أداء صلاة التراويح للحصول على أجرها، الهروب من المنزل، ومن غسل الأواني، اغتنام الفرصة للتبضع، واصطياد زوج المستقبل، هي فرصة تغتنمها الفتيات كل شهر رمضان، لتحقق كل منهن مآرب شخصية، دينية وأخرى دنيوية. "اليوم هربت باش ما نغسلش الماعن خليتهم لوسيلة تحصل بيهم" "النهار" حاولت نقل ولو جزء قليل، من واقع صلاة التراويح لدى النساء، دخلنا عددا من المساجد بالعاصمة حتى لا نكون قد عممنا مسجدا واحدا على البقية، ترافقت مع عدد من الجارات اللواتي ألفن الصلاة في أحد مسجد الحي، آمال قالت إنها ذاهبة لتصلي العشاء وتنام قليلا في المسجد، بعد أداء الصلاة لم تكن في نيتها مطلقا أداء صلاة التراويح، لأنها وبكل بساطة هربت من المنزل، لأنه دورها في غسل أواني الإفطار، تقول ضاحكة "اليوم هربت باش ما نغسلش الماعن خليتهم لوسيلة تحصل بيهم"، تقاطعها رشيدة "حرام عليك ما تخسريش نية من يرغب في الحصول على ثواب من الله"، ثم يواصلن الحديث كل واحدة تحاول إقناع الثانية بأفكارها ومبادئها"، خالتي مسعودة، أم وجدة، دأبت على أداء صلاة التراويح منذ زمن، الجميع يتوجه إليها لمؤانستها، لا لشيء إلا لأنها، بئر أسرار الحي، يدعونها "الجزيرة"، كل الأخبار عندها، فلانة تزوجت والأخرى تمت خطبتها، وثالثة تواجه مشاكل مع أهل بيتها، أما الفتيات الشابات الراغبات في إنشاء بيت الزوجية، كجازية، فوزية، فاطمة الزهراء، فضيلة وزهيرة، كن كلهن في أجمل حلة مع القليل من الكحل، ومساحيق التجميل، الرغبة هي اصطياد "عريس الغفلة"، تقول جازية "أنا جيت نصيد إذا ما تزوجت هذا رمضان ما نتزوجش حتى العام الجاي، علاش "سهام" خير مني". وصلنا إلى باب المسجد، بعد أن قضينا ما يقارب ال 10 دقائق في الطريق، تجاذبنا فيها أطراف الحديث عن مائدة الإفطار، وعن بعض الإسرار التي كانت تخفيها كل واحدة عن نفسها، أو بعض الجديد الذي استجد طيلة يوم كامل لم نلتق فيه. "وين يالالة هاذي بلاصتي عندي خمس سنين وأنا نصلي فيها" ولجنا المسجد فوجدناه بدأ يمتلئ برواده من المصلين، أحذية متناثرة، وحديث يملأ الأرجاء، حاولنا الاقتراب، من الصف الأول، لأن بعض الأمكنة كانت شاغرة، غير أنني وما أن اقتربت من المكان حتى قامت إحدى النساء بشدي من حجابي، قائلة "وين يالالا هاذي بلاصتي عندي خمس سنين وأنا نصلي فيها"... انسحبت من المكان، وإذا بالنساء يضحكن مقهقهات لما جرى، ولكوني جديدة بالمسجد الذي قصدناه بعد أن طلب منا أمام المسجد القديم، عدم المجيء بسبب مشادات كادت تصل إلى حد القتل بين امرأتين... لم أكن أعرف أن المكان محجوز منذ زمن لتلك السيدة التي كادت تقطع حجابي عن جسدي بقبضتها الحديدية. بعد صلاة تحية المسجد، جلسنا نستمع للخطبة غير ان الحديث الذي كان يدور بين النسوة كان أقوى من حديث الإمام، لحظات فقط، وبدأت معركة طاحنة، بين عجوز وكنتها، لأنها رافقت زوجها، للصلاة ولم تخبرها، شتم وتنابز وسب، جعل الإمام يتدخل لفض النزاع بطريقة غير مباشرة "الله يخليكم يا نسا اتقوا الله في أنفسكم واحترموا حرمة المسجد"، ثم تتدخل بعض الأخوات اللواتي كان من الظاهر جليا أن لديهن بعض التأثير في أوساط مرتادات ذلك المسجد، لقد دأبن منذ دخلن على التلاوة والتفقه في الدين من خلال الكتب الموجودة على الرفوف، قالت أحداهن للسيدة "يا يما خلي كي تروحي للدار وتفاهمي معاها ما تضحكوش الناس عليكم وزيد راكم في المسجد وللمسجد حرمة"... تسكت العجوز وتنظر إلى كنتها نظرة ثاقبة... ويواصل الإمام حديثه إلى أن يرفع الأذان لأداء الصلاة. السجود يتعب الشيخ ويمنح الفرصة للنساء للثرثرة في اليوم الموالي توجهنا إلى مسجد بزرالدة، لنقل بعض الأسرار، وكانت دهشتنا أعظم، المسجد يعج بالأطفال، من مختلف الأعمار، لعب متناثرة، أكل وقارورات ماء مجمدة لاتقاء عطش ما بعد الإفطار... بعد أن رفع آذان أداء صلاة العشاء، وسجدت النسوة، صعدت إحدى الفتيات على ظهر عجوز، ودون عجز ولا تردد قامت المرأة من السجود وأوقعت الفتاة من على ظهرها محدثة لها بعض الألم، الذي جعلها تبكي، وما ان التفتت المرأة ووجدت ابنتها ساقطة، والسيدة لم تحرك ساكنا، حتى جن جنونها واقتربت منها متناسية الصلاة، لتصفعها بدورها آخذة بثأر ابنتها، وهنا حدثت مشادات بالأيدي بين السيدتين لم يفض إلا بعد تدخل بعض العاقلات... بدأت صلاة التراويح، وقرأ المقرئ الأول الجزء الخاص، به، وتلاه الثاني، كانا يخففان في القراءة، وبعد شروع الثالث، في قراءة ما تيسر من كلام الله الحكيم، بدأ التذمر في أوساط المصلين، لحظات فقط، هوت فتاة في مقتبل العمر، مغمى عليها، وهرعت بعض الفتيات لإسعافها، بالماء... تواصلت الأحداث، واصل المقرئ التلاوة، ثم انقطع قليلا، وعم المسجد الخاص بالرجال بعض الفوضى لم نعرف لها سببا، وانتهت الصلاة، وقصد كل واحد منزله، غير أن السؤال الذي طرح بقوة هو السبب الذي جعل المقرئ ينقطع عن التلاوة.. حاولنا التقصي لمعرفة السبب لأنه كان يجدر بنا نقل كل الوقائع، رافقنا جارنا عمي علي الى المنزل، كان طول الطريق يضحك ودون انقطاع، سألناه عن السبب فقال أن شيخا قاطع الإمام، بعد أن أطال في السجود، قال عمي علي "قالو غاول على حسابك أنت نباتو هنا، راك طلعتلي السكر"، كان ذلك السبب الذي كنا نطمح لمعرفته. شتائم تسمعها الناصحات وصلاة تتحول إلى عرس على وقع الرنات طرائف أخرى نقلتها الشابات، من بعض المساجد بالعاصمة، تقول آمال إن مسجد التقوى بباب الوادي، ولشهرة مقرئيه فإن النسوة يقصدنه من كل صوب وحدب، من باب الزوار، من بن عكنون ومن عين النعجة. غير أن الملفت للانتباه هو تحوله الى روضة أطفال لأن النساء اللواتي يقصدنه يأتين من بعيد ولا يمكنهن ترك أبنائهن بمفردهم بالمنزل، وهو ما يحتم على كل واحدة منهن تقول آمال جلب حقيبة معها فيها كل المستلزمات الخاصة بالطفل، بدءً بالأكل ووصولا الى الألعاب، "حتى الزلابية كان لها حظ في زيارة المسجد، غير أن المسجد لم يكن محظوظا لأن الزرابي الخاصة بالصلاة تلطخت بالعسل الذي سقط من الزلابية"، وتضيف امال "لقد تحول المسجد إلى روضة، الألعاب التي تجلب مع الأطفال تصدر رنينا وأصواتا موسيقية تزعج المصلين، في الوقت الذي تتحجج بعض النساء بالعجز للحصول على كرسي تستغله لأداء الصلاة، وهو ما يخلق نوعا من التوتر بين المصليات اللواتي يعرفن بعضهن، فكل واحدة منهن تسعى للحصول على كرسي، وتعدد أمراضها أمام الملأ ليصدقوها. من جهتها، قالت السيدة عائشة " أنها تذهب بشكل يومي إلى مسجد الفتح المبين، لأداء صلاة التراويح، غير أنها تأسفت لبعض الأفعال "هناك بعض الأخوات سامحهن الله، يجلبن الهواتف النقالة إلى المسجد وأثناء قيام الصلاة، تبدأ هذه الهواتف في الرنين وتصدر منها، نغمات موسيقية أثناء الركوع أو السجود، ولا يمكن للمصلي أن يتم صلاته أو حتى يخشع فيها، آخرها رنة للشابة الزهوانية حولت المسجد الى قاعة حفلات". لكل ركنها وحكمها الذاتي للمقر أما بمسجد النصر المتواجد بحي الساعات الثلاث بباب الوادي، فتقول سميرة إنه مقسم حسب الهندام، فللمتجلببات مكان خاص بهن، وللمحجبات مكان، وللعجائز ركن، كما للشابات ركن خاص بهن، وعلى الجميع احترام التقسيم، المشكل في هذا المسجد تقول سميرة، هو في طريقة أداء الصلاة، فالصراع أصبح على أشده، لأن كل واحدة تحب فرض طريقة الصلاة، في الاستواء، وتحاول كل منهن إسداء النصيحة، غير أنهن يتفاجأن بالشتائم، تضيف سميرة، "تعجبت في يوم من الأيام عندما طلبت إحدى الأخوات من شابة الاستواء ووضع الرجل إلى جانب الرجل، بردة فعل السيدة التي شتمتها قائلة "نصلي كيما نحب.. مارانيش يهودية ونعرف الإسلام خير منك..." التراويح فرصة للظفر بزوج المستقبل يقول سمير إنه تفاجأ في يوم من الأيام عندما أخبره جاره أنه وجد بناته اللاتي رافقهن لأداء صلاة التراويح، يتجولن في شوارع العاصمة، "لقد خرجت لأنهم اتصلوا بي، وطالبوني بالدخول لأن والدي كان يعاني من ارتفاع في ضغط الدم". حالة أخرى لفتيات يقصدن المساجد للزواج، فقد أكدت السيدة فطيمة أنها في كل مرة تشرع في تنظيف الزرابي تعثر على صور مقرونة بأرقام هاتفية لشابات يرغبن في الزواج، وكلهن من مرتادات المسجد، "يضعن صورهن لأن التنظيف في غالب الأحيان يقوم به شباب المسجد، عندما تكون خالتي فطيمة غائبة، لأنها من المتطوعات. مونيا هي شابة تزوجت من خلال ارتيادها للمسجد، كان شابا ملتحيا، تتبعها عدة مرات، إلى أن عرف أنها من عائلة محترمة، فتقدم لخطبتها، هي اليوم متزوجة وأم لطفلين سمية، ومروان، تقول مونيا "لقد كنت أرافق صديقاتي لأداء الصلاة وكتب الله أن يكون نصيبي رجل متدين، في الحقيقة هناك كثيرات تزوجن من خلال أدائهن الصلاة بالمسجد، ولكن النية تختلف فهناك من تقصده حقا لأداء الصلاة وهناك من يقصدنه لمآرب أخرى، الله يهدينا ويثبتنا على الدين". ما لاحظناه هو أن سيدات كثيرات يقصدن المسجد للخطبة، فخالتي مريم زوجت أبناءها الثلاث من مرتادات المسجد، "زوج منهم بنات فاميليا، والثالثة شبعتني مرار"، هي كلمات لامرأة أرهقتها السنين في التربية، وحزّ في نفسها إنشاء ابنها لبيت بعيد عن البيت العائلي.