نقمة أحداث أكتوبر 88 صارت نعمة بعد 25 سنة من الجد والعمل من أجل بناء جزائر أفضل، وطيلة هذه السنوات لم يعلم حقيقة تلك الأحداث والتي كان ظاهرها رفع المستوى المعيشي المتدني، صوّر الأحداث في مشهد درامي، كانت بدايتها يوم الثلاثاء الرابع من أكتوبر، أين خرج الشباب عن بكرة أبيهم، وانتفضت أحياء باب الوادي والرويبة والحراش، لتجد مصالح الأمن نفسها مجبرة على تهدئة الأوضاع لتتوقف الانتفاضة قبل بدايتها . وبعد يوم فقط.. وبالظبط في الخامس من أكتوبر وسط باب الوادي، اعترضت مجموعة من الشباب سبيل حافلة وقاموا بإنزال كل ركابها وأضرموا فيها النار، ومن ثم توسعت إلى باقي شوارع الحي العتيق حيث استهدف المواطنون كل ما يرمز للدولة، وانتهز العاطلون عن العمل، فرصة خلو مؤسسات أروقة الجزائر ونهبوا كل ما فيها، وقد بلغ صدى هذه الاحتجاجات أحياء باش جراح والحراش والشراقة وعين البنيان، حتى الأحياء العريقة كالأبيار، بن عكنون، حيدرة ودالي ابراهيم، لتتحوّل العاصمة بأكملها إلى مسرح للاحتجاجات وأعمال التخريب، كما حاول مواطنون اقتحام منازل عدد من الشخصيات التي كانت ترمز لنظام الحكم في الجزائر آنذاك، ويوم الخميس السادس من نفس الشهر ، أمرت وزارة التربية الوطنية بتوقيف الدراسة وغلق المدارس والثانويات خوفا من امتداد المظاهرات إليها . ومن جهتهم دعا كل من احمد سحنون و محفوظ نحناح المواطنين الى التريث و ظبط النفس، لكن الغاضبين لم يستجيبوا للنداء. فرض حظر التجوال والمطالبة بالإفراج عن الموقوفين أعلن الرئيس الشاذلي بن جديد، فرض حظر التجول ليلا في العاصمة وضواحيها، وانتشرت قوات الجيش عبر كامل أحياء العاصمة حفاظا على ما تبقى مما خربه المتظاهرون، وبدأ عدد من الشخصيات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وعدد من ممثلي تيار اليسار، في التحرّك للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين، وامتدت هذه المطالبات إلى جامعة بن عكنون، حيث عقد الطلبة جمعيات عامة تطالب بالإفراج عن الموقوفين· الجزائر بعد خطاب الرئيس شاذلي بن جديد العاشر من أكتوبر.. يظهر الشاذلي بن جديد على التلفزيون، داعيا المواطنين إلى التعقل، واعدا إياهم بغد أفضل، وبإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية، ليسود الهدوء بعد ذلك أحياء العاصمة، وهنا فهم الجزائريون أن وراء خطاب الرئيس شيء من التلميح لتغيير نظام الحكم، وأن الجزائر مقبلة على نوع من الانفتاح، وهو ما تم فعلا، بمجيء وجوه سياسية، فتح الشاذلي بن جديد أمامها أبواب التعددية الحزبية في الجزائر، وتوسيع مجال النشاط لكل التيارات السياسية مهما كانت انتماءاتها، وأقرّ حرية التعبير أيضا، كما فتح المجال الاقتصادي للقطاع الخاص· أحداث أكتوبر بين الكارثة وشغب الأطفال اعترف قائد هيئة الأركان آنذاك، خالد نزار، في مذكراته بأن أحداث أكتوبر كانت ''كارثة لم نكن نتوقعها نحن العسكر''، على الرغم من أن نشرة الثامنة مساء تلك الأحداث، نقلت موقف المسؤولين، على أن ما يحدث لا يعدو أن يكون ''شغب أطفال''، من دون أن يدركوا أن ''شغب الأطفال'' سيغيّر مجرى تاريخ الجزائر. و نجم عن تلك الأحداث حصيلة من القتلى، قيل إنها كانت ''تهورا''، فيما رأت الجماعات المتطرفة أنها ''جهاد'' لما تخندقت باسم الدين وأدخلت الجزائر في متاهات المد والجزر بين الإرهاب والمؤسسة العسكرية، كما تضاربت حصيلة أحداث أكتوبر، التي أكدت سقوط 144 قتيل، حسبما صرح به الجنرال خالد نزار وقتذاك، بينما تشير الحصيلة غير الرسمية إلى مقتل 500 جزائري وآلاف الجرحى. وبعد ربع قرن من تلك الأحداث الدموية. مما يؤدي إلى طرح سؤال تاهت العقول في إيجاد إجابة عنه، حرب أكتوبر انتفاضة أم مؤامرة؟. ماذا بعد... 25 اكتوبر ؟
ها هي الجزائر تحاول في كل مرة طي هذه الصفحة، إلا أن أطرافا تحاول جاهدة إدخال الجزائر في دوامة" الربيع العربي"، الذي يأتي في عدة أشكال من أجل زعزعة استقرار البلاد ، لكن الجزائر تبقى صامدة في وجه هؤلاء الذين تخول لهم أنفسهم للإعادة سلسلة السيناريوهات الدموية، لأن الجمر المتبقي من ''نار قديمة'' لا يشتعل من جديد، مهما صب عليه من بنزين، بعد أن فهم الشعب أنه ''أرهق وتعب ومل وبالتالي لا يمكن له أن يحمل عبئا دمويا وخرابا آخر على كاهله''، تستمدها من ''ثورة أكتوبر 88''.