رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البرت كامي هل يحق الاحتفال بذكراه ؟..
نشر في الطارف انفو يوم 24 - 01 - 2012


* السابق
* 1 of 5
* التالي
كامو يثير الجدل في مسقط رأسه
عاد أمس الكاتب ألبير كامي إلى مسقط رأسه في ذكرى رحيله الثانية والخمسين حيث تم تدشين لوحة تذكارية بالذرعان ولاية الطارف في احتفالية أشرف عليها السفير الفرنسي بالجزائر غزافييه دريانكور. وأثارت هذه الخطوة مواقف متباينة في أوساط المثقفين المحليين و فعليات المجمتع المدني خاصة الأسرة الثورية التي رأت أن نفض فرنسا الرسمية الغبار عن كاتبها وفيلسوفها في هذا الوقت بالذات الذي يصادف احتفال الشعب الجزائري بالذكرى الخمسين للاستقلال يعد مساسا بمشاعر الجزائريين و تثمينا لقانون تمجيد الاستعمار بالنظر إلى المواقف غير المشرفة للكاتب الراحل تجاه الثورة التحريرية ووقوفه إلى جانب أطروحة الجزائر فرنسية، هو الذي قال عند تسلمه لجائزة نوبل للآداب سنة 1957 في أوج الحرب التحريرية بأنه يفضل أمه على العدالة في إشارة إلى وقوفه إلى جانب فرنسا الاستعمارية ورفضه استقلال الجزائر.
ورأت الأسرة الثورية أن إقامة نصب تذكاري تخليدا للكاتب الفرنسي يشم من ورائه رائحة سياسية وتاريخية بعد تفطن فرنسا الرسمية لكاتبها في هذا الوقت بعد عقود من الزمن بتخليد روحه بمسقط رأسه. في حين أن هناك من الباحثين في التاريخ والأدباء المحليين من تحمسوا للمبادرة أدبيا دون الخوض في جانبها التاريخي وقالوا أن الخطوة ستسمح بإعطاء البعد العلمي والأدبي والإنساني للكاتب كامو ابن البلدة ومسيريته الأدبية وما قدمه الكاتب للأدب العالمي بصفة عامة والأدب الفرنسي بصفة خاصة ومن ثمة فإنه وجب إعطاء الأديب حقه بالاحتفاء به كشخصية أدبية وعالمية تبقى بحاجة إلى التنقيب وان الاحتفاء به من باب كونه شخصية أدبية لاغير بغض النظر عن مواقفه التاريخية التي تبقى من اختصاص المؤرخين هذا فيما لا يرى بعض السكان وإلى جانبهم الجمعيات حرجا في الاحتفاء بتخليد ذكرى وفاة كامو ابن "الموندوفي" أدبيا وفكريا والذي من شأنه استحضار ماضي المنطقة والتعريف وإثارة اهتمام الأدباء وطنيا وعالميا بها دون الخوض في أمور أخرى.. .
تدشين لوح تذكاري بالمنزل الذي نشاْ فيه الكاتب
في احتفالية رسمية وبحضور جمع من المواطنين وسط تعزيزات أمنية مشددة أشرف صبيحة أمس سفير بفرنسا في الجزائر غزافييه دريانكور على تدشين لوح تذكاري بالمنزل الذي نشا فيه الكاتب والروائي البير كمو وسط مدينة الذرعان تخليدا لروحه وهذا بحضور بعض من أفراد عائلته يتقدمهم ابنه قبل أن يعاين السفير ابتدائية البشير الابراهيمي التي زاول فيها كامو أولى دراسته الابتدائية حيث طاف بأرجائها ووقف على القسم الذي درس فيه ، كما طاف بالمعرض الذي أقيم بالمناسبة والذي ضم أهم الأعمال الأدبية للكاتب الراحل.فيما يتداول أن السلطات الفرنسية من خلال سفيرها دخلت في مفاوضات وصفت "بالسرية" لدفع صاحب المنزل الذي ولد فيه كامو للتنازل عنه مقابل تعويض مالي ليحول إلى متحف لعرض أعماله الأدبية .في حين أبدى عدد من السكان ممن تحدثت "النصر" إليهم أنهم لا يرون مانعا في الاحتفاء بالكاتب ابن المنطقة دون الخوض في ما يتداول عن ماضيه اتجاه الثورة التحريرية .وهي الاحتفالية التي قالوا بأن من شأنها إثارة اهتمام الأدباء وكبار المفكرين في العالم للإطلاع على المكان الذي نشا فيه الكاتب ومناقشة كتاباته ما يجعل من "الموندوفي" قبلة أدبية لدراسة فكر البير في المستقبل .ومن ثمة التعريف بالمنطقة .
منظمة أبناء الشهداء تندد وتصف تخليد الكاتب بالمهزلة
وقد ندد المكتب البلدي لمنظمة أبناء الشهداء لبلدية الذرعان في بيان وزع أمس على الصحافة مسعى السلطات المحلية في الاحتفاء بألبير كامو بتخليد اسمه بمسقط رأسه الذرعان وهو الحدث الذي وصفته المنظمة "بالمهزلة المحلية" التي تنسينا شهداء المنطقة وتطعن في تاريخ القاعدة الشرقية واعتبر البيان ذلك إهانة للشهداء . ورفضت المنظمة جملة وتفصيلا أي مبرر أو ذريعة لتخليد هذا الاسم على أرض الجزائر الزكية بدماء الشهداء متمسكة حسب البيان برفضها المطلق لهذا الاحتفال المخزي على حد تعبيرها والذي حضر له على تطاق ضيق ودون استشارة مسبقة للأسرة الثورية، وهذا انطلاقا من كل الشهادات التاريخية الفرنسية والجزائرية بمعاداة "البير كامو" للشعب الجزائري ووصفه بأبشع الأوصاف والنعوت في كتاباته الأدبية ووقوفه السلبي الرافض لاستقلال الجزائر وأبلغ دليل على موقفه هذا تصريحه التاريخي "بأنه يفضل خيار أمه على خيار العدالة " رغم عدالة القضية الجزائرية. واستنكر البيان إهمال السلطات المحلية لألواح تحمل أسماء الشهداء مرمية وسط القاذورات بمحشر البلدية. وقد حمل البيان السلطات المحلية ما أسماه التلاعب بمشاعر الجزائريين وخاصة سكان بلدية الذرعان الذين رفضوا في السنوات الأخيرة هذا التخليد مهما كان نوعه سواء تحت غطاء استقبال المستثمرين الفرنسيين أو الاهتمام وإحياء الأدب الإنساني للكاتب المذكور. وقال امين منظمة ابناء الشهداء لبلدية الذرعان بأن أبناء الشهداء كانوا بصدد اعتراض موكب السفير وإقامة احتجاجات عارمة تنديدا بهذه الاحتفالية لولا تدخل أطراف لتهدئة الأمور.
كتاب من ولاية الطارف
لسنا ضد الاحتفالية لكن الطريقة التي تمت بها تثير التساؤلات
يقول الكاتب محمد الصالح زوزو رئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بالطارف أنه من حيث كون الكاتب عالمي والاهتمام بكتاباته الأدبية والروائية أمر واقع باعتباره من مواليد الذرعان، إلا أن الطريقة التي تم الاحتفاء بها تشوبها عدة تساؤلات باعتبار أن فرع اتحاد الكتاب كان سباقا بطلب تقدم فيه في وقت سابق لتنظيم احتفالية تليق بمكانة الأديب بحيث تم رفض الطلب شكلا ومضمونا نظرا للموقف الماضي غير المشرف اتجاه عدالة القضية الجزائرية لنتفاجأ بإقامة هذه الاحتفالية بشكل رسمي بتخليد روح "البير كمو"وفي إطار ضيق وأشارالمتحدث بأن فرع اتحاد الكتاب ليس ضد إقامة هذه الاحتفالية بقدر ما يرفض الطريقة الفوقية التي تم بها تنظيمها وإعطائها الطابع الرسمي وإقصاء المثقفين من المشاركة فيها ، حيث كان الأجدر بالقائمين، حسبه، اسناد هذه العملية لاتحاد الكتاب لاهتمامه بالفعل الأدبي بغض النظر عن موقفه التاريخي المعادي للثورة الذي يبقى بيد المختصين. وقد وصف رئيس اتحاد الكتاب الاحتفالية المخلدة لروح الكاتب كامو "بالطبخة السياسية " التي أعد لها على المستوى الرسمي وتبقى لا علاقة لها بالجانب الأدبي والثقافي والدليل عدم إشراك مثقفى الولاية واتحاد الكتاب خاصة في هذه الاحتفاء...ليبقى السؤال المطروح حسبه هو ما خلفية إعطاء الطابع الرسمي لهذه الاحتفالية
من جهته يرى الشاعر رضا ديداني أن الاحتفاء بالأديب البير كامو بهذه الكيفية لا يليق بمكانة الطبقة المثقفة الجزائرية التي ناضلت لتوضيح موقف البير من الثورة التحريرية التي شوهت نضال الشعب الجزائري من اجل التحرر رغم كونها قضية عادلة ..والمخيب للآمال أن الكاتب العالمي البير اتخذ موقفا سياسيا مساندا للسلطة الاستعمارية وهذا ما نعارضه بشكل كامل وصريح .
في حين يقول الكاتب سعيد سلوم لقد فوجئت بسرعة رفض المشروع حين أراد فرع اتحاد الكتاب تنظيمه بمسقط رأسه بالذرعان ليتم قبوله من جديد عندما أرادت فرنسا الرسمية الاحتفاء برموزها الثقافية في الجزائر وهذا لدلاله عن تمجيد قانون الاستعمار في الجزائر فالبير كمو يمثل لفرنسا الشرعية الوجودية لإقامة وتقنين فرنسا الاستعمارية رغم نقص أهمية البحث في جزء كبير من الثقافة الغربية فكمو ومهما كان رائدا في الفلسفة تبقى فرنسا أمه الوحيدة وهذا حقه ولو انه ولد في الجزائر حتى وان اضطهدت فرنسا الشعوب الأخرى .إذا فما أهمية هذا الكاتب بالنسبة ألينا إذا ما استمرت فرنسا في رفض أمثال فرانتز فانون وقائمة طويلة من كتاب الجزائر. ق- باديس

ألبير كامو.. الكاتب الذي قال "الجزائر أمة افتراضية"
يتعجب الواحد منا كيف أن الواقع الاجتماعي لشخص ما، و خاصة إذا ما كان شخصا ذكيا و متعلما، ألا يكون نبراسا يتخذ من خلاله القرارات الصائبة، المصيرية، التاريخية. كامو لم يتعاطف كثيرا مع الجزائريين "المستعمَرين" رغم أنه عاش كل تفاصيل حياتهم وعانى هو وعائلته من ويلات التاريخ وبشاعته. بالنسبة للجزائريين كان كامو وأسرته من "الأقدام السوداء" لأنهم من أصول أوروبية. كان والده "لوسيان" (Lucien) يتيم الأبوين، يعمل بشركة لإنتاج الخمور وتوفي مرتديا الزي العسكري الفرنسي في معركة "لا مارن" سنة 1914 منتميا إلى قوات "زواف" (1er Régiment des Zouaves) أي حارب إلى جانب العساكر القادمين من الجزائر وباقي الدول الإفريقية المستعمرة. أمه "إيلين سينتيس" لم تكن فرنسية بل اسبانية من جزيرة "مينوركا"، أمية، مصابة بالصمم وصعوبة في التكلم (هل كانت قريبة في العاهة من والدة كاتب ياسين؟ لكن كاتب أحس أكثر بمجازر 8 ماي 1945).
ذاك اختياره
عاش كامو وضعية الجزائريين كأهالي من خلال إقامته مع والدته بحي بلكور الشعبي. رأى الفاقة والاحتياج والركض اليومي الذي يمارسه الجزائريون للحصول على قوتهم تحت آلام السياط الفرنسية والإدارة الجائرة التي كانت تجردهم من حقوقهم وممتلكاتهم بدعوى أنهم لا يملكون عقودا تدل على ذلك. عاش في نفس المنزل مع أخيه الذي يكبره سنا وجدته التي كانت تعاني من سرطان في الكبد وعمّين أحدهما كان مقعدا. تركز للعذاب والتهميش والألم وصورة لمن لا يملك مركزا داخل المجتمع وما أكثرهم آنذاك. كان السكن من دون كهرباء أما آليات المرحاض لم تكن تتعدى تجهيزات بسيطة مثل الدلاء أو الثقوب التي يؤمها العامة. حالة من الألم والتعاسة التي عاشها وعايشها كامو بشكل مباشر. كان هو ذاته ضحية لمرض السل الذي دفعه لتخفيف سرعة دراسته بجامعة الجزائر ما بين سنوات 1932 و 1953. كان "مسرح العمل" التابع للحزب هاجسه لأنه وجد في الاشتراكية المذهب الذي يقيه من اليسار و اليمين. أراد أن يعلم العمال الجزائريين المبادئ الاشتراكية محاولا التعرض في موضوعاته لمسألة اغتراب الإنسان بالمفهوم الماركسي و إمكانيات الدفاع عن القيم السامية مثل الحقيقة والاعتدال والعدالة. عاش المسرح حتى سنة 1939.
في عمله مع "آلجي ريبوبليكان" بين 1937-1939 تعرض للحياة اليومية المضنية التي يحياها الجزائريون من عرب وأمازيغ وكتب مجموعة من المقالات التي تدل على وعيه بحياة المساكين والغرباء على أرضهم وأرض أجدادهم.
حين نفي من طرف السلطات الفرنسية اليمينية حل كامو بباريس فترة قصيرة قبل اجتياحها من طرف الألمان. أحس بالغربة في المكان الذي اعتقده بلاده فكتب قائلا: "لقد ماتت باريس. الخطر محدق في كل مكان. تذهب لبيتك في انتظار صفارات الإنذار أو غيرها. مرارا يتم توقيفي في الشارع و السؤال عن هويتي: يا للمناخ الساحر".
هذه السخرية من الواقع لم تكن لتليق بكاتب يقال أنه إنساني. كيف لم يحس بما كان يعيشه الجزائريون لعقود طويلة في "المناخ" الاستعماري قبل أن يراه لمدة قصيرة في شوارع باريس؟
مواقفه من الجزائريين
هذه شهادة مختص في موضوع الإستشراق، رجل محترم لا تخطئ أدواته التحليلية أبدا. الراحل ادوارد سعيد يرى أن كامو كان معارضا عنيدا لاستقلال الجزائر وأنه كان يعتبر المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر شيئا لا يمكن زحزحته.
في 2010 مرت 50 سنة على رحيل كامو وتعجب بعض المغرضين على مرور الحدث من دون صراخ لكن الكل عرف بأن الجزائر لا تحتفل بمن نسي نضالها وأنكر على أبنائها نور الشمس. كاتب استعماري عمل كل ما في وسعه كي يمدح السيطرة الفرنسية. مواقفه الغريبة والضمنية تنعكس في مواقف الأوروبيين منه ومن كتاباته بحيث يحاولون تقديمه ككاتب عالمي يتعامل مع المسائل الإنسانية عموما وينشغل بالألم البشري ويطرح الأسئلة الجريئة حول الوجودية. كتاباته الصحفية بينت بشكل دقيق اهتمامه اليومي بمعاناة الجزائريين لكن روايته "الغريب" تتضمن الدلائل الكافية على أنه مهما تحدث عن البعد الوجودي ومهما كانت أهمية كتاباته فإن جزائر كامو تضم ذاك المواطن الجزائري الذي يبقى دوما هو "الغريب".
بعد نشر كتابه "المتمرد" سنة 1951 رد فرانسيس جونسون عليه بنقد لاذع نشر في مجلة "طون موديرن" التي كان يرأسها سارتر. انتقد كامو سارتر بشدة و ثار بينهما خلاف انتهت على إثره صداقة كامو مع سارتر الذي و قف مع ثوار العالم ضد الدكتاتورية. سارتر على النقيض من كامو. لا وجه للمقارنة.
لم تتنبأ كتابات كامو بالثورة أي أن الرجل كان مسكونا بالنوستالجيا، بالحنين إلى عالم هادئ يعيش فيه أهل "الأقدام السوداء" كأسياد في الجزائر في حين يبقى الجزائري عبدا إلى الأبد. فرح بدخوله الجامعة ودخوله دوائر المثقفين الفرنسيين وأراد أن يكون واحدا منهم. ذاك اختياره. حين اندلعت الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر 1954 لم يستطع كامو أن ينخرط في صفوف النضال أو حتى يساند القضية، قضية وجودية، إنسانية ما فتئ يشير إلى مثيلاتها في كتاباته الصحفية. كان ذلك هو المحك الحقيقي لكامو. بقدر ما انتقد السياسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر بقدر ما وقف بعيدا عن مساندة استقلال الجزائر بدعوى أن الأدوات التي تستعملها جبهة التحرير الوطني كانت أدوات عنيفة و قال أنه لا يمكن أن يساند فكرة الحصول على الحرية بالعنف.
ساند كثيرا السياسات الفرنسية وخاصة حكومة مانديس فرانس التي كانت تدعي محاولة تحسين وضعية الجزائريين "الأهالي" الذين لا يملكون الحقوق أبدا ولم يتمتعوا بذرة من الحرية أو الكرامة. حين انهارت هذه الحكومة سنة 1955 انهار معها كامو والطريق الثالث الذي كان يسانده. التحق بمجلة "ليكسبريس" التي كانت تدافع عن مواقف منديس فرانس و كتب العديد من المقالات التي عبرت عن ذلك. في سنة 1956 عاد كامو إلى الجزائر و ألقى خطابا مقترحا على الطرفين المتصارعين هدنة ومصالحة بناء على سياسة "الإصلاح". رأى الجزائريون الذين تحدث إليهم بأنه ساذج للغاية بسبب عدم استيعابه للواقع الجزائري و للأحداث الأليمة التي يتكبدها المواطنون الجزائريون وخاصة عمليات التعذيب المبرمجة والمهيكلة من قبل السلطات الاستعمارية. أما الجانب الآخر (الذي لا يعنينا هنا) هو موقف "الأقدام السوداء" الذي رأى في كامو "خائنا" لقضيتهم حتى أن البعض راح ينادى بتصفيته الجسدية.
لم يكن كامو يحبذ استقلال الجزائر بل كان يقترح نظاما فيدراليا تندمج فيه كل الأقليات والتيارات بحرية متناسيا أن الجزائريين الذين عانوا لمدة أكثر من قرن من شتى أنواع العذاب والتنكيل والإقصاء جراء القوانين الجائرة واللاإنسانية التي سلبتهم أرضهم ومجدهم وجردتهم من لغتهم وهويتهم التاريخية لن يرضوا بأقل من الاستقلال ورحيل الهمجية الاستعمارية. رأى كامو أن مواقفه لم تكن مجدية فراح يهتم بالثورة المَجَرية وبتقديم المسرحيات والكتابة عن معارضة حكم الإعدام. قال أيضا مبررا صمته عن ثورة الجزائر أنه لم يكن مخلوقا سياسيا وأنه ليس على استعداد تقبل فكرة قتل المنافس.
دون تعليق.
نوبل التي لا نبل لها
في سنة 1957 تحصل كامو على جائزة نوبل وكان يعلم أن ذلك لأسباب سياسية. يرى هو ذاته أنه لم يكن ديغوليا على غرار أندري مالرو ولا شيوعيا مثل الكثير من مثقفي المرحلة ثم أن سنه لم تكن بالقدر الكافي الذي يمنحه فرصة ليحتفى به وبمجمل أعماله. قبل الجائزة (التي رفضها سارتر سنة 1964) و قال في خطابه أمام الضيوف بأن الكاتب عوض أن يساند "من يصنعون التاريخ" عليه أن يقف مع أولئك الذين هم موضوعا للتاريخ". الحادثة التي وقعت أثناء تلك الجلسة تجيب على أسئلة الجزائريين اليوم عن موقف كامو من بلادهم و مواطنيهم و عليهم أن يتذكروها في حالة كامو وغيره من الخونة (يبدو المصطلح قويا بعض الشيء لكن قضايا الشعوب أهم من مراكز الأشخاص وأحاسيسهم وصورهم التي يتم تسويقها في الجرائد التافهة و المجلات الكاذبة). حين واجهه أحد المواطنين الوطنيين الجزائريين وسأله عن عدم مساندته لجبهة التحرير الوطني رد كامو بجملة لا تحتمل التأويل قائلا أنه إذا ما خيِّر بين الدفاع عن العدالة و بين الدفاع عن أمه سيختار الدفاع عن أمه.
لمن يشكك في المقولة فكلمة "الأم" هنا تعني فرنسا. لم ير البعض في هذا التصريح بعدا استعماريا بل طعموه ببعض الإنسانية باعتبار أنه لم يقصد إيذاء الجزائريين بل كان يريد القول أن أي مفهوم للعدالة التي تبرر اللجوء إلى عمل إرهابي يودي بأمه هو ليس من العدالة في شيء. أرى أن اللغة الفرنسية في هته اللحظة لا تحتمل الكثير من التأويل وخاصة في الوقت الذي كان الجزائريون يسقطون تحت الرصاص في المداشر والدواوير ويركض بعضهم تحت سيول المطر ليلا ويبيت في المغاور والكهوف مداعبا حلم الحرية، يحصل "كاتب" يقول أنه "جزائريا" على جائزة نوبل ويقول هذا الكلام. لم يكن "جزائريا" أبدا بالمعنى الوجودي للكلمة، أي بلغة التيار الذي كان ينتمي إليه هو ذاته مع سارتر والمدافعين عن حرية الشعوب المقهورة.
رد كامو على جبهة التحرير الوطني
ليس أجمل من استعمال كلام الرجل للتدليل على مواقفه. في كتابه (Actuelles III : Chroniques algériennes, 1939-1958. Paris : Gallimard, 1958) صفحات 199-206. يقول:
"إذا ما كان موقف العرب كما هو مقدم اليوم شرعيا فإن الجزائر كان يمكن أن تتمتع اليوم باستقلال ذاتي و بدعم من طرف الرأي العام الفرنسي لكن موقف العرب متناقض و ضبابي و هذا ما يفسر الضبابية التي تعتري سياسيات حكوماتنا و يشرح غموض رد الفعل الفرنسي و الشكوك التي تلفه".
الكثير من الشعوب الضعيفة و القوية سيان، و الكثير من المثقفين في العالم ساندوا القضية الجزائرية بسبب عدالتها و بعدها الإنساني أما كامو فكان يستعمل نفس الحيل و الدرائع السياسية التي تخلق متاهات تاريخية لا يخطئ في تعرجاتها سوى الأغبياء. أراد أن يكون خارج التاريخ فطرده التاريخ بكل بساطة. يواصل استعمال لغة السياسيين قائلا:
"ما هو الشرعي في المطلب العربي (يقصد الجزائري)؟ إنه مطلب صواب و كل الفرنسيين يعرفون ذلك لأنه يرفض الإستعمار و تجاوزاته، ينتقد سياسة الإدماج التي لم تتحقق ابدا، غياب العدالة في تقسيم الأراضي إضافة إلى الآلام النفسية التي تخلق عقدة التحقير التي هي لب هذه الدراما".الواضح أن الرجل لم يكن لينفي الفظاعات التي تقوم بها فرنسا لأن ذلك موجود في التقارير الرسمية و أصبح يناقش علنا من طرف المواطنين الفرنسيين النزهاء و المثقفين الذين لم يكونوا راغبين في الحصول على جائزة نوبل. "ما هو الشيء غير الشرعي في المطلب العربي؟ حب استعادة حياة حرة كريمة و غياب الثقة التامة في أي حل سياسي تضمنه فرنسا و كذا الصفة الرومنسية التي تطبع الكثير من الثوار الشباب الذين تنقصهم الثقافة السياسية و ذاك ما أدى ببعض المقاتلين و قادتهم العسكريين للمطالبة بالإستقلال الوطني. مهما تعاطفنا مع هذا المطلب فعلى الواحد منا الإعتراف بأن مسألة استقلال الجزائر هي مسألة عاطفية محضة. لم يوجد ابدا ما يسمى بالأمة الجزائرية و لكل من اليهود و الأتراك و اليونانيين و الإيطاليين و البربر الحق في المطالبة بجزء من حكم هذه الأمة الإفتراضية. ليس العرب وحدهم من يشكلون الجزائر لأن الوجود الفرنسي التاريخي في هذه البلاد يكفي لطرح مشكلة لا مثيل لها في التاريخ. لقد غدا الفرنسيون هم أنفسهم جزء من السكان الأصليين. يجب القول أيضا أن الجزائر إذا ما كانت عربية فقط لن تمتلك الإستقلال الإقتصادي الذي يمنح للإستقلال السياسي معناه".
القارئ المتواضع للتاريخ يعلم أن الكثير من الكتب التي نشرت في القرن التاسع عشر من قبل الإدارة الفرنسية و جملة من دارسي الأنثروبولوجيا و الحروب أن للجزائر مكانتها في التاريخ البشري و أنه لا يمكن اليوم الحديث عن الإمبراطورية الرومانية التي هي لب التاريخ الأوروبي دون الحديث عن الحروب البونية و الإمبراطورية النوميدية. ألم يطلع كامو آنذاك على هذه الكتب أم كان مهوسا بالموقف الإستعلائي للإستعمار و الدفاع عنه؟ كان اختياره واضحا.
"يستطيع العرب المناداة بانتماء روحي ليس إلى أمة بل إلى إمبراطورية إسلامية روحية أو زمنية. إن هذه اإمبراطورية موجودة روحيا لكنها على غرار الإمبراطورية المسيحية لا يمكن لها أن تنادي بالدخول في البعد الزمني. حتى هذه اللحظة لا يوجد تاريخيا شيء اسمه الإمبراطورية العربية ما عدا في كتابات عبد الناصر و لا يمكن أن يتحقق مستقبلا سوى بحرب عالمية ثالثة. يجب النظر جزئيا إلى المناداة باستقلال الجزائر كواحدة من تجسيدات هذه الإمبريالية العربية الجديدة التي تقودها مصر مضخمة قوتها و التي تستغلها اليوم روسيا في استراتيجيتها المعادية للغرب. رغم أن هذا المطلب غير واقعي إلا أن استعمالاته الإستراتيجية كبيرة... إن سعادة و حرية العرب لا علاقة لها بهذه المسألة لأن روسيا تستعمل هذه الأحلام الإمبراطورية لخدمة مخططاتها (و هذا يصدق اليوم على الغرب، كأن التاريخ يعيد نفسه). الكثير من الأبعاد المرفوضة للتمرد العربي تعود إلى هذه المطالب الإمبراطورية و منها قتل المدنيين العرب و الفرنسيين دون تمييز فقط لأنهم فرنسيون أو أصدقاء للفرنسيين".
لقد حاول كامو الزج بالقضية الجزائرية في متاهات الحرب الباردة و كأن كل أحداث العالم يمكن تفسيرها بالصراع بين الشرق و الغرب. لقد حاول تصفية حساباته مع الثورة الجزائرية بقصف الشيوعية الروسية، حكاية العصفورين بحجر واحد في الوقت الذي أتبتت هذه المنهجية منذ مدة فشلها مما أدى بأمريكا إلى تغيير استراتجيتها العسكرية و حتى أنواع الأسلحة التي تستعملها في قتل الشعوب. لم تجد أمريكا في الفيتنام جيشا روسيا مدججا بل واجهت رجال هوشي منه البواسل الذين طردوا المارينز أشد طردة. الجزائر لم تكن قطرة في محيط العلاقات الدولية بل كانت قضية مستقلة، قضية لها تداعياتها، قضية فرضت نفسها على الأجندة السياسية للأمم المتحدة. كان كامو أعمى عن هموم الجزائريين و تطلعاتهم و كان همه الدفاع عن صورة فرنسا و الحضارة الغربية. لقد إختار و ذاك من حقه.
"إن الخطأ ينبع من غموض سياسة الحكومة الفرنسية التي لم تتكلم لغة واضحة منذ بداية الأحداث و ذاك ما زرع الشكوك و دعم صفوف التطرف في الجانبين".
يساوي كامو بين الأهالي و المعمرين في الدفاع عن قضيتهم و لم يمتلك الحس الفني و لا السياسي كي يدرك أن الإستماتة في النزاع تنبع من المعاناة التاريخية و من الألم الساكن في الروح قبل الجسد.
أما الحل الذي يقترحه كامو فهو التالي:
"على الإدارة الفرنسية أن تعلن صراحة استعدادها بتخليص العرب الجزائريين من الحكم الإستعماري مع عدم تنازلها عن أي حق من حقوق فرنسيي الجزائر و عليها أن ترفض خدمة حلم الإمبراطورية العربية الذي يكون على حسابها و على حساب الشعب الأوروبي في الجزائر و على حساب السلم العالمي".
استقلال الجزائر في عرف كامو كان سيهدد السلم العالمي و لم يكن ذلك السلم سوى تخليه عن نوستالجيا الطفولة. كان بإمكانه أن يرى أبعد من أنفه و أكبر من جائزة نوبل.
هذه ليست خاتمة الكلام
كل ما قرأت اليوم اسم كامو إلا وتذكرت تلك الحادثة التي وقعت لي بمدينة باريس مع أحد الأقدام السوداء في جلسة فنية أراد لها منحى آخر. راح يذكر الجزائريين بسوء و يقول أنهم أرغموه وعائلته على مغادرة الجزائر بحقيبة واحدة فرددت عليه بجملة أسكتت وقاحته: "لو كنتُ هناك لما تركتك تأخذ الحقيبة لأنها ملك للجزائريين". ما أشبه كامو عندي بهذا الوقح.
كان مرض السل ينخر كامو وكاد يقعده لمرات عديدة. لو فهم الوجودية لعرف أن السل مرض الفقراء وأنه عانى مع أسرته رغم انتمائه إلى فئة "الأقدام السوداء" ويعرف أن حالة الجزائريين كانت أمرّ بكثير. دعم كامو الإيديولوجية اللبرالية التي تمقت الدم و العنف لكن في حالة الجزائر كان ذلك بمثابة الخروج من التاريخ. للأسف ساند كامو مشروع "الجزائر فرنسية" معتقدا أن أي انتصار لحزب جبهة التحرير الوطني يعني المزيد من الآلام و المآسي (هذا ما كانت تقوله تاتشر عن السود في جنوب إفريقيا مساندة لنظام التمييز العنصري) ووقف مع القوي ظنا منه أنه سيستلهم قوته لكن الضعفاء آنذاك أصبحوا اليوم أسياد مصيرهم وتحصلوا على استقلالهم، أهالي البارحة هم أحرار اليوم الذين تعلموا في مدارس الجزائر الحرة المستقلة أن التاريخ لا يرحم. من حقنا أن نقول للمحسن أحسنت. سارتر الذي كان دوما مستعدا للسير و لو لوحده متظاهرا في شوارع باريس و مساندا استقلال الجزائر. وتلك حكاية أخرى. عبد السلام يخلف / جامعة قسنطينة
Tags: الذرعان images السكن الطارف مشروع stories
أحدث المقالات
* في حوار مع السيد احمد معبد والي الطارف : والي الطارف يطلق كل المشاريع القديمة و الجديدة و يعد بافاق تنموية شاملة - (الإنشاء: 2011-09-20 10:27:19)
:: Joomlana ::
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
0 Response(s)
Name


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.