أثار مبدأ التقاضي على درجتين والذي أدرجته وزارة العدل كتعميق لإصلاحات القطاع التي أقرّها وزير العدل وحافظ الأختام، الطيب لوح، تجسيدا لمرسوم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، فتنة وغضبا غير مسبوق تشهده جلسات المحاكمة بمجالس القضاء منذ انطلاق الدورات الجنائية الحالية بداية شهر رمضان المعظم، فبين تمسّك المحامين بتأجيل محاكمة موكليهم الموقوفين عملا بالإجراء المعدل والجديد الذي يكون في صالح موكليهم، وبين إصرار المتهمين على محاكمتهم لمعرفة مصيرهم بالسجن، طمعا في الاستفادة من العفو الرئاسي شهر جوليلة المقبل، جعل المحامين يتعرضون إلى مواقف محرجة وأخرى جد طريفة، جعلتهم يعلنون انسحابهم من التأسيس والتخلي عن موكليهم، والعكس صحيح. تعرف جلسات المحاكمة بمجالس القضاء أجواء غير عادية منذ انطلاق الدورات الجنائية في موسمها الجديد لعام 2017 في سير المحاكمات، مما أثقل على قضاة الحكم التحكم في تسيير الجلسات لمعالجة القضايا الجنائية المطروحة على هيئتها، والبداية من مجلس قضاء العاصمة، أين اضطرت هيئة الدفاع من محامين متأسسين في قضايا جنائية جد خطيرة قد تكلف موكليهم السجن لسنوات طويلة، إلى التقدم بطلبات التأجيل أمام قضاة بالجلسة مباشرة بعد الإعلان عن تشكيلة المحكمة الجنائية، وهذا لتمكين موكليهم من أكبر قدر ممكن من الظفر بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم، وتوسعة أكثر لحقوقهم وحرياتهم، عملا بالإجراءات الجديدة التي أدخلت قانون الإجراءات الجزائية الجديدة ضمن الإصلاحات العميقة التي باشرها الوزير الطيب لوح، تعزيزا لقرينة البراءة، ولعل صعوبة الفهم وإيصال الفكرة من قبل المحامين لإقناع موكليهم بأن الإجراء الجديد يخدم مصلحتهم ويمنحهم فرصة أكبر للظفر بالبراءة، وهذا بسبب طمعهم في الاستفادة من العفو الرئاسي المقبل، جعل معظم المحامين يعيشون لحظات محرجة وأخرى طريفة، كان أصعبها إعلان انسحابهم من التأسيس ومغادرة قاعة المحاكمة من دون سابق إنذار. متهم في قضية مخدرات يتهم محاميه بالخيانة تشاحن متهم موقوف متابع في قضية مخدرات بتهمة المتاجرة ضمن شبكة إجرامية مع محامي تأسس في حقه للدفاع عنه، ظنا منه أنه دافع عن حقوقه في مرافعة مطولة أربكت هيئة المحكمة، بعدما تفاجأ المتهم من محاميه وهو يطلب تأجيل محاكمته إلى غاية الدورة الجنائية المقبلة المزمع انطلاقها بمحكمة الجنايات بالدار البيضاء المستحدثة، حيث قام المتهم بتوجيه اتهامات خطيرة وعلنية لدفاعه تضمنت خيانة ثقته، مخاطبا رئيس االجلسة بالتمسك بمحاكمته ولو تطلب تعيين محامي تلقائي من طرف المحكمة، الأمر الذي جعل المحامي يعلن انسحابه فورا من التأسيس ومغادرة الجلسة بعدما عجز عن إقناع موكله بأن هناك إجراء جديدا يخدم مصلحته. موقوف يبكي فرحا ويتلو إيات من القرآن بعدما علم أنه "يشارع" مرتين موقف مؤثر وطريف في نفس الوقت شهرته جلسة محاكمة خمسيني متهم في قضية جنائية تتعلق بالتزوير واستعمال المزور في محررات إدارية، وطرح نقود مزورة للتداول في السوق، أمام محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة، بعدما راح يرتل آيات من القرآن الكريم بصوت مبحوح تعبيرا منه عن فرحته الكبيرة التي انتابته سرعان ما سمع محاميه وهو يخاطب القاضي بأن موكله سيحاكم أولا أمام محكمة الدار البيضاء كدرجة أولى لمقاضاته، ثم يستأنف أمام مجلس قضاء للمرة الثانية عله يستفيد من عقوبة مخففة، كون ملفه ثقيل جدا ولابد من طلب تأجيل محاكمته إلى غاية الدورة الجنائية المقبلة، مطمئنا في نفس الوقت موكله بأن لا يحزن لأن الإجراء الجديد يتيح له الفرصة لمحاكمته مرتين. وبخصوص الموضوع، يضيف المحامي المعتمد لدى المجلس والمحكمة العليا الأستاذ "شايب صادق" أن إقرار مبدأ التقاضي على درجتين كإجراء جديد لمقاضاة المتهمين، كانت بنية من المشرع في جعل المحاكمة على درجتين محاكمة عادلة تتماشى والقوانين الجزائرية والمعاهدات الدولية، ووعي كامل لترشيح دولة القانون، وفرصة لتجنب الأخطاء القضائية، ولعل ما يحدث اليوم بمجالس القضاء من خلال تمسك بعض المتهمين بمحاكمتهم خلال الدورة الحالية من دون تأجيل محاكمتهم إلى غاية الدورة المقبلة، له عدة دلالات، من بينها شعور المتهم بالثقة في دليل براءتهم، كذلك رغبة البعض في التخلص من مرحلة الانتظار بالسجن كونها تمثل مرحلة عذاب بالنسبة إليهم، فضلا عن سبب آخر وهو أمل بعض المتهمين في الاستفادة من العفو الرئاسي رغم إيمانهم بأفعال الإدانة الثابتة في حقهم.