د. محمد الهاشمي الحامدي يقال عن فلان من الناس أن لسانه حلو، والقصد من ذلك أن له موهبة التعامل مع الناس بالعبارة الجميلة المستحسنة التي يتقبلها مخاطبوه ببشاشة وانشراح صدر، ولا يأتيه منها إلا الرد الطيب والخير والتقدير. وقد عدت اليوم لكتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" وجمعت منه هذه الروايات الجميلة عن اللسان الحلو، أو ما يسميه مؤلف الكتاب الشيخ شهاب الدين أحمد الأبشيهي بالأجوبة المستحسنة. من هذه الروايات أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ذبحت شاة وتصدقت بها وأفضلت منها كتفا. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندك منها؟ فقالت ما بقي منها إلا كتف؟ فقال: بقيت كلها إلا كتفا. وفي رواية قالت السيدة عائشة: ذهبت كلها إلا ذراعها. فرد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: بقيت كلها إلا ذراعها. وقال عبد الله بن يحيى لأبي العيناء كيف الحال؟ قال أنت الحال فانظر كيف أنت لنا. فأمر له بمال جزيل وأحسن صلته. وكان عمرو بن سعد بن سالم في حرس المأمون ليلة فخرج المأمون يتفقد الحرس فقال لعمرو من أنت؟ قال: عمرو عمرك الله، بن سعد أسعدك الله، بن سالم سلمك الله. قال: أنت تلكؤنا الليلة. قال الله يلكؤك يا أمير المؤمنين وهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين فقال المأمون: ( إن أخا الهيجاء من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك ) ( ومن اذا رأيت الزمان صدعك ... شتت فيك شمله ليجمعك ) ادفعوا إليه أربعة آلاف دينار. قال عمرو: وددت لو أن الأبيات طالت. وقال المعتصم للفتح بن خاقان وهو صبي صغير أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص لفص كان في يده؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه. فأعجبه جوابه وأمر له بصلة وكسوة. وقيل أن رجلا سأل العباس رضي الله عنه أأنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله أكبر وأنا ولدت قبله. وقال معاوية لسعيد بن مرة الكندي أأنت سعيد؟ قال: أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرة. وقال المأمون للسيد بن أنس: أأنت السيد؟ قال: أمير المؤمنين السيد وأنا ابن أنس. وأختم بهذه الرواية: حكى أن الحجاج خرج يوما متنزها فلما فرغ من نزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل. فقال له: من أين أيها الشيخ؟ قال: من هذه القرية. قال: كيف ترون عمالكم؟ قال: شر عمال، يظلمون الناس ويستحلون أموالهم. قال: فكيف قولك في الحجاج؟ قال ذاك ما ولى العراق شر منه قبحه الله وقبح من استعمله. قال: أتعرف من أنا؟ قال: لا. قال: أنا الحجاج. قال: جعلت فداك، أو تعرف من أنا؟ قال: لا. قال: فلان بن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين!! فضحك الحجاج منه وأمر له بصلة!