سؤال حير كل إنسان حر وأصيل يملك روح الشهامة والرجولة في هذا العصر، لماذا عقلية العرب عبر التاريخ منتظمة بكيفية غريبة لا تشابه عقلية الأجناس الأخرى في كل شيء؟ فكل الأمم تقرأ تاريخها وتستوعب الدروس وتحفظها، فعندما تلدغ من جحر مرة لا تلدغ مرة أخرى. لكن هذا الأمر قد ينطبق على أمم غير (الأمة العربية). لأن ما نشاهده دوريا ويوميا عند مسؤولي الدول العربية في تعاملهم مع الغرب الاستعماري نشعر وكأنهم كالعبيد لهم حيث تعبث بهم أمريكا وإسرائيل وغيرها من الدول كما تشاء و لا يصدر عنهم موقف مشرف ورجولي يناسب مستوى المعاملة التي يعاملون بها. وكأنهم مسؤولون لا يفهمون وجبناء وليست لهم الإرادة الرجولية، راضون بالذل والهوان إلى درجة أنهم لا يستطيعون قول الحقائق في وجه هذا الغرب المتطرف اللاإنساني والتنديد بجرائمه بشكل صريح وواضح وبكلمات مؤثرة وعبرة، كما يفعل الحكام والمسؤولين في الدول الأخرى الحرة غير العربية (الفرس والأتراك وفنزويلا مثلا).و إلا كيف نفسر الواقع المرير والمهين الذي تعيشه الدول العربية في زماننا هذا؟ غرب استعماري يسن قوانين لتمجيد تاريخه الإرهابي و الدفاع عن جرائمه وعرب يخافون حتى من التفكير في طلب الاعتذار والتعويض والمحاكمة: أليس من الغباء والجبن أن نرى الدول الاستعمارية تسن قوانين تمجد تاريخها وتصوره على أنه نشر للحضارة وتجرم كل من يعارضها، كما تسن قوانين تحرم مناقشة حقائق تاريخية وتجرم من يحاول حتى التشكيك فيها أو البحث عن حقائق تاريخية جديدة حولها (إرهاب فكري بامتياز)مثلما يحدث مع المحرقة اليهودية والإبادة الأرمينية التي حاولوا إلصاقها بالعثمانيين لكونهم مسلمين. في المقابل نجد دولا عربية قاست ويلات الاستعمار وذاقت مرارته وهوانه ومازالت ممارساته الاذلالية و انعكاساته إلى يومنا الحالي تستحي في أن تجرمه وتتابعه قضائيا وتخاف حتى من أن تطلب منه الاعتذار والتعويض كما فٌعل بالنازيين الذين توبعوا وحوكموا وأعدموا بلا شفقة ولا تسامح ولا رحمة. فيقدم حكام العرب ومسؤوليه في هذا الشأن تبريرات مختلفة ظاهرها مصالح سياسية واقتصادية وروح التسامح والاعتدال، لكن باطنها جبن فكري وعقائدي وضعف نفسي. وكأن الضحية أصبح أكثر تحضرا من المجرم المتطرف وغير المتسامح حتى مع بني جنسه في قضايا الخيانة كما فعلت فرنسا مع المتعاونين مع النازيين. يعني وكأن العرب ينتظرون من المجرم المتطرف أن يعطيهم شهادة براءة التسامح و الاعتدال معه. والغريب في الأمر عندما نحلل الوقائع اليومية لهذا العصر والتاريخية، نتساءل لماذا لا يتسامح الغرب مع مظاهر ثقافتنا العربية الإسلامية سواء في قضية المرأة أو الحجاب أو النقاب أو أضحية العيد ولا يقبل الاختلاف الفكري والسياسي يضغط علينا لنتخلى عن قيمتها وقناعاتنا وتصوراتنا، بل أكثر من ذلك يلصق تهمة الإرهاب والتطرف على كل من يخالفه ويدافع على هويته وخصوصيته الثقافية ويسن قوانين لذلك من الشعوب والجماعات، أو يدافع عن جوده وتميزه وكرامته وحقوقه الطبيعية التي أسس لها هذا الغرب نفسه قوانين دولية تحت اسم حقوق الإنسان؟ فما الفرق بين ما فعله الطالبان في أفغانستان بفرض البرقع على النساء وما فعلته فرنسا بمنعه على النساء؟. كما أنه يريد منا أن نتبنى ثقافته وقيمه ومبادئه ونستسلم له ليفعل بنا ما يشاء ولا نحتج عليه ولا نعاتبه أو نعارضه حتى يقبل بنا وبالتالي يعطينا وسام التسامح معه وفي نفس الوقت يشفع عنا بالإقامة أو التأشيرة للدخول إلى ترابه والعيش معه. مظاهر تطرف الغرب الاستعماري وإجرامه الدولي و تواطؤ حكام العرب معه : ولماذا يشدد الغرب كل الإجراءات ضدنا حفاظا على مصالحه الاقتصادية والسياسية ويضغط علينا لتكون بلداننا وكالات بلا بواب و سوق مفتوحة بلا ضوابط و ويمنع نفس الدول بالضغط والتهديد من أن تتخذ إجراءات سيادية مماثلة و يجد من العرب من يرضخ ويستسلم له ؟ ولماذا يضع الغرب الاستعماري لنفسه حق التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت عناوين حقوق الإنسان، الحريات الفردية، حقوق الأقليات والحريات الدينية ويمنع على دول أخرى أن تبدي مواقف أو ملاحظات حول شؤون تلك الدول أو يعلق على تصرفاتها، بل يختلق لها تهما مختلفة ثم نجد من العرب من يسايره في منطقه ويدافع على طرح هذا المجرم الجلاد بحماسة أكثر؟ مثلما يحدث مع إيران التي تتعامل مع الغرب بمنطق الند للند وتدافع على مصالحها وتفضح سياسات هذه الدول. فهذا الغرب الذي يدعي التسامح وحرية التعبير وإبداء الرأي وحرية النقد لا يستطيع حتى أن يصبر على سماع انتقادات موضوعية ضد تصرفاته مثلما حدث في هيئة الأممالمتحدة عند خروجه من متابعة خطاب رئيس إيران عندما كان يعري سياسات الغرب الاستعماري وتناقضاته وازدواجية معاييره في التعامل مع مختلف القضايا الدولية. و في نفس الوقت نجد هذه الدول تلفق لهذه الدولة النامية والمنافسة لمصالح الغرب كل الاتهامات. فمن هو المتطرف هنا؟ أي أن الغرب لا يرضى إلا بالمبجلين له والمنبطحين والمستسلمين لقراراته وإرادته. و لماذا تمول الدول الغربية بالمال والسلاح جماعات معارضة في دول مستقلة وذات سيادة وتنظم انقلابات عسكرية تمارس الإبادة الجماعية مثلما يحدث في(العراق،أفغانستان،الصومال،السودان، رواندا، فنزويلا ،باناما .....وغيرها) و في نفس الوقت يصنف جماعات أخرى في دول تحت الاحتلال والعدوان تمارس حقها الطبيعي في الدفاع عن حقها المشروع الذي يكفله القانون الدولي و الإنساني بأنها جماعات إرهابية وتحاصرها إعلاميا وامنيا واقتصاديا وإعلاميا ويسير في فلكها ويتواطأ معها الحكام العرب بالرغم من أنها المعنية بالدفاع عن شرف وكرمة شعوبها مثلما حدث في فلسطين مع حركات المقاومة ولبنان والعراق وأفغانستان التي دمرت واحتلت بتعاون مباشر وغير مباشر للعرب وأمواله ويمنع هذا المال على الفلسطينيين في غزة. ولماذا مثلا فرنسا،اسبانيا وأنجلترا وأمريكا تمنع الحركات الانفصالية بالقوة والنار والتدمير في دولها ولا تكتفي بتدعيم حركات مشابهة في دول أخرى بل تصف من يحاربها ويقمعها في هذه الدول بأنها تقمع الحريات، وتمارس عليها الابتزاز السياسي؟ و لماذا عندما تقتل القوات الغربيةالأمريكية والفرنسية والاسرائلية و الأنجليزية المدنيين والصحفيين و أعوان الإغاثة في العراق وأفغانستانوفلسطين ولبنان ورواندا والتي تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية والتي شاهدها كل العالم عبر شاشات التلفزيون في المباشر يبررها الغرب الاستعماري تارة بأنها أخطاء تنفيذية وتارة بحق الدفاع عن النفس وتارة بأن هؤلاء يأوون إرهابيين وتارة بعناوين جديدة مكيفة حسب طبيعة الجريمة ومن ارتكبها فتمر الأحداث دون محاسبة ولا عقاب. وفي نفس الوقت نجد من الحكام العرب من يتجاوزها ويسكت عنها بل يبررها بنفس المصطلحات والعناوين ويمنع من إثارتها والتشهير بها إعلاميا بدعاوي دبلوماسية وسياسية تدل على مستوى الانهزام النفسي والانحطاط والذل الذي وصل إليه واقعنا العربي؟ وفي المقابل عندما يموت مواطن غربي واحد أو يحتجز أو يرهن من قبل المقاومة الفلسطينية واللبنانية أو العراقية نجد كل العالم يتحرك وكل الهيئات الدولية الرسمية وغير الرسمية تندد وتصدر قوانين وقرارات وتشن غارات عسكرية يعاقب فيها الجميع بالإبادة والتدمير والحصار الاقتصادي والدبلوماسي وغيرها من الإجراءات. وكأن الإنسان الغربي الوحيد الذي يحق له العيش بكرامة وعزة . فالمجرم الغربي يدافع عن جريمته ويبرر جرائم غيره بامتياز، ولا أحد يجرؤ على محاسبته ومتابعته، مادامت الهيئة الأممية من صنع غربي لتبرير سياساته العدوانية والإجرامية وقوانينه لا تطبق إلا على الدول المستعمرة والمستضعفة والتي تخالفها أو تنافسها أو تريد أن فرض وجودها واستقلاليتها علميا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا لأنها أمور تزعجه و تضعف هيمنته. أمريكا تبرمج عقول العرب كما تشاء: إن منطق الاستعمار الجديد تطور بتطور الوسائل التكنولوجية حيث أصبح التحكم في دول عن طريق البرمجة اللغوية العصبية أحسن بكثير من الوجود الفعلي فيها. وعلى هذا الأساس نلاحظ أن المسؤولين العرب يتكلمون بالمفاهيم والمصطلحات التي يبرمجها لهم الأمريكيون و الاسرائيليون والغربيون و منعوا عنهم استعمال مفاهيم المقاومة والجهاد وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية في إطار عملية غسيل الدماغFormatage لعقولهم، بدليل أنهم أصبحوا يرون العدو صديقا والصديق عدوا ومصالح العرب هي ما تراه وتقرره هذه الدول. فإيران في المنطق الأمريكي المتبني من قبل العرب تشكل خطرا على امن العرب أما وجود أمريكا في منطقة الخليج عسكريا واقتصاديا أمرا يعزز امن العرب، كما أن إسرائيل صديقة العرب وجودها شرعي تاريخيا أكثر من شرعية وجود إيران المسلمة بين العرب جغرافيا وتاريخيا وحضاريا.كما أن دفاع إيران عن مصالحها الاستراتيجية والحيوية الاقتصادية والسياسية والثقافية أمام الاحتلال الأمريكي والنفوذ الاسرائيلي والغربي في منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط، برمجته الدول الغربية إعلاميا ودبلوماسيا للعرب على أنه توسع للنفوذ الفارسي والشيعي على حساب السنة. وتحرك تركيا لإحداث التوازن الاستراتيجي لصالح قضايا المسلمين وإثبات وجودها والحفاظ على مصالحها أمام الهيمنة الغربية برمج كذلك للعرب على أنه إحياء للأمبراطورية العثمانية على حساب العروبة وكأن الأمبراطورية الأمريكية والتوسع الاسرائيلي والنفوذ الفرنسي والأنجليزي يخدم العروبة ويطورها أكثر. فأصبح العرب يعرقلون هاتين الدولتين في كل مساعيهما لرد الاعتبار للمسلمين بكل الوسائل تنفيذا لما هم مبرمجون عليه، حتى ينالون لقب الاعتدال و محبي السلام. منطق متناقض و غريب بين غرب استعماري متطرف يهوى و يغذي الحروب والعدوان على العرب و المسلمين ويبرر الإجرام، وعرب يحب السلام والاستسلام ويفرح بلقب الاعتدال. وأمريكا تصفع دوريا القضايا العربية بالفيتو ولا تعترف إلا بإسرائيل كصديقة تفعل ما تشاء والعرب يتبعون معها سياسة عدم الإزعاج والتفهم. فماذا بقي من كرامة للمسؤولين العرب الذين مازالوا يصدقون الروايات الغربية وسيناريوهاته ووعوده الكاذبة والمتكررة ويتواطئون معه في تنفيذ مخططاته وألاعيبه في القضية الفلسطينية و أسلحة الدمار الشامل العراقية والآن مع إيران والسودان ولبنان وغدا سيتواطئون ضد تركيا وغيرها من الدول التي تحترم نفسها وتحترم القيم الانسانية و تريد فرض وجودها والدفاع عن مصالحها أمام هيمنة غربية مذللة. [email protected] قسم علم النفس جامعة سطيف