أطفال غليزان يسبحون في قلب الخطر وشبابها يحيي لياليه ب "الكارطة" و"الدومينو" يجد الكثير من شباب الأحياء الشعبية بمدينة "غليزان" وبلدياتها المختلفة صعوبة كبيرة في قضاء أوقات فراغهم، سواء بالليل أو النهار، خاصة في فصل الصيف، الذي تسجل فيه درجات الحرارة الصعود إلى معدلات قياسية، لتكون مجاري السقي الأودية والسدود ملجأهم الوحيد، رغم مخاطر الغرق والأمراض. ودفع افتقار المدينة والولاية على العموم لفضاءات الترفيه والتسلية التي بإمكانها إنعاش الأجساد والنفسيات، إلى إجبار العائلات على القبول بالأمر الواقع والتأقلم مع الوضع، باستثناء الذين تيسرت لهم الإمكانيات، فإنهم يغادرون المنطقة مع حلول الفصل أو ركوب طريق الهجرة شبه الجماعية مع بداية الساعات الأولى للنهار صوب مختلف الشواطئ القريبة خاصة تلك الموجودة بمدينة "مستغانم" المجاورة، وقلة أخرى يسعفها السعي الحثيث بين مختلف الجمعيات للظفر بمكان لأحد الأبناء بمخيم من المخيمات الصيفية لأسبوع أو أسبوعين وسط منافسة غير عادلة بينهم و بين أبناء أصحاب اليد الطولى من المحظوظين والمتنفذين. وعادة ما تستغل الجمعيات، التي تنعشها أموال الدعم المقدمة، هذه المناسبة لترويج بضاعتها وسط المواطنين، فتشرع أبواب مقراتها ومحلاتها، بعدما ظلت مغلقة وضربت عليها العنكبوت خيوطها طيلة الأيام السابقة من السنة. ومع انعدام المال وقلة الحيلة أمام البقية الغالبة من العائلات، والتي شملها حكم القاعدين الذين ليس عليهم حرج، يبقى الكثير من أبناء المدينة يتجرعون معاناة الحر ويتلقون لسعات الشمس مستسلمين لواقع الروتين والملل المفروض عليهم. وأمام هذا الوضع البائس لأبناء هذه المدينة المفرغة من مرافق الاستجمام، كان لابد على سكانها التفكير في بديل ترفيهي ينعش أجسامهم التي لفحها الحر ويروّح عن النفسيات التي قتلها الملل. وهو ما جعل أيام العسرة هذه تشهد إقبال العشرات من الأطفال والشبان من المدينة والمناطق المجاورة لها، على قنوات الري "الساقية" الممتدة على طول الطريق الوطني رقم 4 وبالمناطق الداخلية الأخرى، التي أسعفتها مديرية الري بالماء خلال هذه الفترة بعد جفاف خيم عليها طيلة الشهور السابقة، أما الذين يقطنون بالمناطق النائية فقد ولّوا وجوههم شطر الأودية والسدود القريبة في ظل أخطار الغرق والتعرض لمختلف الأمراض التي تسببها السباحة في مثل هذه الأماكن، التي تصبح منعدمة أمام رغبة السباحة والاستجمام التي حرموا منها بالطريقة اللائقة. وباستثناء المسبح الأولمبي المفتوح فهو مخصص للفرق الرياضية المتواجدة بالمدينة و قلة من المحظوظين، فإن المدينة التي قارب سكانها 200 ألف نسمة، لا تتوفر إلا على مسبحين بلديين ما زالا مغلقين، الأول يقع بوسط المدينة ورثته البلدية من العهد الاستعماري مازالت تجري به أشغال التهيئة منذ شهور بعدما كان يستقطب أبناءها خلال أيام الحر، والذي أرادت أن تعصف به يد الإهمال والعبث في السنوات السابقة و حول عن غاية نشاطه ليصبح مكانا لإقامة الحفلات الأعراس، والآخر أنجز بحي برمادية بغلاف مالي فاق 1 مليار سنتيم، لم يستعمل إلا لفصل واحد، وتم غلقه بعد ذلك في وجه قاصديه من أبناء الحي والأحياء المجاورة، بحجة إعادة تهيئته، في عملية هي الأخرى استنزفت مبالغ إضافية من خزينة الدولة، ثم توقفت في المنتصف قبل الاكتمال، وبدل أن تسبح به أجساد الأطفال، أصبح مجمعا للنفايات الحشرات والمكروبات. من جهته، ليل المدينة لا يأتي بجديد لسكانها الذين أنهكتهم حرارة النهار، فتراهم يحاولون تجاوز التفكير في الغد الذي سيمر كسابقه، باستغلال أكبر قدر من فرص الترويح التي تتيحها ساعاته المحدودة، حيث يحرص الآباء على اصطحاب أبنائهم إلى النافورات المنجزة بوسط المدينة وحي "الطلاين" التي تشهد إقبالا كبيرا من طرف سكان المدينة و البلديات القريبة الباحثين عن الترويح و الترفيه، في حين ولنفس الغاية تستقطب محلات المرطبات عددا آخر من العائلات والشباب فينعشون تجارتها مقابل أن تنعشهم بأكواب مرطباتها الباردة واللذيذة، أما البقية من الشباب وكأنها ترفض استقبال يوم جديد تأتي به الشمس فتمكث داخل بيوتها مشكلة حلقات أمام البيوت وتحت العمارات للسمر بأحجار "الدومينو" وورقات "البوكير" حتى تسكت نسمات الليل عن الكلام المباح.