الخمسين من العمر، أرملة منذ سنوات طويلة، رفضت الزواج مرة أخرى لأتفرغ لإبني الوحيد، الذي صار شابا في الثلاثين من العمر، وهبني الله الجمال والصحة، فما زلت حتى الآن وقد دخلت مرحلة الشيخوخة يطلبني للزواج من هم دون الثلاثين، وذلك لأني أبدو أصغر من سني الحقيقي، ولا أحد يصدقني أني في العقد الخامس. رحلة كفاحي لم تكن سهلة بعدما ترملت، لأنّي واجهت الكثير من الأطماع فيما يخص ما تركه زوجي من ثروة. فحافظت عليه وجعلته يتضاعف بجهدي والخبرة التي اكتسبتها مع مرور السنوات، وقد وفرت كل شيء لإبني لكي أراه في أحسن المناصب، وبأعلى الشهادات لكنه لم يتمكن من إتمام الدراسة بعدما تعثر في اجتياز الباكالوريا مرات عديدة، فالتحق ليساعدني في تلك المؤسسة الخاصة بالتصدير والاستيراد. بدأت ألقنه مبادئ التعامل وأسس العلاقات مع المتعاملين وكنت بين الحين والآخر أسلمه مهامي، لكي اختبر قدرته في العمل ومدى استيعابه، فكان ينجح بكل جدارة واستحقاق، ما جعلني أطمئن عليه. وأمنح نفسي بين الحين والآخر قسطا من الراحة، لأنني أتغيب تحدث أثناء ذلك تصرفات لست على دراية بها، وقد تسلل الشك لقلبي عندما أصر ابني على أن لا أعود إلى المكتب، وهذا ما لم أكن أستطيع القيام به، لأن العمل هو سر وجودي واستمرارية الحياة كنت من بعيد أراقب تصرفاته، وقد أنشأ شبكة معارف يعرفني عليهم في لقاءات داخل المكتب أو خارجه، عندما كان يصر على دعوتي لمأدبة عشاء أو غذاء مع هؤلاء، ليفتح معهم الحديث عن أعمال لم أكن أفهم فحواهما، وكان يغمز لي لكي أتدخل وكنت أفعل ليبارك له أولئك الرجال مشاريعه، ويمدون له مختلف المساعدات. ظل الوضع على ما هو عليه، إلا أن جاء اليوم الذي استعصى عليه عمل ضروري ليخبرني بأن الحل بحوزتي، إذ يمكنني بابتسامة واحدة قضاء الأمر، ناقشته في الأمر، وبعدما التمس مني الرفض ترجاني فلببت له الرغبة فنال مصلحته، لكنه يا سيدتي الكريمة اتخذ من هذه الطريقة وسيلة لبلوغ أهداف، وعقد بعض الصفقات التي لا أعرف بخصوصها أي شيئ، واعتقد أنها مشبوهة. ابني بكل بساطة يستثمر جمالي لقضاء مشاريعه، ابني الذي رفضت من أجله الارتباط برجل آخر عن طريق مشروع، حتى لا أصفه باليتيم يدفعني اليوم إلى أحضان الرجال والعلاقات غير مشروعة. يحز في نفسي أن عقله أصبح لا يفكر إلا في المال، رغم أنه يملك ما يكفيه حتى وإن عمر مئة سنة، لكنه يهدي هذه الصفقات التي لا علاقة لها بطبيعة عملنا الأصلي، ماذا أفعل؟ وكيف أجعله صورة عن والده رحمه الله؟ الذي كان نزيها في مجال عمله. الرد سيدتي الكريمة أعرف جيدا أن التي طرحت مشكلتها؛ أم لإبن من أجله ضحت بأعز أيام شبابها، وحرمت نفسها من متعة الحياة حتى تحقق له رغد العيش، أعرف جيدا أن هذا الإبن بالنسبة لك هو المستقبل الذي راهنت عليه بالربح، ذلك ما كان يمرن عليك صعوبة الحياة ومرارة الوحدة، وأعرف أن رغبتك ملحة في جعله أحسن رجال الدنيا، واليوم يبدو أن أحلامك قد تبددت جراء ما ترمقه عينيك من تصرفات وسلوكات يقدم عليه ابنك، تتمنين لو أنه يفعل بعكسها. إنك محقة والأوان لم يفت بعد في تدراك الأمر، فأنت لا تزالين بخير فلماذا التنحي عن العمل، وترك زمام الأمور في يده؟ لماذا؟ تطاول عليه عندما يطلب منك طلباته السخيفة؟ ويجعل منك جليسة صفقاته المشبوهة! كان عليك الرفض ليس ذلك فحسب، بل تأنيبه وردعه عن هكذا أفعال وتصرفات. إنك يا سيدتي بعيدة كل البعد عن ابنك، رغم قرب المسافة أنت تشاهدين من بعيد كل شيئ، وتكتفين بدور الملاحظة دون التدخل، وهذا ما فتح المجال لإبنك لكي يتمادى أكثر فأكثر أشعريه بوجودك وبقدرتك على تحمل الأمور الصعبة، كما كنت تفعلين ذلك قبل بلوغه هذا السن، وأرجو أن تحافظي على نفسك كما فعلت طوال السنوات الماضية، وألا تتركي الفرصة لإبنك ليجعل منك امرأة مشبوهة، فأنت في غنى عن هذا، خاصة في سنك ووضعك الاجتماعي ردت نور