نجحت الحكومة الصينية والشعب الصيني في تقديم صورة مبهرة عن الصين الجديدة القادرة على صنع المعجزات من خلال التنظيم الأسطوري لدورة الألعاب الأولمبية "بكين 2008"، ولكن هذا الإبهار كان له ثمن آخر، وهذا النجاح البراق كان له وجه مظلم وفق مصادر وتقارير صحافية غربية، فقد قامت الحكومة الصينية في خطورة مثيرة للجدل باعتقال الآلاف من المشردين وتجار المخدرات والعاهرات والمجانين والمهاجرين الزنوج وغيرهم من الفئات المنبوذة ووضعتهم رهن الاحتجاز أو الاعتقال في معسكرات تم إعدادها خصيصًا لهذا الغرض، وهي الخطوة التي أثارت سخط واستياء العالم الحر الباحث عن الحد الأدنى من حقوق الإنسان، فيما ذهب البعض إلى تأييد الإجراءات الصينية رغم قسوتها، حيث إن هذه الفئات الشاذة التي تم اعتقالها كانت تشكل التهديد الأكبر لنجاح الأولمبياد من خلال ميولها الإجرامية وتشويه الوجه الحضاري للصين في أكبر تظاهرة رياضية في الكون .فقد اخترق صحافيون غربيون كل القيود والحواجز التي وضعتها السلطات الصينية وتمكنوا من الوصول إلى الحوائط الأسمنتية الموحشة التي تعلوها الأسلاك الشائكة والحراسة في الأبراج على البوابات، ويوجد أمام تلك المعسكرات حراس مسلحون ودوريات صارمة تفتش السائقين والمشاة في يقظة تامة. وفي الوقت نفسه، على بعد 30 ميلا، تتركز أنظار العالم على إستاد الاولمبياد الشهير المسمى "عش الطائر" والأماكن الأخرى التي تجذب أنظار 2 مليار من المشاهدين من أنحاء العالم يشاهدون الألعاب الرياضية ويستمتعون بمشاهدة الصين الجديدة. ووفقًا لصيحفة "الديلي ميل" اللندنية و"نيويورك تايمز" الأمريكية فقد نشرت بكين جيشا قوامه 500 ألف من المتطوعين لمساعدة الأجانب على الوصول إلى مكان إقامة الألعاب الأولمبية في العاصمة بكين. كما تم تزيين الأماكن بالخضرة ووضع لافتات باللغة الإنجليزية. ولكن لا أحد في ضاحية داكسنغ التي يوجد بها 5 معسكرات تضم آلافا من المنبوذين الذين تمت إزالتهم من شوارع بكين والغلق عليهم حتى لا يراهم أحد. وقد تم فتح تلك المعسكرات لسجن - دون محاكمة أو تمثيل قانوني - الأشخاص الذين لا تريد الحكومة الصينية أن يراهم أحد من ضيوف الصين الأجانب وما أكثرهم خلال الدورة الأولمبية، فبدءًا من أطفال الشوارع، والباعة المتجولين ومن ليس لهم مأوى والعاهرات والمجانين والمهاجرين الزنوج وتجار المخدرات والشواذ قد تم اعتقالهم بعد أن امتلأت ضواحي المدينة بهم، ووضعهم في تلك المعسكرات العام الماضي حيث يشكلون جزءًا من تصميم الحكومة الصينية على أن تقدم للعالم ما ترى أنه مقبول كواجهة لها. وهو بالطبع شيء مخيف يذكرنا بما كان في ألمانيا عندما كانت تعد للألعاب الأولمبية في برلين عام 1936، عندما قامت الحكومة بالقضاء على مثل هؤلاء الأشخاص من الشوارع. ففي ظل حكومة هتلر رفعت المعسكرات النازية شعار (العمل يجعلك حرا) على بواباتها. أما في الصين فإن تلك المعسكرات تحمل على بواباتها شعار "إعادة التربية من خلال العمل". كما توجد أيضا على المعسكرات لافتات مكتوبة باللغة الصينية تقول "ستقع تحت طائلة القانون وفق قوانين الألعاب الأولمبية"، والتي تكشف عن الفترة الزمنية الطويلة غير العادية التي تم إعداد الصينيين فيها كي يسيروا بنظام صارم ليقنعوا العالم بنجاح دولتهم وتقدمها.