بالطابق العلوي لمسكن عمي مبروك، الواقع ببلدية تيزي بشاربسطيف، كان نور الدين، 29 سنة، ينتقل من حجرة الى أخرى بحثا عن شيء مفقود، قد تكون قارورة غاز البوتان التي تربطه بها قصة حب طويلة يعود تاريخها إلى بداية الثمانينات أو الشمة المحلية التي يبتلع منها ما مقداره 500 غرام يوميا لتهدئة أعصابه المتوترة، يقول الوالد أن فلذة كبده كان قبل بلوغه ست سنوات ذكيا جدا وطليق اللسان، وكانت أمنيته كبيرة، وحدث وأن خرج من المنزل سنة 1981 ولما بحثت عنه فوجئت به بمرأب المنزل وهو يحتضن قارورة غاز البوتان ويرتشف بشغف محتواها، بعدها بأيام -يقول الوالد- تحول الإبن المدلل من طفل كثير الكلام طليق اللسان إلى أبكم من فرط إدمانه على استنشاق الغاز، وأصبح يبحث عن الغاز في كل مكان حتى ولو كلفه الأمر التوجه خفية إلى محطة نفطال القريبة من الحي لمداعبة القارورة. حكاية المشعوذ وطريقة احتياله يقول عمي مبروك، الذي كان يشتغل في قطاع البناء، أنه نقل ابنه الى العشرات من العيادات والمستشفيات ببجاية وسطيفوقسنطينة، و لما عجز الأطباء عن تشخيص حالة نور الدين، نصحه أحد معارفه بعرضه على مشعوذ ببلدية بوخضرة، ولاية تبسة، إلا أن مكيدة هذا الأخير سرعان ما تفطن لها الأب، موضحا أن هذا المشعوذ ذي الشهرة الوطنية يحتال على زواره عن طريق تجنيد معارفه لإبراز القدرات الخارقة للشيخ، كأن يدخل شخص أعمى إلى عيادة المشعوذ ويخرج منها دون سند أو مرافق وهكذا دواليك. عمي مبروك واصل رحلة البحث عن علاج لظاهرة فلذة كبده، خاصة وأن حالته قد ساءت، حيث تم الاتصال به من طرف إدارة مستشفى سطيف وحاول الأطباء بمصلحة طب الأطفال التكفل به ومنعه من تناول الغاز، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك، خاصة وأن حالة المصاب نور الدين قد هاجت إلى درجة أنه تسبب في جرح أحد المرضى وكسر سرير المستشفى. وفي اليوم الموالي نقل الى مستشفى قسنطينة للكشف عن الأسباب، إلا أن جهود المختصين لم تفلح أمام إصرار الإبن على تناول الغاز، الأمر الذي لم يستسغه "بروفيسور" المصلحة قبل أن يطلب من إحدى الممرضات إحضار قارورة الغاز من المطبخ، ويضيف عمي مبروك أن إبنه قد ارتمى على القارورة وابتلع جزءا منها، بعدها استقرت حالته العصبية أمام مرأى طاقم المصلحة بالمستشفى. من الغاز إلى الشمة يؤكد أشقاء نور الدين أن هذا الأخير قد تخلى عن عشقه وإدمانه على الغاز منذ سنة تقريبا، في ظل الرقابة الصارمة المفروضة على المطبخ الذي يفتح بالممفتاح ويغلق به، ليكتشف الأهل أن نور الدين عوض إدمانه هذا بتناول الشمة المحلية، والتي يبتلع منه ما مقداره 500 غ يوميا. ويعتقد الوالد أن التبغ قد أنسى ابنه عشقه للغاز، لكن في المقابل أكد له أطباء الأمراض الداخلية أن معدة نور الدين وأمعاءه في حالة صحية جيدة. إلى ذلك يقول شقيق نور الدين، وهو طالب جامعي أن العائلة تحيطه برعاية دائمة. كما اضطر الوالد الى التخلي عن عمله كمقاول والتفرغ لابنه ليلا ونهارا. وتناشد عائلة بوكوردان التي فرت من جحيم الارهاب بوادي البارد، بأعالي بلدية تيزي بشار، وزارة الصحة ووزارة التضامن الوطني التكفل بعلاج إبنها خارج الوطن، بعدما فشلت كل مساعيهم لإنقاذه وعلاج حالته المستعصية.