عاش عشاق الكرة المستديرة يوم الأربعاء الماضي حالة من الهستيريا، بعدما أصيبوا بصدمة اثر التأكد أن نهائي دوري أبطال أوروبا الذي جمع بين برشلونة ومانشستر يونايتد، لن تبث على المباشرة في سابقة تعد الأولى منذ مدة، أين اعتاد الجمهور الرياضي الجزائري على متابعة أكبر نهائي قاري للأندية دوما على المباشر، والأكثر من هذا أن معلق المبارة عندما انطلق البث على اليتيمة، راح يعلق على اللقاء وكأنه مباشرة من روما، رغم أنه في ذلك الوقت كان رفقاء ميسي يتسلمون الكأس، ولم تكلف التلفزة الوطنية نفسها حتى عناء الاعتذار للمشاهدين. وبالعودة قليلا إلى الوراء، وبالضبط إلى يوم الجمعة الماضي، التوقيت العاشرة والنصف ليلا ، المكان قاعة الإستقبال في البيت، الموعد حصة "المرمى" على الشاشة الصغيرة والحدث نهائي كأس الجزائر، حدث بأتم معنى الكلمة وبكل المقاييس يغطى بطريقة أقل ما يقال عنها أنها سيئة، حيث لم تخصص له سوى 10 دقائق من التغطية لا أكثر ولا أقل، وفوق ذلك قال المذيع :"شكرا لزميلنا ميروح على هذه الصور" وكأن المصورين والمخرجين الذين يتلقون الشكر والثناء على شاشاتنا الصغيرة، أكثر مما يتلقاه مسجلو الأهداف، هم من إخترعوا "الكاميرا"، أو هم من أرسلوا الأقمار الصناعية، حصة كهذه نموذج صريح لمدى ضحالة نوعية الحصص الرياضية المقدمة، وفقرها من الإحترافية في تلفزيوننا الجزائري، وكانت الذبابة التي رافقت توزالين في إعداد هذه الحصة، وهو الذي كان يحاول إبعادها بكل الطرق، تريد أن تقول للجميع أن "حجمي هو حجم التلفزيون الجزائري، مقارنة بتلفزيونات الأشقاء العرب"، حتى لا نتحدث عن الأوربيين الذين يفوقوننا بقرون ضوئية. كم يصغر المرمى يوم الأحد الرياضي؟ ولع الشعب الجزائري بكرة القدم لا يوصف، فهو ولع غير طبيعي، ويتجلى هذا بعدد الممارسين لهذه الرياضة، وعدد النوادي، في مختلف الأقسام، هناك مباريات محلية في الجهوي (القسم الرابع)، تجلب حتى 8 آلاف متفرج (مباريات إ.م.خنشلة، أ.المدية، وأ.الأربعاء)، عطش مثل هذا لم يجد طريقة يتم إرواؤه بها، ف "اليتمية" لا توفر إلا الحد الأدنى من الخدمة، وتكتفي بمقابلات القسم الأول، وبعض مقابلات القسم الثاني التي لها أهمية قصوى، وكأن الأمر يتعلق بنشاطات لا تثير إهتمام أي كان، قد يقول قائل أن الأمر يعود لكون "اليتمية" بلا أخت شقيقة، ولو كانت هناك قناة ثانية وثالثة، لكان يمكننا أن لا نلومها، لكن الجواب يأتي سريعا من قناة "تونس 7" التي هي القناة الرسمية للدولة الشقيقة، والتي انطلقت متأخرة عن قناتنا الوطنية ب 10 سنوات (تأسست سنة 1966) و لديها حصة "الأحد الرياضي" التي لا تترك صغيرة وكبيرة إلا أحصتها، حصة ممتعة شيقة، تدوم أكثر من ساعتين، صارت ملاذا لكثير من الجزائريين الذين صاروا يعرفون عن بطولة الجارة الشرقية، أكثر مما يعرفون عن بطولتهم، وإذا كان لا يوجد أي وجه للمقارنة بين الحصة التونسية و"المرمى"، فإن الحصة الأخيرة من المنطقي أنه لا يمكنها أن تقدم أي شيء، في وقت أنها تدوم 26 دقيقة فقط، فنقل 10 مقابلات (8 من القسم الأول ولقاءين من القسم الثاني)، يجعل بعملية حسابية تغطية كل مباراة لا تدوم أكثر من دقيقتين، فماذا تكفي دقيقتين لنقل مقابلة، لا سيما إذا حملت 4 أو 5 أهداف، إن لم تكف فقط لمشاهدة صور الأهداف ولا شيء غير ذلك، وبما أننا فتحنا القوس للحديث على جيراننا التونسيين، فإن قناة "حنبعل" الخاصة، كانت نقلة في الإعلام، بما أنها صارت تنقل حتى ما يدور في غرف الملابس، وفي الغرف المغلقة، وتنقل للمشاهد ما لم يره من على المدرجات، فأين نحن من حلم القناة الرياضة الخاصة؟ ياحي أول من حارب الجهوية، والمحمدية ضحية "اليتمية" بإمتياز ويعرف الجميع أن تقسيم المساحة الزمنية الصغيرة التي يستفيد منها القسم الرياضي على مختلف النوادي، يحمل الكثير من النزعة القبلية والجهوية، فكيف نفسر عدم نقل أي مقابلة متلفزة هذا الموسم من ملعب 1 نوفمبر بباتنة؟! في وقت نقلت المباريات من كل الملاعب العاصمة حتى من زيوي، هذا الإقصاء هو تقليد قديم، جعل الرئيس الأسطوري لإتحاد الشاوية عبد المجيد ياحي، يمنع كاميرا التلفزيون من الدخول مرات كثيرة في العشرية الماضية إلى ملعب زرداني حسونة، وقد عاد لهذا الموقف مصرحا لنا قبل أشهر قليلة، أن هذا "التلفزيون عاصمي، ولا يهتم بإتحاد الشاوية أو بأي فريق آخر، إلا عند حلول فريق له حظوة عند مسؤولي التلفزيون"، في وقت ياحي لم تكن القوانين تعاقب بالخسارة على البساط الفريق الذي يمنع الكاميرا من الدخول إلى الميدان، كما وقع لسريع المحمدية الذي إحتج بعض مقربي إدارته على "الحڤرة" التي تمارس ضد فريقهم، وسبب عدم حضور الكاميرا إلا في المقابلات الكبيرة، كما حدث أمام "الكاب" لتخرج الكاميرا ويعاقب "الصام" بخسارة نقطتين بعد نهاية اللقاء بالتعادل، فكانت الخسارة خسارتان (خسارة التغطية وخسارة النقاط)، وأمام هذا القانون الجديد، فإنه لم يبق لرؤساء الفرق عندنا سوى الرضى بالواقع، وترك الكاميرا تدخل وإلا ستكون العقوبة ثقيلة جدا جدا "شكرا على الصور، وعفوا مصورنا لم يلتقط الهدف" في كثير من الأحيان لا يعاقب المصورون على الخطأ المهني بعدم تصوريهم لقطات أهداف، حيث صارت العادة أن يجد المعلق العذر لزميله بالقول :"..وسجل الهدف الذي لم يتمكن مصورنا من إلتقاطه"، لتصبح هذه العبارة حجة للجميع، فيعجز هذا التلفزيون في هذه الحالة، عن نقل حتى الحد الأدنى من الخدمة، حارما مشاهديه من ذلك، حيث أن من لا يشاهد المباراة في الملعب قد لا تفيده صور "اليتيمة"، سوى من مشاهدة لقطات عابرة مصورة بطريقة رديئة للغاية، وعلى ذكر التصوير؛ فإن المقابلات التي تنقل مباشرة ورغم التقنيات التي يقال أنه تم إدخالها، وكذلك الحديث عن إدخال الرقمنة إلى التلفزيون، إلا أن مقابلة في البطولة الجزائرية لو نشاهدها في نفس الوقت في قناة أخرى (آرتي أو دبي الرياضة)، تظهر الصورة من موردها الأصلي، وعلى "يتيمتنا" أقل وضوحا ونقاء، كما أني شاهدت مؤخرا مقابلة إتحاد عنابة ورائد القبة على الشاشة الصغيرة، حيث بقيت 20 دقيقة أنتظر لأرى نتيجة المقابلة، وحتى الصحفي نسي أن يذكر بالتوقيت، ولا لوم عليه، ما دامت كل تلك الشاحنات التي تتنقل إلى الملعب وكل جيوش العمال، لا يتمكنون كلهم من وضع الوقت والنتيجة على الشاشة، مادام لهم التنقيات لوضع كلمة "مباشر"، ومادمنا بصدد الحديث في المباريات المتلفزة التي تنقل مباشرة، فإن تبادل الثناء المتواصل على المخرجين مثل "شكرا لزميلنا عزيز شولاح على هذه الصور.."، وغيرها، صارت عبارات إعتيادية يكررها المذيع كلما تعاد اللقطة، وكأن المخرج مع إحترمنا لكل المخرجين- يأتي بشيء خارق للعادة عندما يقوم بعمله الذي يتقاضى أجرا مقابله. ملاعب العالم وكأننا في "وقت الإحتلال" فقدت حصة "ملاعب العالم" شعبيتها، حتى أن كثيرين شطبوها منذ سنوات من مفكرتهم مساء كل إثنين، ليس لأن حفيظ دراجي قد رحل عن القناة الوطنية وعن البرنامج الذي إشتهر به، ولكن لضحالة مستوى هذه الحصة، وما يقدم فيها، فمن كان يصدق أنه سيصل بنا يوم ونحن في العشرية الثالثة، إلى نقل صور من بطولة إثيوبيا وبعض الدول الإفريقية المختلفة عنا كرويا، كما أن أكبر كارثة هي أن التلفزيون الجزائري لا زال يستغبي مشاهديه، ويتجاهل أنه يوجد في بيت كل جزائري، أكثر من هوائي مقعر (ليس فقط واحد في البيت) حيث تنقل صور من مقابلات كأس رابطة أوربا التي تلعب يوم الثلاثاء بعد 6 أيام من موعد اللقاء، وكأننا في زمن إكتشاف التلفزيون، رغم أن كثيرا من الجزائريون يشاهدون تلك اللقاءات في وقتها ببطاقات الإشتراك أو من القنوات المقرصنة من "التور"، وقد صار محتوى هذا البرنامج يوحي وكأننا لا زلنا نعيش تحت الإحتلال، ولو أنه إحتلال من نوع آخر وهو إحتلال لرغباتنا وفرض أشياء علينا بالقوة. محللون "معريفة"، و الجزائر مصر وكأن اللقاء لا يعنينا بالإضافة إلى هذا وذاك؛ سبق للمدرب عبد الكريم لطرش أن لام بشدة القائمين على القسم الرياضي في التلفزيون الرياضي، حيث قال أنهم يستعينون بمحللين نكرة، ليس لهم باع كروي، فمن منا لا يشهد أن هناك مدربا عاصميا صنع شهرته بالتحليل والمتاجرة بالكلام، ومن منا من رؤساء فرق القسمين الأول والثاني يعترف بقدرات المدرب توفيق قريشي الذي يظهر بسبب ودون سبب، في وقت أن هناك مدربين من طراز بوعراطة لا نراهم في البلاطوهات المركزية، بعد أن صارت "المعريفة" هي جواز المرور، ولو أنه ليس لهؤلاء ما يحللونه، مادمت مقابلة الجزائر مصر وقبل أقل من أسبوعين عن موعدها، وكأنها لا تعنينا، بل وكأن تلفزيوننا يمثل دولة موريطانيا، فلا حديث عن هذا اللقاء، حتى تحولت القنوات المصرية وبالأخص قناة "الحياة" ملاذا للجزائريين، ليحسوا بأهمية هذا اللقاء وحساسيته، ولو من وجهة نظر مصرية مليئة بالتبجح والإستكبار، وكانت القنوات المصرية المختلفة "المحور"، "الحياة" و "دريم"، قد عوضت القناة الجزائرية الوطنية لما قامت بمحاكمة على المباشر لحسام حسن وشقيقه، على ما بدر منهما من تصرفات رعناء في بجاية، وكان ذلك إنتصارا للإحترافية و ضربة للتلفزيون الجزائري الذي أصدر مسؤولوه تعليمة مفادها أن الحصة التي لا تملك إشهارا تتوقف فورا، إذ صار في زمن المعاني المقلوبة، الإشهار هو علامة حياة الحصة وليس مقاييس أخرى، ليبقى تلفزيوننا بعيدا كل البعد عن مقاييس الإحترافية الحقيقة، وبحاجة إلى ثورة حقيقة من الصفر، تراعي حاجيات المشاهد الجزائري الذي لا يقيمه أحد، ومن علامات "قلة إحترامه" أقل شيء وهو الإلتزام ببث الحصص الرياضية في مواعيدها.