلك العصور وفي ما قبلها. لنأخذ وضع هؤلاء في العقود الأخيرة, فلولا النفط لبقيت حالهم كما كانت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا. لقد أعمى النفط قلوبهم, فقد أصبحوا "حسب ظنهم ومفهومهم" بأنهم يملكون مستويات أعلى من غيرهم, فأصبح العمل عارا يجب تجنبه, مع أنهم يرتكبون الفاحشة ما ظهر منها وما بطن. والدراسة التالية تتكلم عن نفسها:"يقدر أنّ 31 في المئة من مجموع القاطنين في دول الخليج العربية البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة هم من الأجانب في حين أنّ 56 في المئة منهم هم من القوى العاملة، معظمهم من شبه القارة الهندية والفلبين. واظهر مسح قامت به شركة جلف تالنت أن الأجانب يشكلون نحو 83 في المئة في قطر و80 في المئة في الإمارات و53 في المئة في الكويت و34 في المئة في البحرين و21 في المئة في السعودية و19 في المئة في سلطنة عُمان. أما بالنسبة إلى القوى العاملة فإنّ 91 في المئة من العمالة في الإمارات هم من الأجانب و89 في المئة في قطر و81 في المئة في الكويت و59 في المئة في البحرين و47 في المئة في السعودية و33 في المئة في سلطنة عُمان". وقبل سنوات قرأت مقالا لكاتب غربي قام بزيارة دول المغرب العربي, وأهم ما جاء فيه هو اعجابه الشديد من تصميم البيوت, فقبل بناء البيت, أول شيء يطلبه صاحب هذا البيت من المهندس هو تصميم المكتبة قبل المطبخ, وهنا لا بد لي الا أن أتفق مع الكاتبة عندما تطرقت لهذا الموضوع. لقد انشغل الخليجيون بالقشرة ونسوا اللب, ففي السعودية تمنع المرأة من قيادة السيارة, وفي البيوت ينتشر الخدم, ويمننع الاختلاط في العمل, فقام علماء السلاطين باصدار الفتاوي التي لا تعد ولا تحصى ومن أغربها,فتوى ارضاع زميل العمل والخادم لكي يصبح الاختلاط حلالا ويصبح بمقدور المرأة السعودية أن تركب السيارة التي يقودها الخادم..أليس هذا الأمر هو التخلف بعينه؟. بعد كتابة مقالها ونشره هوجمت الكاتبة بشطل شديد لا يتصوره العقل البشري, فمنهم من اتهمها بالشعوبية والعداء للعرب,ففي مقالها"الشعوبيون الجدد", تقول الكاتبة حسناء عبدالعزيز القنيعير:"واحدة من أولئك الشعوبيين كتبتْ مقالًا بعنوان (يا معشر الأعراب عودوا إلى خيامكم وإبلكم، هنا تونس), ملأته بكل ما في نفسها من عنصرية وحقد بما يكشف عن خلل نفسي تعاني منه، وجهل عميق بالتاريخ العربي والإسلامي، تلك الكويتبة البائسة تجهل أن هذه الأمة التي تتكلم عنها أنجبت محمداً هادي البشرية. وأنها ككل الأمم فيها السيئ من العادات إلى جانب الحسن، فلم يكن كل العرب في تلك الصورة البشعة التي صورتها نفسها المريضة، أوَ لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ؟ لكن أنى لجاهلة مثلها إدراك هذا المعنى الكبير؟". وتمضي قائلة:"ويقول شعوبي آخر في مقال يحمل عنوانا شبيها بعنوان الكويتبة الشعوبية: (إن سورية صدر العالم العربي وسيفه وترسه ومصدر الإشعاع الفكري وحامية الضاد، وهي القلعة العربية الصامدة والأخيرة وعلى العرب والأعراب والمستعربين أن يدركوا هذه الحقيقة التاريخية والجغرافية)". ونقول, لا أحد ينكر بأنكم عربا, ولكن لن ننسى رقص بعض أمراء الخليج مع مجرم الحرب العالمي بوش وهو يحمل سيف الفتوحات الاسلامية وتقدم له القهوة العربية, في وقت يقصف فيه الكيان الصهيوني غزة بأسلحة الدمار الشامل وتودع الشهيد تلو الشهيد, كيف ننسى ذلك المشهد؟. قد يسأل سائل بأن دول الخليج المليئة بالنفط وعدم قدرة ورغبة مواطنيها على العمل, أجبرت على قبول العمال الأجانب العرب وغيرهم, ولكن هذا الأمر لا يعني أن تفتخر هذه الدول بأنها تشكل مصدر رزق لمئات الالاف من العمال الأجانب, فهي السبب في ذلك وليس غيرها. وأضيف بأن هؤلاء العمال الأجانب وخاصة الأكاديميين منهم هم من رفعوا مستوى هذه الدول وفي جميع المجالات, فلولاهم لبقيت هذه الدول فعلا تعيش في فترة ما قبل الجاهلية, وهنا أذكر فضل أبناء شعبنا الفلسطيني الذين قاموا باعمار هذه البلاد وفي كافة المجالات بعد أن لجأوا االيها بعد نكبتنا الكبرى. وفي هذا الصدد, لست بانكار عروبة دول الخليج, ولكن من حق الكاتبة أن تفتخر بأجدادها القرطاجيين ذوي الأصل الفينيقي, وقد كان لهم أثرا عظيما في تطور وحضارة بلاد المغرب العربي, فقد تعلم الأمازيغ من القرطاجيين صناعة الأرجوان و تزينوا مثلهم حيث استعملوا الكحل و الحناء و ارتدوا البرنس، كما استعملوا النقود في التجارة، و تأثروا في العمران بالهندية القرطاجية. كما خلف القرطاجيون العديد من المؤثرات على العادات المغربية في كل الميادين من الحرف "كصناعة المعادن والجلد والخزف" إلى أنواع الملابس والعادات الاجتماعية التي مازال بعضها مستمرا الى الآن "استعمال الحناء" والكتابة الأبجدية. ولكي نضع النقاط على الحروف, ولكي نكون واضحين في كتابتنا وأننا لا نقوم عبثا بالتهجم والنقد, فلنأخذ دويلة قطر كمثال, فهذه الامارة تقوم باستيراد كل ما تحتاجه من مواد استهلاكية, وتقوم أيضا باستيراد أصحاب الفكر وبشتى خبراتهم, فهي لا تملك أي ارث في العلوم الانسانية, وهذه الامارة مع غيرها من دول الخليج تفتقر الى الديموقراطية, وبالتالي تبذل كل ما في وسعها من أجل اسقاط الأنظمة العربية التي أختلف أنا أيضا معها, فسقط طغاة مصر وليبيا وتونس والحبل على الجرار, والسؤال الذي يطرح نفسه:أما ان الأوان ليقوم حراك شعبي يطيح بكل أنظمة الفساد في كل دول الخليج ولا أستثني منها أحدا؟. زعماء دول الخليج لا يملكون أي قدر من الثقافة والفكر, فيكتب لهم بعض المنتفعين خطاباتهم, ولو سمعتهم لما فهمت مما يصدر من أفواههم شيئا..نعم, ان بلادهم الصحراوية أصبحت تمتلك البنايات الشاهقة وناطحات السحاب وكل ذلك بفضل النفط الذين لا يستحقون امتلاكه ولكن "لله في خلقه شئون", وهذا النفط ورغم كل ذلك لم يتمكن من محو أمية هؤلاء الزعماء المتخلفين ولم يستطع كذلك تطوير وتنوير عقولهم, فهم فقدوا كل شيئ حتى الكرامة والنخوة والمروؤة, فكان نقمة وليست نعمة. وحتى لا يتم فهمي خطأ, فأنا مع الثورات ومع ثورة عربية اسلامية عارمة تطيح بكل الأنظمة من المحيط الى الخليج..ثورة تعيد لنا كرامتنا واستقلالنا لتجعلنا من أرقى الشعوب والأمم وهذا الأمر ليس بالمستحيل, فارادة الشعوب أقوى من كل عائق, فهكذا علمنا التاريخ. وأختتم بما قاله الشاعر التونسي الراحل, أبو القاسم الشابي في قصيدته"ارادة الحياة":إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر**ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر**ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر. وحتى البيت الأول من هذه القصيدة اعتبره علماء السلاطين في دول الخليج العربي مخالفا لتعاليم الشرع الاسلامي, وأما فتوى ارضاع زميل العمل فهي أمر طبيعي لا يتناقض مع تعاليم الشرع الاسلامي؟. فعلا, يا معشر الأعراب عودوا إلى خيامكم وإبلكم, ويكفينا ما نحن نعاني منه. د. صلاح عودة الله-القدسالمحتلة ملاحظة : المقال لا يعبر بالضرورة عن راي الموقع