يا عيني ادمعي ويا نفس اسمعي وياناس رددوا معي، ماذا أخذت من من هذه الدنيا؟ التي أتعبت من كانوا قبلنا وأجهدتهم ولم يخرجوا منها، إلا محمولين على الأكتاف، محملين بأعمالهم، فمنهم مستريحٌ ومنهم مستراحٌ منه، لقوله ''صلى الله عليه وسلم'':'' عندما مرَّ عليه بجنازة فقَالَ: ''الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ''. هي الدنيا...التي عشقها ذلك الرجل فأغوته وأنسته حق ربه وحق أهله وأبنائه، وأنسته أيضا حتى في سيدتها الآخرة، وعاش طيلة حياته فاسدا مفسدا لم تجد له ابنته الأخت، من أم بواقي محاسن تذكرها في رسالتها، فعفوا يا رسول الله ''صلى الله عليك وسلم''، يا من قلت لنا ..أذكروا محاسن موتاكم. كان أباها رجلا فاسدا، ظلمهم كثيرا هي وأمها وأخواتها، وحتى أبويه لم يرحمهما كما ربياه صغيرا، ولم يكن يهمه سوى المال الذي ورثه من والده بعد موته، وبعد عناء طويل عاشه معه، حيث كان يضربه في آخر أيامه ويدخل إلى البيت سكرانا، ويقول لوالديه كلاما لا يقال حتى في الصدور، مات أبوه وهو غير راضٍ عنه، ولم يسامحه قبل موته، لكنه للأسف، لم يكن يهمه إلا المال لكي يرثه بعد موته، كما تقول ابنته في رسالتها... الرسالة... ''كان له ذلك وورث عن جدي تركة معتبرة، لكنه سرعان ما راح يبيع كل شيء، وصرف ثمنه يمينا وشمالا في الخمور والنساء والقمار، ولم يترك منه سنتيما واحدا، وعندما أفلس، قرر بيع البيت الذي كنا نسكن فيه، فباعه لعمي الأكبر بدراهم معدودات، واشترى لنا بيتا آخر أصغر منه، وصرف ثمن البيت الأول في شر الأمور، وأصبح بعد ذلك يحضر أصدقاءه إلى البيت ليشرب رفقتهم الخمر على المائدة، ويرغمنا على خدمتهم نحن البنات وأمي كذلك، عانينا معه الكثير، وكان يضربنا بغير سبب ويضرب أمي وجدتي التي قررت الذهاب للعيش مع ابنها الأكبر من كثرة المشاكل، وذات يوم، جاء رجل ليخبرنا بأن ذلك البيت لم يشتريه منه أبي، وإنما أجره له لمدة عام وانتهت المدة، وطلب منا الخروج، وأبي رحمه الله، على كل حال، لم يحرك ساكنا، وطلب منا أن نتدبر أحوالنا، ولم نجد سوى بيت عمي الذي باعه له أبي، فسلمنا المفاتيح وبقينا فيه رفقة أمي وجدتي، ومنِع أبي من دخوله، بقينا لوحدنا وكان عمي يتكفل برعايتنا وتسديد حاجياتنا، أما أبي، فلم نره منذ ذلك اليوم، وسمعنا بأنه هرب من كثرة الديون في الملاهي والخمور، لم تصلنا عنه أي أخبار لمدة أكثر من ثلاث سنوات، وكنا نظن بأنه قد ذهب للعيش في الخارج، وفي الشهور القليلة الماضية، وصلنا خبر مفاده أنه كان يعيش هنا في الجزائر، وبأنه تعرض لحادث مرور ألزمه الفراش، والذي أخبرنا بذلك، هي زوجته الجديدة التي تزوجها أثناء غيابه عنا، وأخبرتنا بأنه في حالة يرثى لها، ويعيش في بيت أحد أصدقائه بغرب الجزائر، طلبنا الإذن من عمي لكي نحضره إلى البيت، فأخبرنا هذا الأخير، بأن البيت مكتوب باسم أمي وبأنه فعل ذلك دون أن نعلم، لكي يحفظ لها حقوقها، فاسترجعت أمي عقد الملكية، ووافقت على إحضار أبي إلى البيت، وعندما أحضره عمي رفقة صديقه، اكتشفنا بأنه أصبح مقعدا بسبب ذلك الحادث، ومنذ ذلك اليوم، لم يتكلم معنا ولا مع أحد آخر، وكان لا يخرج من غرفته بعدما توقف عن تعاطي الخمر، كنا نأخذ له العشاء والفطور، وتساعده أمي على قضاء حوائجه، من استحمام وغيره، حتى وصل ذلك اليوم الذي دخلنا فيه الغرفة ووجدناه بين يدي الرحمان، حاولنا معه رفقة جدتي التي كانت معنا وساعدناه على لفظ الشهادة، ولم يكد ينطق بها حتى سامحناه جميعا، فشهد وارتاح من سوء عمله، وأنا شخصيا لم أسامحه من قلبي، نظرا لما فعله بنا جميعا، وبقيت أبغضه حتى الآن، ولا أحب أن أتذكره أو أن أترحم عليه، ولهذا، قررت أن أراسلك أخي فيصل، لتقول لي ما عساني أفعل، وهل من حقي ألا أسامحه؟، وكيف أنسى كل ما فعله بنا؟!، خاصة عندما أتذكر بأني كنت أخدمه هو وأصدقاءه، الذين يستهزئون بي وبأمي أمامه دون أن يحرك ساكنا؟!!''. الرد: ''رحمه الله إن شاء سبحانه وأنا أقدر الألم الذي تشعرين به، وألم أمك وأخواتك وجدتك، فليس بالأمر السهل أن يعاني الإنسان الأمرّين من أقرب الناس إليه، وأن يظلمه ذلك الذي كان يجب أن يرعاه، لكن صراحة، أنصحك بالرغم من كل شيء، أن تسامحي، لأن المسامح كريم، وينسى همومه، لكن غير المسامح، يصعب عليه النسيان ويبقى دائما يسترجع أسوء الذكريات، مما يفسد عليه حياته وحياة كل من كانوا حوله، ولو كان حيًّا، لقلت لك عكس ذلك، عسى أن يتغير أو يتوب، ولكن، بما أنه مات، فاعلمي أنه بين يدي الرحمان، وعليك أن تفوضي أمرك لله سبحانه وتعالى، ولست تعلمين ما إن كان قد تاب قبل موته أو لعله صلى تلك الليلة، أو ذكر الله. وزيادة على هذا، فقد نال عقابا شديدا في حياته، وحرم من عائلته، وعاش الأمرين، وتعرض لحادث ألزمه الفراش، فكل هذه عقوبة قد نالها، ومهما تعرضتي أنت للسوء، فلم تتعرضِ أكثر منه، لأنه كان يتعذب من بعده على الله، ولا تحسبي أن الذئب ينام مرتاحا، بعدما يفعل المنكرات، وإنما يبيت طوال الليالي يعوي من شدة الألم والحزن، سامحيه لعلك تخطئي في حياتك، فتجدي من يسامحك والله أعلم. ولكل إنسان غرَّت به هذه الدنيا أهدي هذه القصيدة التي كتبتها وسميتها... قصيدة: واش أديت؟ تبعتها وفيها شدّيت تلقت ديني وعصيت ربي وملي تبعتها واش اديت؟ من غير همي وحزني وعذابي حصرا معاها مدى عدّيت ضيعت عمري صغري وشبابي شحال وقات معاها قضيت وباقي ديما ماشي فلعبي من بعد زعما كلي بديت نكبر ونفيق وندير حسابي شحال مكتاب وكتاب قريت بصح عمري ما قريت كتابي عمري حسبت ولا دريت واش اديت لتحت ترابي من هاذ الدنيا الي حبّيت وكان متعلق بيها قلبي يا درى منها واش اديت ويا درى حتى تستهل حبي ولا كنت غير شديت في خيط راشي وكل شي مربي يا إلاهي أنا إلي فنيت عمري كامل عاصي ربي لعبت وزهيت وشحال مدّيت وفاللّخر هكذا كان جوابي تعبت وطحت وتهديت سماط قوتي وسماط شرابي سماطت الدنيا ودركا خذيت الدرس اللّخر وغلقت كتابي غسلت طرافي وتوضيت رفدت كتابي حطيتو جنبي وقعدت غير وحدي في بيت نقلّب أو نقرا فذنوبي وعيوبي حصراه شحال شحال عدّيت نشفى ملي كنت صبي كيف كبرت وكي تربيت وكيف قضيت عز شبابي كنت صحيح أو ما صليت وليوم خلاص فشلو ركايبي كنت قادر أو ما قضيت دين صيامي ودين جيوبي سمعت الحج أو ما لبيت بصّح للزهو كنت نلبي طريق الحق عنو صدّيت بقلب حديد عصيتك ربي وليوم رشيت وتصدّيت ولهاذ الساعة ما درتش حسابي ساعة ضعف وحدي في بيت بيني وبينك سيدي ربي جيت في سترك وتخبيت عسى انت الي تستر عيبي وكل ذنوبي وما عبيت فوق ظهري ظاهر ومخبي مهاذا الدنيا أنا عييت ودرك خلاص دخل من بابي ملاك الموت وليك ناديت يا ربي لا تخيّب طلبي جيتك غير وحدي في بيت ما كان أمي ولا أبي ما كان ولادي إلي ربّيت ما كان خاوتي ولا صحابي ما كان زوجتي إلي حبيت ما كان أهلي ولا نسابي ما كان مالي إلي خبيت واحد ما لقيتو جنبي غيرك أنت إيلا حبيت ترحمني وترحم قلبي وكل ذنوبي وما عبيت فوق ظهري ظاهر ومخبي راهم دخلوا أهلي للبيت لقاوني خلاص في حكمك ربي آخر بلا بيه اتبليت شهدت بربي وبالنبي العربي سلمت عليه أو صلّيت بلساني وحتى بقلبي حسيت من روحي تشديت وكلي راهي خارجة من صلبي شدّيت شدّيت وتحديت وأهلي يشربولي فشرابي ما شربولي عاودت ردّيت وكل شي دار على قلبي قبلت الحق وبيه رضيت بلّي لحقت ساعة غيابي شفت الروح طالعة ودريت راهي رايحة تقابل ربي رفدت عيني معاها وبقيت نسمع فالنواح والبكا جنبي زادلي عذابي وقلت يا ريت يترحموا خير ينقصولي عذابي جابولي الطبيب وما ظنيت راح اليوم ينفعني طبيبي أنا متّ خلاص وفنيت كل شي فاني ويبقى ربي حطوني وحدي وتخبيت وجابوا اللواح حطوهم قربي ودخل المغسل عندي للبيت فردني وحدي ونزعلي ثيابي غير الماء وما كان حديث غسّلني ثلاثة ودعالي ربي جيبو لكفن يا أهل البيت ولبّسني ثياب ماهمش ثيابي كفنوني وهكذاك بقيت وبداو يلحقوا أهلي وقرابي جيراني إلي معاهم عدّيت صغري وخاوتي وكل صحابي على ظهورهم اتعبّيت صندوق حطب هو مركبني خارج رايح أو خليت كل شي ورايا وانا معبّي غير بفعلي إلي اديت كان إيجابي ولا سلبي رايح كرهت ولا حبيت لوكان ماللول درت حسابي منك يا الدنيا واش اديت؟؟ يالي كنتي عليا تكذبي يالي حبيتك وفيك شدّيت ومتستاهليش حتى حبي ومن بعد لتم كلي حسّيت واحد ينوض فيا من جنبي ويقولي إنشاء الله خير ما ريت كانت رؤيا بعتهالي ربي باش يفكرني لا كان نسيت الشي الي راهو ليا مخبّي مهما عشت ومهما حييت ميت... ميت ... والباقي ربي تأليف فيصل كرشوش كل الحقوق محفوظة نظرا لكثرة الطلب حولها.. ترقبوا هذا الأسبوع قصة ''الخاتم'' بكل تفاصيلها وقصائدها وآخر مستجداتها.