دأبت العادة أن يستقبل الجزائري شهر رمضان بكثير من الحفاوة والفرح بدءا بتحضير ربات البيوت لمؤونة رمضان وتنظيف المطبخ، كما يعكف المسؤولون عن صلاة التراويح على تزيين المساجد، فيما يحضر البعض للشهر بتسجيل أهم المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي يود مشاهدتها في الشهر، وبين عادة حميدة وأخرى سيئة يتجند الجميع لاستقبال الشهر. "الامة العربية" حاولت رصد أهم الانشغالات التي تهم الجزائريين استعدادا للشهر الكريم. تعود الجزائريون حسب عاداتهم وتقاليدهم وفطرتهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في بدأ التحضير لشهر رمضان المبارك بدءا من شعبان الذي يعد شهرا للقراء وحفظة كتاب الله وذلك بما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، فما تشهده الزوايا في مختلف ولايات الوطن من حركة واسعة والتي تتحول على إثرها إلى خلايا نحل للعدد الهائل من حفظة كتاب الله الذين يرتادونها من مختلف الولايات قصد المراجعة والحصول على الإجازات في تجويد القرآن وترتيله والحصول على التزكيات قصد استعمالها في الحصول على الرخص، وهذا ما حدثنا عنه أحد الطلبة الوافدين إلى زاوية "بني كوفي بأعالي بوغني" ب"تيزي وزو " الطالب "محمد " الذي قال بأنه حضر إلى الزاوية قصد مراجعة القرآن الكريم والتحضير لصلاة التراويح والتي يعتبرها فرصة ثمينة لاتعوض بحكم أنه طالب جامعي بكلية طب الاسنان بجامعة" فرحات عباس" ، ومن هناك تبدأ رحلة بحثهم عن المسجد الذي يأمون فيه الناس لصلاة التراويح، كما أفادت مصادر مطلعة على ما يجري من تحضيرات لهذا الشهر الفضيل في مختلف ربوع الوطن ل"الأمة العربية "أن الكثير من أئمة المساجد ومفتشي التعليم القرآني عبر مختلف المقاطعات يقصدون الزوايا "الزاوية الحملاوية بميلة والزاوية البلقائدية بوهران، والزاوية العيدلية ببجاية، وزاوية الهامل، وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم قصد الظفر بالحافظ حفظا متقنا أو كما يسمونه في مصطلحاتهم من يحفظ القرآن الكريم "حبا متراكما" من "آلم ذلك الكتاب لاريب فيه إلى قل أعوذ برب الفلق ..."، وللإشارة فإن طلبة الزوايا يتحدون بعضهم بعضا فيمن يحسن القراءة ومن تقل هفواته، وذلك بتسجيل عدد الهفوات من أخطاء وفي بعض الأحيان تشتد المنافسة حتى تبلغ أوجها، فيحسبون على بعضهم بعضا اللحن في الأحكام، وعلى أساسها يمكن القول بأن تحضيرات شعبان والجدية فيها هي التي تمكنهم من اجتياز الامتحان، امتحان التراويح الذي يكرم فيه المرء أو يهان، ثم يبحثون عن مسألة الصوت وحسن الأداء التي تعد هي الأخرى مظهرا للتنافس بين المساجد، ما المسجد الذي يحوي بداخله بلبلا يجلجل القرآن بصوت يقارب صوت داود عليه السلام، مما يجعل المصلين يتسابقون نحوه . التحضيرات في مختلف المساجد ما لا حظناه ونحن نجوب مختلف مساجد الجزائر العاصمة بأن بدء التحضيرات لهذا الشهر الفضيل في المساجد تنطلق بشهر على الأقل "شهر شعبان "، ولكن هذه السنة تختلف تحضيراتها عن سائر السنوات، فرمضان هذه السنة يأتي في فصل الحر "الصيف" مما جعل المحسنين والمتطوعين للإحسان لبيوت الله والقائمين على شؤون المساجد من جمعيات دينية وأئمة بمختلف رتبهم يقبلون على شراء مكيفات الهواء والمروحيات وغيرها من الإكسسوارات التي تعرف بها أشهر الحر، أما العادة السارية في كل الفصول فإنه يبدأ بتنظيف بيوت الله، وفرشها بالسجاد بمختلف ألوانه الباهية والزاهية،وتزينها بالأضواء المختلفة الألوان،وكذا رشها بمختلف العطور الزكية، تعظيما لهذا الشهر الذي خصه العلي القدير على سائر الأشهر وعظمه أيما تعظيم فذكره في القرآن الكريم بل وأنزل فيه كتابه الجامع لكل الكتب والديانات السماوية من توراة وإنجيل آيات بينات تتحدث عن فضائله، ومن هذا المنطلق إن صح التعبير فإن مختلف مساجد العاصمة التي وطئتها أقدامنا من الفرقان بحي رابية الطار بباب الزوار ومسجد الناصرية ببوزريعة، ومسجد السنة بباب الوادي ومسجد عائشة أم المؤمنين بباب الزوار وجدناها كلها تسعى حثيثة وبخطى رزينة استعدادا لهذا الشهر الفضيل الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب أبناء الأمة الإسلامية، وبالأخص الأمة الجزائرية الذي يتميز شهر رمضان في مساجدها عن بقية مساجد العالم الإسلامي، خصوصا إذا عرفنا أن أئمة صلاة التراويح الذين تمنح لهم رخص إمامة الناس في هذا الشهر الفضيل يشترط فيهم القراءة برواية ورش عن طريق الأزرق، هذه الرواية المشهورة والمعتمدة في سائر أنحاء المغرب العربي الكبير والتي تسهر وزارة الشؤون الدينية ومختلف الهيئات المنضوية تحت لوائها تأهيل حفظة كتاب الله وتدريبهم عليها، ثم إن عدد المصلين المحافظين على صلاة الجماعة يبدأ في التزايد بدءا من هذا الشهر "شعبان " في إشارة منهم لتوبتهم وعودتهم لبارئهم وإقلاعهم عن الممنوعات التي حظرتها الشريعة الإسلامية في نصوصها الشرعية القطعية منها والظنية. لاتزال العديد من العائلات الجزائرية محتفظة بالعادات والتقاليد التي تصحب استقبالهم لشهر رمضان الفضيل، على غرار العديد من ولايات الوطن، "الأمة العربية" قامت برصد أهم التحضيرات التي تخص بعض ولايات الوطن. العاصمة كشفت لنا أن التحضير الخاص بشهررمضان الكريم ينطلق قبل شهر من موعده، حيث تبدأ العائلات بالتحضيرات الخاصة بتنظيف وترتيب المنزل، و كذا شراء أواني الطهي الجديدة إذا تيسر لهم ذلك، بالإضافة الى اقتاء مادة " الفريك" الضرورية لطهي حساء" أشربة"، وأكدت أن العائلات العاصمية لا يفوتها أيضا شراء بعض الخضر الموسمية التي تحضر بها السلاطة ك" الفلفل، والبذنجان" والتي تتميز بأسعارها المنخفضة، حيث يتم طهيها والاحتفاظ بها في الثلاجة، بالإضافة الى صيام أيام من شهر شعبان للتعود على الصيام اقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مضيفة أنه من بين الأطباق التي لاتخلو مائدة فطورالعاصميين رغم غلاء المعيشة " حساء "الشربة" و" البوراك"، وكذا طبق "المسفوف" الذي هو عبارة عن كسكسي مدهون بالزبدة يضاف إليه الزبيب والسكر للصحور، لتعقب السهرة بعد صلاة التراويح، بالسمر مع الجيران، التنزه في الأزقة الشعبية، أو زيارة أفراد العائلة، وأحيانا الخروج من أجل التبضع والبحث عن ملابس العيد للأطفال بأثمان متيسرة. هذا ويقاسمها نفس الرأي السيد "ميلود حكيم" مدير دار الثقافة بتلمسان والذي صرح لنا بأن عادات المنطقة ككل مناطق التراب الوطني، تكمن في التنظيف الشامل للبيت، وتزيينه بطريقة جملية حيث يبدو للرائي في أبهى الحلل، كما يتم شراء مختلف التوابل الخاصة بطهي أشهى الأكلات، وتحضير عجائن المقطفة الخاصة بطبق " الحريرة"، مضيفا أنه لاتخلو سهرات التلمسانيين من النشاطات الفنية، التي يحييها مطربو الحوزي، المديح والقصيد الديني، وهذا بعد صلاة التراويح أين تخرج العائلات للتنزه أو زيارة بعضهم البعض لكن هذه " الخرجات" غير متاحة للجميع" . من جهتها أوضحت السيدة' ''سكينة كليلة" رئيسة جمعية حماية والدفاع عن المستهلك بقسنطينة، أن مدينة الجسور المعلقة هي كذلك مثل باقي ولايات الوطن، تكمن عاداتها في تنظيف البيت، و شراء مادتي " الفريك" قصد تحضير حساء"الجاري" والدقيق لعمل الكسكسي" وهذا أيام قبل حلول الشهر الفضيل، كما لاتفوت العائلات مع كل شهر شراء أواني جديدة، بالإضافة الى ذلك تعكف الأسر حسب قدرتها الشرائية على تحضير أطباق مثل" شبح السفرة"، " الكفتة"، 'المحلبي"،" قطايف المقلة" وغيرها من الأطباق التي تشتهر بها المنطقة. وأشادت سكينة بشأن سهرات رمضان أن بها حركة نشطة بالمساجد، التي تزدان بالمصلين المحافظين على صلاة التراويح، مضيفة أن الشيئ الذي افتقد ته العائلات القسنطينية بعد إن كانوا يتميزون بكثرة التنقلات بين الأقارب والجيران، أضحت السهرات خالية من تبادل الزيارات. من جانبه ذكر السيد "محمود العزاوي" من إليزي أن أسر الجنوب الجزائري عموما تقوم باقتناء المواد الأولية أسبوعا قبل شهر رمضان مثل التمور خاصة اليابس منها والتي تباع بالأكياس ويبلغ سعرها بحوالي 120دج، فيما يصل سعر دقلة "نور" ب180 دج، بالإضافة الى ذلك يتم تحضير "الكليلة"، والتي هي عبارة عن حليب يحضر في "الشكوى"، بالإضافة ذلك يتم إعداد" الستيك" أو "الديول " كما يعرف في العديد من مناطق الوطن، يستعمل لطهى طبق المردود، وأضاف " محمود" أنه من بين الأطباق المشهورة بالمنطقة "الحريرة" و "أليوا"، التي لاتستغني عنهما المائدة الإليزية، خاصة وأان العائلات والجيران كما قال ذات المتحدث تتبادل يوميا الزيارات، بالإضافة الى ذلك يقضي النسوة صيامهن في إعانة بعضهن البعض في نسيج مختلف الأفرشة التقليدية. ومن وجهة نظر سوسيولوجية يرى أستاذ علم الإجتماع "عروس الزبير"، أن رمضان قد فقد نكهته الثقافية، بعد أن كان ظاهرة ثقافية تضم الفرح والتضامن، أصبح كما قال "الزبير" عبئا على كاهل المواطن، بسبب مواكبته لالتهاب الأسعار، كثرة المشاجرات، عدم الالتزام بالإنضباط في العمل وغيرها من الأمراض المتفشية في المجتمع، وأرجع المتحدث تفشي مثل هذه السلوكات لغياب الجانب العقائدي، وكذا انقطاع جسور التواصل بين الأجيال، لاسيما التخلي عن العادات الجيدة والتي ضربت في العمق، الأمر الذي نجم عنه مسخ ثقافي في القيم، ومن ثم دعا المتحدث للعمل على جعل شهر رمضان فرصة لترسيخ المثل العليا قصد المحافظة على امتدادتنا الثقافية والحضارية. أما الدكتور والخبير الدولي في التصوف محمد بن بريكة، قال أن شهر رمضان هو شهر تراحم وزيادة في الأعمال الصالحة، إلا أنه وللأسف تحول عند بعض الناس في مدننا، شوارعنا، ومؤسسات العمل، إلى شهر يتميز بسلوكات منافية لمعنى الصيام، منوها في ذلك لذكر البعض منها مثل الصخب الشديد والشجار مع الجيران لأتفه الأسباب، والأيمان الكاذب في الأسواق، وهذا ما اعتبره معارضا للسلوك القويم المتمثل في إمساك اللسان والذكر الحكيم، إلى جانب الإفراط في النوم في النهار الذي اعتبره منافيا لمقصد الصيام الذي يتوجب فيه الإحساس بجوع الفقراء، الإفراط في التدخين قبل طلوع الفجر لساعات طوال من قبل المدمنين على التدخين، أيضا التبذير المبالغ فيه، بحيث تحول إلى شهر رمضان شهر"تداين" لمبالغ طائلة لتحضير ألوان الطعام المتنوعة على موائدهم، لدرجة وجود سلات القمامات ممتلئة ببقايا الطعام، وعارض هذا لأنه يعمق من إحساس الفقير بأن لامكانة له بين أفراد المجتمع، مستدلا على الآية الكريمة، "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين.."، كما نبه بن بريكة إلى ظاهرة زيادة حوادث المرور قبيل الإفطار والناجمة من قيادة الشباب للسيارات بسرعة جنونية، داعيا في هذا المقام إلى ضرورة التحلي بجملة من الفضائل والتي من شأنها الابتعاد عن العادات السيئة، ومن جملة ما ذكر قراءة القرآن، التحلي بأداب وأخلاق الإسلام، إمساك الجوارح، إعطاء القدوة الحسنة لغيره من الناس، وزيارة الأرحام. منذ سنوات تحول شهر رمضان إلى شهر تتنافس فيه القنوات الفضائية على عرض أجمل وأهم المسلسلات في مختلف الأنواع الدرامية، من مسلسلات فنتازيا وكوميدي ودراما اجتماعية وبوليسية وغيرها بعد أن كان الشهر الكريم مخصصا للمسلسلات الدينية والتاريخية التي تروي سير عظماء التاريخ الإسلامي من علماء و فقهاء، فمن منا لا يذكر مسلسل عمر بن عبد العزيز وإبن ماجة والترميذي والشافعي وغيرها، وحتى المسلسلات الاجتماعية التي كانت تعرض في هذا الشهر كانت تتميز بالمحافظة على نوع من الالتزام الأخلاقي، غير أن الجديد في مسلسلات الأعوام الماضية هو عدم اكتراثها بقيمة الشهر عند العرب المسلمين موضوعا و أسلوبا، فراحت تصور القصص الغرامية وقصص الحب والشغف بكل أنواعها العصرية والبدوية والجاهلية في محاولة منها في التفنن في عرض مفاتن المراة وإثارة الأحاسيس، مستعملة لهذا الغرض الأزياء المثيرة والمكياج وغيرها من أساليب الإثارة وجذب الجمهور. وإذا كان المنتجون والقنوات الفضائية مذنبة في جعل شهر رمضان شهرا لمشاهدة المسلسلات بامتياز، فللمشاهدين دورهم في تفشي هذه الظاهرة حيث أنهم يحضرون لرمضان باختيارهم المسلسلات التي سيتفرجون عليها في مختلف القنوات بل أن بعضهم قد يخصص دفترا يكتب فيه مواعيد عرض وإعادة عرض المسلسلات المفضلة لديه ليقضي اليوم كاملا قبالة الشاشة الصغيرة بل إن الكثير يفضل أخذ عطلته السنوية في رمضان حتى يتمكن من التفرغ للتلفزيون أما النساء وبحكم انشغالهم في المطبخ فيكون السهر هو الحل عندهن فتسهرن لساعات الفجر في مشاهدة إعادة الأفلام التي فاتتها، والغريب في الأمر هو أن كل تلك المسلسلات سيتم عرضها على مدار السنة في مختلف القنوات. هذه الحالة من الاستنفار وإن كانت تبدو عادية للبعض فإنها حالة مرضية وغير صحية، بحيث أعيد برمجة العقل العربي على أن الشهر الذي يعتبر في الأصل شهر العبادات والتقوى ومراجعة النفس وفرصة لاعادة تنظيم الوقت والحياة فهو فرصة سنوية لتطهير النفس والرقي بها للافضل وهو شهر العودة إلى الصلاة والقرآن بعد هجران وشهر يستطيع فيه المدمن على العادات السيئة من التخلص منها كعادة التدخين والنوم على صلاة الفجر وكثرة الأكل وغيرها، غير أن إعادة البرمجة التي قامت بها الجهات الإعلامية جعلت من الشهر شهرا للفرجة والاستمتاع بما لذ وطاب من الحكايات واللهجات السورية، المصرية والخليجية أيضا. وقد تحدث عدد من الأئمة الذين التقتهم "الأمة العربية" عن هذه الظاهرة وانتقدوها بشدة وذلك بمجرد طرحنا للموضوع وأرجعوا الظاهرة إلى جهل العامة بالحكمة الحقيقية من الشهر الحنيف وفي المقابل صاروا يحاولون تقديم البديل بالظهور الاعلامي في مختلف القنوات حتى القنوات العامة التي تعرض فيها المسلسلات و الأغاني وغيرها. وبعد استطلاع مصغر مع المواطنيين بأحياء العاصمة ينتظر أن يحقق الجزء الرابع من المسلسل السوري "باب الحارة" االنسبة الأهم من المشاهدة في العائلة الجزائرية خاصة وأنه يعرض مباشرة بعد الإفطار حسب الاستطلاع وستعرضه قناة "أم بي سي"، وهو مسلسل يروي حكاية حارة دمشقية في أواخر القرن التاسع عشر إبان الحماية الفرنسية حيث يبين عادات العائلات وتقاليدها في تلك الحقبة وكيفية معالجة المشاكل تحت ظل "عقيد" الحارة الذي يعتبر السلطة الوحيدة التي يعترف بها السوري، ورغم أن المسلسل لاقى العديد من الانتقادات إلا أنه جذب أكبر عدد من الجمهور العربي منذ صدور الجزء الأول، حتى صار ظاهرة مميزة في حد ذاته، أما برنامج التلفزيون الجزائري فيبقى ضبابيا وغير واضح غير أن العائلات تنتظر الجزء الثاني من"عائلة جمعي" التي ستخلف على ما يبدو سلسلة "ناس ملاح سيتي".