كل شيء بدأ صباح أمس، عندما وصلتنا أنباء عن جريمة قتل بشعة راح ضحيتها طفل صغير يبلغ من العمر 3 سنوات ونصف في المدينةالجديدة ماسينيسا 5 كلم شمال الخروب.. ولم نستطع أن نتأكد من دوافع الجريمة ولا أسبابها، وحتى الحماية المدنية تعاملت مع هذه الجريمة بطريقة روتينية، بانتشال جثة طفل مجهول الهوية في مدخل 1 عمارة "و" واستدعى الأمر علينا أن نتنقل إلى عين المكان من أجل معرفة كل تفاصيل القضية. لم نكن على علم بمكان وقوع هذه الجريمة، وكل ما نملك من معلومات أن وقائعها جرت بإحدى العمارات المحاذية للسوق المغطاة، حسب معلومة تحصلت عليها .النهار. من أحد سكان الحي. وفي طريقنا إلى ماسينسيا المدينة المستحدثة مؤخرا، والتي انفجرت سكانيا في السنوات الثلاث الأخيرة، قادنا حديث روتيني مع سائق سيارة .الفرود. التي كانت للتذكير حلا اضطراريا التجأنا إليه للوصول إلى عين المكان، بالنظر إلى أزمة النقل التي تعيشها المدينةالجديدة. هذه الجريمة هزت ببشاعتها كل المنطقة التي استيقظت على نبأ واحد أخذت الألسنة تلوكه طيلة يوم أمس، وذهب في روايته إلى التأكيد على أن الصغير صاحب الثلاث سنوات ونصف راح ضحية اختطاف من طرف مجهولين اعتدوا عليه جنسيا، قتلوه ونكلوا بجثته ورموا بها قرب باب منزل أهله، وأن المنطقة أصبحت تهتز بين الفينة والأخرى على وقع محاولات اختطاف أطفال صغار، ما حول حياة السكان إلى هواجس ومخاوف. ولم نشعر بالوقت ونحن نتبادل أطراف الحديث مع صاحبنا "الفرود" إلى أن وصلنا إلى الحي الذي كان مسرحا لأبشع جريمة قتل في السنة الجديدة 2008، حيث لم يكن من الصعب تحديد مقصدنا؛ لأن وصولنا تصادف مع التحاق الشرطة العلمية في حدود الساعة الواحدة و25 دقيقة، حيث تتبعنا خط سيرهم للوصول إلى هدفنا. كل شيء كان مرادفا للحزن والأسى؛ سكوت مهيب وصمت جنائزي رغم العدد الهائل من المعزين والفضوليين. إقتربت .النهار. بهدوء وحذر من بيت الضحية الذي لم نكن نملك حتى اسمه أو الحروف الأولى، وسبب توجسنا هو أن الجريمة لم يمض على ارتكابها أكثر من ساعات، وعائلته لا زالت تحت وقع الصدمة، وباقترابنا من الباب، كانت النسوة تفترش الأرض وسط العويل والصراخ. وجهنا أحد أقرباء الضحية نحو العجوز "عقيلة. ج" التي أكد لنا أنها ستفيدنا في معرفة كل تفاصيل الجريمة، ولكن لم يكن من السهل إيجادها، أو حتى الكلام معها وهي وسط كل ذلك العويل، وبمجرد أن وصلنا إليها بشق الأنفس، وبعد أن تعرفت على هويتنا وأننا نمثل جهة إعلامية انفجرت بالبكاء واستندت على صحفي .النهار.، لترتمي علينا وهي تبكي في موقف من الصعب إيجاد الكلمات المناسبة لوصفه، وسرعان ما استرجعت العجوز التي تبلغ في تقديرنا 65 سنة شجاعتها ورباطة جأشها وروت لنا الحكاية كاملة. .ياسر حفيدي، تربى عندي في بيت جده، كنا يوم أمس فقط حول فائدة الإفطار بعد أن صمنا عاشوراء، ننتظر أذان المغرب، وفجأة دخل علينا وهو يحمل بيده قفة، ساعد جده على حملها بعد أن رافقه إلى السوق، ثم انصرف ليدخل الجد متأخرا يبحث عنه؛ لأنه كان بصدد ركن سيارته في الموقف، قبل أن يسبقه ياسر إلى البيت، ومن هنا اختفى.. لتلتقط العجوز أنفاسها وتواصل.منذ أن اختفى لم يهدأ لنا بال، لا نحن ولا الجيران.. كلنا كنا نبحث عنه، هناك منهم من لم ينم ليلة أمس، ومن جهتي أبقيت الباب الحديدي مفتوحا، لم أفقد الأمل وأقنعت نفسي أنه سيدخل لا محالة مهما تأخر الليل ومهما مرت الساعات، رغم أنه لم يسبق أن فعلها من قبل.. وتضيف جدة الضحية قائلة " في حدود الخامسة و05 دقائق من صباح اليوم سمعت ضجيجا لم استبن مصدره، وخرجت بعد إلى مدخل العمارة لقطع دابر الشك، لكني لم أجد شيئا، وعندما عدت إدراجي، سرق نظري في ذلك الظلام الدامس شيء ما في حالة سكون.. اقتربت منه، فإذا به ياسر.... لتبدأ الحاجة عقيلة في الصراخ في اللحظة التي كنا نريد أن نفهم فيها كيف وجدت الصغير ياسر والهيئة التي كان عليها، لتواصل بعد أنت استغفرت الله .لقد أسندوه إلى الحائط في وضعية الجلوس، نزعوا جواربه ولكنه بقي ينتعل حذاءه، سرواله كان مبللا في أسفله، وكأنه مر على بركة مائية، الطاقية وضعت على كل رأسه ولم يظهر من وجهه سوى فمه، عندما تأكدت أنه ميت نزعت الشال الذي كان يرتديه لأجده مذبوحا وفي ذقنه ضربات سكين، أو لم أستبن جيدا تصمت مطولا.. وهنا أدخلته إلى البيت.. وبعد أن أنهت ذكر هذه الوقائع التي تبدو للوهلة الأولى مستردة من فيلم لمصاصي الدماء، سألنا إحداهن إن كانت تستطيع أن تدلنا على والدة ياسر، حيث تكفلت بجلبها من وسط النسوة، وبعد أن قدمنا واجب العزاء للأم الشابة التي تبلغ من العمر 27 سنة "نوال. ح"، التي تكاد تنفجر من شدة ما بكت على فلذة كبدها، وبعد أن تسلحت بشيء من الشجاعة وكثير من الإيمان قالت: "آخر مرة شاهدته فيها كانت يوم الخمسي الماضي عندما قضينا السهرة عند أسرة زوجي "تصمت"، ليس لدينا أعداء، نحن أناس بسطاء، ولا أعتقد أن هناك من يطمع في فدية منا، وحتى في ساعات اختطافه لم يتصل بنا أحد، ماذا فعل لهم حتى يقتلوه بهذه الوحشية؟ إنه ملايكة ودم ابني يجب أن لا يذهب هدرا، يجب أن يظهر القتلة ويحاسبوا على أفعالهم الشنيعة؛ لأنهم وحوش وليسوا بشرا.. واكتفت بهذه الجمل المتقطعة واستسلمت للدموع قبل أن نضطر إلى وقف الحوار معها. وفي حديث مع أفراد العائلة المفجوعة، حمل بعضهم جزءا من مسؤولية هذه الجريمة إلى مصالح الأمن التي تعاملت مع الاختطاف على طريقة .خليونا ندبرو روسنا. و.سنقوم بالبحث. دون أن تتحرك بإعلان حالة طوارئ قصوى على الأقل من أجل تطويق المنطقة، ولامهم السكان أيضا على تأخرهم حتى في الحضور، حيث كان ذلك بعد أن تم إخطارهم بما حدث، وكان ذلك في حدود السادسة إلا ربع.. إحدى قريبات الضحية أكدت بالقول .لو كان الأمر يتطلب تسديد الأموال مقابل ترك كلاب البحث المتخصصة تحت تصرفنا لفعلنا ولقمنا بالعملية بمفردنا دون أن نحتاجهم.. وفي هذه الأثناء كان رجال الشرطة العلمية يتنقلون في كل زوايا مدخل العمارة وحتى في الطابق العلوي بحثا عن كل دليل مادي قد يعثرون عليه، وأسفر بحثهم بالعثور على كيس من الشمة قد تكون عليها آثار بصمات أحد الجناة تساعد في الوصول إليهم. وفي سياق متصل، فإنه علم من مصادر أمنية ونحن نضع اللسمات الأخيرة على هذا المقال أنه تم توقيف مجموعة من المشتبه فيهم من سكان الحي، سيما ذوي السوابق العدلية، وتم سماعهم وأخذ بصماته. يأتي هذا الإجراء على خلفية الجريمة في حد ذاتها والظروف التي وقعت فيها، خصوصا وأن المختطفين يكونون قد اقتادوا ياسر إلى مكان ما ثم عادوا به في وقت متأخر إلى عمارته، ما يدل على أنهم يعرفون الطفل، وهم بالتالي على الأرجح من سكان الحي. وكانت الحلقة المفقودة في كل هذه الحكاية تتعلق بالسبب الذي دعا هؤلاء لاختطاف طفل صغير لا يتعدى سنه 3 سنوات ونصف، سيما أن الأمر لا يتعلق بطلب فدية؛ لأن عائلته بسيطة، إضافة إلى كونه يقيم عند جدته العجوز التي لا حول لها ولا حيلة، فيما ذهب كثيرون من سكان الحي الذين جمعتنا بهم جلسة في أحد المقاهي المجاورة إلى التأكيد أن الأمر قد يكون له علاقة باعتداء جنسي يكون قد راح ضحيته الصغير، خاصة أنه لا مبرر غير ذلك، وهو ما يجعل الجريمة أبشع من أن توصف وأقسى من أن تكون لقطة في أحد أفلام مصاصي الدماء. ويبقى هذا مجرد تخمين، في انتظار ما تسفر عنه عملية التشريح التي تكون قد جرت أمس في مستشفى الخروب. وتعذر علينا التقاء والد الضحية صاحب 36 سنة، الذي كان في المستشفى لحظة وصولنا، لكننا حصلنا على رقمه الهاتفي وطلبناه، وكان من الصعب الحديث معه، خاصة أنه كان مفجوعا ولم يجد حتى الكلمات للرد على بعض أسئلتنا. لم يكن أكثر صبرا من والدته ولا حتى زوجته، وكان خائر القوى وهو يخرج الكلمات من حلقه، وبصعوبة بالغة حصلنا منه على تصريح قصير استهله بعبارة .حسبي الله ونعم الوكيل.، ليضيف: "أنا لم أسئ لأحد في حياتي، ولا أجد أي مبرر لاختطاف ابني الوحيد، حتى وإن كانت القضية لها علاقة بطلب فدية فنحن أناس بسطاء، ما نحصله نصرفه" وعن نتائج التشريح، أكد لنا أنها ستظهر بعد سعات، بمعنى في ساعة متأخرة من ليلة أول أمس، وعن الجنازة قال أنها ستكون في حي بكيرة ظهر اليوم. وقبل أن نعود أدراجنا، كنا قد أخذنا رأي شباب هذه المنطقة الذين حذروا كثيرا من خطورة ظاهرة الاختطافات، ووصل بهم الحد أن اشتكوا حتى لدى مصالح الأمن من أجل إشعارها بالخطر الذي يحدق بأبنائهم وإخوتهم، ومضوا في تحذيرهم إلى القول أن هناك جماعة ملثمة متعودة على هذا النوع من الجرائم، لاسيما أن ما حدث قبل 4 أيام غير بعيد عن ذاكرتهم، لما نجت فتاة صغيرة تبلغ من العمر 3 سنوات من محاولة اختطاف، وهو الكلام الذي سمعناه على لسان الكثير من السكان الذين كانوا كلهم يحذرون من أن يعاد سيناريو ياسر مرة أخرى. غادرنا بيت عائلة جنحي عسى أن يعوضهم الله بأحسن، وغادرنا ماسينيسا التي لبست رداء الحداد مع ديكور مناسب وسماء غائمة وكل سكان المدينة ينطقون بدعاء واحد. اللهم اجعلها الجريمة الأخيرة، وقنا شر هؤلاء المجرمين.