بعيدا عن التهريج العربي!! ما حدث ويحدث في غزة يعبر صراحة عن جبن عربي لا مثيل له في التاريخ الإنساني، ذلك أن الغارات الاسرائيلية الرافضة للتوقف أصبحت مع ذل الحكام وهوانهم قدرا ونتيجة محتومة لما نعرفه من ذل على مستوى كل البلدان العربية والاسلامية، حيث يعربد الحكام بالشعوب كيفما شاؤوا غير مبالين بإحساس هذه الشعوب والادهى والأمر أنهم يعتبرونها قطيعا من الغنم يسوقونها بالطريقة التي يودون دون أن تكون لهذه الأخيرة أية مقاومة تذكر، فلو تمعنا في الذي حدث في السابق وما يحدث حاليا وما سيحدث على يد الجلاد الاسرائيلي من تقتيل ودمار وتنكيل في حق مقدساتنا وابريائنا من نساء وأطفال لوصلنا إلى جملة من النتائج التي للأسف نعتبرها تحصيل حاصل لما قمنا ونقوم به من مباركة وتزكية لهذه الأنظمة الفاشلة، حيث نلاحظ أن النخب أو الزمر الحاكمة في بلادنا العربية موجودة بقوة القمع والاضطرار والقسر وليس القبول والرضا الذي يمر حتما عبر الطرق الشرعية الانتخابية كأي بلدان تحترم نفسها وترتضي الخير لشعوبها. ان اسرائيل تعرف جيدا بأن الشعوب العربية والاسلامية غير قادرة وعاجزة على فعل أي شيء يربك الأعداء، لأنها باختصار ارتضت لنفسها الهوان وقبلت بالوضع القائم وكأنه قدرها الذي لا تستطيع أن تفارقه، ثم أن العودة إلى الاوضاع الداخلية في البلاد العربية تقدم لنا العديد من الأدلة التي تثبت لنا بأن التغيير باتجاه موقف هذه الشعوب يكاد يدخل في عالم المستحيلات. فالكل الآن ينتظر أن تكون ردة الفعل قوية تجاه ما حدث ويحدث بغزة ولكن الواقع يؤكد غير ذلك، حيث أن المواطن العربي الذي يرى يوميا ظلم أنظمته ومع ذلك لا يحرك ساكنا بل بالعكس فهو يبارك كل شيء، فالحكام داسوا على كرامته داخليا، ويتصرفون وفق أهوائهم بكرامته خارجيا، فلنبحث في احترام حقوق الإنسان على المستوى العربي، وهل هناك فعلا احترام لهذا الإنسان، اذن فالقضية متعدية على كل حال، بحيث أن الذي يفشل أن يدافع عن شرف وطنه الضيق، كيف له أن يتمكن من الدفاع عن وطن أكبر يحتاج إلى قدرة ومقدرة في الدفاع والاستماتة، فالشعوب العربية تخاف فعلا من اسرائيل وهذا الخوف ربته لها آنظمتها فهي مرتبطة بالبطش والقوة والطغيان وهي نفس القيم السائدة داخل هذه البلدان وايضا في نوعية المعاملة الموجودة بين الحكام والرعايا. ان ما نشهده اليوم من مظاهرات وتنديدات واحتجاجات صادرة من نفوس مضطهدة، وعقول ضاقت بها السبل، ولا تعبر في الحقيقة الا عن تهريج سخيف لا يفيد ولا ينفع في شيء فالوعي قد يتشكل بعضا من الأحيان بالحماس، لكن هذه الأخيرة غير قادرة على تأصيل قيم الوعي الحقيقية من تضحية وقدرة على مجابهة التحديات مهما كانت، إذن فإن خروج الجزائريين والمصريين والسوريين إلى الشوارع لا يعبر الا عن مشهد غير لائق بشعوب لديها تاريخ كبير وناصع في الجهاد والمقاومة وكيف تتغير الأحوال، وتقبل بدور سلبي لا يقدم إلا المهازل والمسخرة، وهي مشاهدة تدل على أن عمل النخب الفكرية السياسية والاعلامية قد فشل باتجاه تنمية وعي سياسي حقيقي عكس ما هو موجود عليه في دولة الاحتلال، حيث أن الناس هناك جد مقتنعين بجدوى العنف كآلية توظف من قبل دولتهم للحصول على المكاسب التي يريدون، حيث رغم وجود العديد من الأصوات التي تنادي بضرورة احترام حقوق الإنسان في المناطق المحتلة، إلا أن تبرير فكرة الدفاع عن النفس، تجدد دائما صداها بل تصبح من الحجة التي تستطيع اسرائيل بواسطتها أن تتأسى وفق أية استراتيجية عدوانية تريد وهذا معناه أن الفكر الاسرائيلي قد نجح صراحة في تلقين الدرس الصحيح لشعبه وبالتالي فقد أصبحت المجازر والاغتيالات لا تعني الشيء الكثير بل بالعكس تصبح مشاهد مألوفة يتسلون بها وكأن النفس البشرية العربية تحولت إلى لا شيء في التصور الصهيوني المتطرف. ان انسحاب الشعوب العربية من معركة تقرير المصير على المستوى الداخلي هو السبب الذي جعل هذه الشعوب نفسها عاجزة اليوم عن الدفاع عن مقدساتها، فالفضاء الاعلامي العربي اليوم موبوء بالمشاهد غير الواعية والدافعة الى التقزز والاشمئزاز وهي نفسها تساهم في زيادة قلة الوعي بفضل ما تنشره من أفكار وقيم سطحية لا تزيد الا في تراجع قدرتنا على قبول التضحية من أجل قضايانا العادلة، وحتى ما أصبح يطلق عليها بالقنوات الاجبارية ومراكز بحث لا تتعاطى مع فكرة الوعي الا في جوانبها الهامشية، بينما يبقى الجوهر بعيدا عن نيل مكانه في التحليل والاخبار بمعنى أن وسائل الاعلام العربية والتي كان من المفروض أن تساعد على رفع وعي الفرد العربي من خلال حثه على التمسك بحقوقه الوطنية، وضرورة أن لا يقبل التصرف في حقه ورؤيته لأوضاعه الداخلية، ومن ثم ينمو بداخله كيان قوي مستميت قادر على العطاء وقت الأزمة، اذن فهذه الوسائل فضلت أن تشغله بقضايا أخرى بعيدة عن تشكيل الوعي القادر على رفع التحديات ثم أن المادة المعروضة تأتي عادة فارغة من كل محتوى بنائي فالفرد يظل يتعاطى مع ما يعرض عليه سواء كمادة بصرية أو مسموعة أو مكتوبة بشكل استهلاكي بحت، أي لا يتعدى لحظة التأثر العادية ولكنها بمجرد أن تذهب يذهب معها هذا التأثر وتعود الأمور إلى عادتها السابقة وهذا ينبغي أن نشير الى أن المواطن العربي يفضل دائما أن يكون في موقع الضحية بفضل ما يجنيه من مكاسب في هذا المجال حيث أن الضحية تكون دائما في موقع المساندة وتجد دائما من يبرر لها فعلاتها، وبالتالي تكون هذه الشعوب قد تخلصت من عقدة محاسبة الضمير لها، لأنها حسب هذا الطرح ليست مسؤولة، بل هي رهينة في يد النظام الذي لا يريد ان يتركها تتحرك بالشكل الذي يجب والغريب في الأمر أن هذا التصور هو المنطق الذي أصبح سائدا، وهو أحد الأسباب الأساسية للتعثر الذي نشاهده، يموت الناس بالآلاف في غزة وغير غزة، والشعوب العربية ليس لها الا التظاهر وهذا الاخير للأسف لم يصبح متوفرا لكل الشعوب، حيث ارتأى بعض من الأنظمة أن لا تعطي لشعوبها مثل هذا الحق، وذلك بالنظر للأوضاع الأمنية المرتكبة التي تعيشها اذن وبعد ذلك ماذا بقي لهذه الشعوب من كرامة فهي مع سبق الاصرار والترصد مغتصبة اغتصابا شنيعا، وبكرتها فضت بفعل الحاكم العربي المستبد واذا ما أرادت أن تستعيد كرامتها وعذريتها، فعليها أولا أن تنتفض ضد هذه الأنظمة الفاسقة، وتؤسس لنظم ديمقراطية تكون فيها الكلمة للشعب الذي يتحول إلى المصدر الأساسي للسلطة، عندها لن يجرأ أحد على مس شعرة واحدة من رؤوس أحرارنا.