ومن الناس من يهابهم حتى عند كبره، بالرغم من أنهم مجرد شخصيات خيالية وأساطير لم نراها بأم العين، لكن نحن في بلادنا لسنا بحاجة للأساطير لأنها من تقاليد الشعوب التي لا تاريخ لها وبالتالي تختلق تاريخا وأساطيرا ترويها العجائز للصبيان، وإنما نحن نعيش مثل هذه الأمور يوميا كما عاشها آباؤنا أثناء الإستعمار، ورأوا الأشباح الحقيقيين يهجمون عليهم في بيوتهم ويأخذون أرواحهم وممتلكاتهم ويقتلون أقاربهم وأهليهم أمام أعينهم، ومهما قصت علينا العجائز فلن تنتهي قصصهن الحقيقية والواقعية التي عاشها آباؤنا في ظل الإستعمار الفرنسي، ونحن جيل ما بعد الإستقلال لعلنا لم نحضر هذه المرحلة من الدمار والجحيم على يد الإستعمار، لكننا عشنا مرحلة تشبهها مع بني جلدتنا وأبناء بلادنا وأبناء آبائنا وأمهاتنا في بعض الأحيان، حيث أصبح المرء يدّعي الإسلام ويقتل أخيه المسلم دون رحمة ولا شفقة ولا خوف من الله سبحانه وتعالى، لقد رأينا الكثير والكثير ودام ذلك لسنوات وسنوات ومع أن الوضع حاليا استقر كثيرا مقارنة بتلك السنوات العشرة التي لا تكاد تُنسى ولازالت آثارها راسخة في أذهاننا وجراحها عالقة في أعماق قلوبنا، وبعض الناس مازالت الدموع في أعينهم من هول ما رأوا ومن عزة ما فقدوا ومن صعوبة ما عاشوا ومازالت آثار الصدمة لم تمح بعد، ومن بينهم هذا الأخ يذكر في رسالته تجربة سمعنا بها جميعا فتأثرنا، لكن هو كان طرفا فيها، حيث يقول في رسالته بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...؟؟؟ لست أدري من أين أبدأ رسالتي، أخي فيصل أريد أن أعبر لك أولا عن تأثري بما تقوم به وخاصة عندما اطلعت على مشوارك المهني وما عانيته قبل أن تلتحق بجريدة « النهار » التي كشفت حقيقة ما حدث لك وكيف قاومت أعداء النجاح، فصراحة أنا معجب جدا بشخصيتك. في الحقيقة أنا في حيرة من أمري وبعد تردد كبير وبدافع غيرتي عن ديننا الحنيف قررت مراسلتكم، لأن القضية التي سأطرحها عليكم تستحق الإهتمام ، حدث كل ذلك في ظرف قصير جدا وأتذكر حتى التاريخ وسوف لن أنساه أبدا، كان يوم ثلاثاء في التاسع عشر من شهر أوت سنة 2008 يوما أسود في حياتي وفي حياة كل مسلم غيور على دينه وعلى إخوانه، يوم سجله التاريخ بقلم الموت وحبر الدم على أوراق بيضاء بريئة وكانوا كلهم شباب في مقتبل العمر ولا ذنب لهم، إنها تفجيرات يسّر في ومرداس 2008، تلك الفاجعة التي عشتها وشاهدتها وكنت متواجدا آنذاك في المدرسة العليا للدرك الوطني حيث كانت حقا مصيبة ، فبعد رفع العلم الوطني وانتهائنا من نشيد قسما وقولنا، فاشهدوا..فاشهدوا ..فاشهدوا حتى انفجرت قنبلة من سيارة مفخخة وحدث كل شيء في لمح من بصر وتسببت في العديد من القتلى والجرحى، كلهم كانوا شبابا لا ذنب لهم إلا أنهم جاؤوا من أجل البحث عن وظيفة يقتاتون بها، وكان ذلك اليوم خاصا بالإنتقاء النفسي والفحص الطبي، وكانوا ينوون الإنخراط في صفوف الدرك الوطني من أجل حماية البلد والشعب من الشر والدفاع عنهما ، لكن للأسف حدث ما حدث ... في بداية الإنفجار انبطح الجميع أرضا بما فيهم أنا، وكنا في انتظار المزيد من التفجيرات المجهولة والجبانة، من أعداء الله والأمة والإسلام والبشرية جمعاء، ما عساني أقول..كانت عملية إرهابية انتحارية ...حسبي الله ونعم الوكيل، من قُتل فقد قُتل ومن جُرح فقد جُرح ومن صُدم فلا يزال مصدوما إلى غاية اليوم، وشكّل لنا ذلك الإنفجار فاجعة وترك لنا أثرا عميقا في نفوسنا ، وجروحا بليغة في قلوبنا، وأنا شخصيا وكل إخوتي العساكر ما زلنا نتذكر الفاجعة ونتذكر عندما كنا نحمل رفات القتلى وبقايا أجسادهم المبعثرة في كل مكان، صدّقوني ...حتى الشجرة التي كانت أمام مركز الحراسة صارت مليئة بالدماء وببقايا إخواننا الشهداء رحمهم الله، لست أدري إن كنتم تتحملون ما أقول لكن أنا رأيته بأم عيني وعشته كذلك، لقد كانوا مبعثرين فالعين في جهة والكتف في جهة أخرى والقدم هنا والأذن هناك ، وأتذكر أحدهم جاء مع والديه من أجل الفحص، وحينئذ توجه نحو المقهى المقابل ليرتشف قهوة وعندما رجع وجد كل زملائه قتلى، ففزع وكاد أن يصاب بالجنون، أرجو منك أخي فيصل أن تكتب قصيدة تندد فيها بمثل هذه الأفعال الجبانة وتنصح فيها شبابنا المغرر به أن لا يسير في مثل هذه الأعمال وشكرا. أخوكم بشير من تلمسان الرد : كان الله في عونك أخي العزيز وأطال عمرك على طاعته سبحانه، في خدمة شعبك وأمتك وإخوانك المسلمين، وكما أمّنت الناس من خوف الدنيا إن شاء الله ستعامل بالمثل ويؤمنك الله من خوف الآخرة يوم لا أمن غير أمنه سبحانه، ورحم إخواننا الذين قتلوا في سبيله ونحسبهم إن شاء الله أحياء عند ربهم يرزقون، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، إنها حقا فاجعة ألمّت بنا جميعا وكان لها علينا وقع خاص، لكونها حدثت بعدما كنا نحسب أن الوضع قد استقر فكانت مفاجأة مؤلمة ، وأقدّر شعورك لأننا مهما تخيّلنا الوضع فلن يكون مثلما عشته أنت مباشرة، وكنت طرفا فيه وكدت أن تكون واحدا منهم لو لا أن الله سبحانه وتعالى أراد لك العيش أكثر، ولهذا عليك أن تحمده سبحانه فمهما كان ومع أنه حق إلا أنه كره لنا وخاصة موت الغفلة أو الغدر، لكن هؤلاء لا نحسبهم أمواتا ولا نقول أموات وإنما نقول كما علمنا الله سبحانه وتعالى بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ولا تقولوا لمن يُقتَل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}، ولهذا أظنهم في سعة من أمرهم عند عزيز مقتدر سيأخذ بحقهم ويحاسب من فعل ذلك حسابا عسيرا وكأنه قتل الناس جميعا لقوله بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . « مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ » . فهؤلاء الناس هداهم الله لا وعي لهم ولا ضمير ولا دين، وقد قتلوا من قبل الصبيان والنساء والشيوخ.. ولو أن القتل حرام حتى على الكافر إن لم يعتدي علينا وإن كان مسالما غير معتدي أو مؤتمنا مثل السائح أو الزائر أو معتمدا مثل السفير والرسول، أو الذميم الذي يقطن معنا وله دين آخر وحتى المعتدي، علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في إحدى الغزوات « انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » فلست أدري صراحة لأية ديانة ينتمي هؤلاء الأشباح الذين لم يتركوا حكما إلا وخالفوه ولم يتركوا كبيرة إلا وارتكبوها وأكثر من هذا ينسبون أنفسهم إلى الإسلام من أجل تشويه صورته وهو بريء منهم كبراءة يوسف مما اتهم به، ولك القصيدة التي كتبتها مباشرة يوم وقوع الحادث الأليم وسميتها الأشباح. الأشباح ربي راني حاب نرتاح راني حاب نقولك كلمة راني حاب نطلب السماح على ما دارت الناس الظالمة العرض انتهك والدم ساح وتعدّاو كل حاجة محرمة وفاللخر الموس اتنمسح فديننا ولصقوا فيه التهمة شبان صغار خرجوا صباح رايحين يحوسوا على خدمة طامعين فيك باش تفتح طالبين الرزق وطالبين النعمة لوكان مساكن كانوا ملاح وعلاش يشقاو للعاصمة كل شيء كان عليهم واضح فقراء عايشين في غمة لمخير فيهم مزال ما رتاح لحقوا وما كلاوش حتى لقمة الناس فديارهم في لمطارح وهوما برى مغطيين بالظلمة واحد يفكر غير باش ينجح فالاختبار ويبدى الخدمة ويقول هكذا باش بابا يريّح ونردلو الخير هو ويما واحد باباه كان فلاح انسان زوالي حتى لتما كي يسمع حي على الفلاح يصلّي ويرفد القادومة قرّى وليدو حتى نجح ولما كمّل ختار مهمة قرر باش يرفد السلاح يولّي دركي يدافع الأمة لكن المكتوب هكذا طاح انو هو يتنقتل لتما على يد هاذوك الأشباح الّي ما عندهم دين لا حرمة دينهم هو دين السلاح واحنا ماشي كيما هوما احنا ديننا دين السماح دين الحب ودين الرحمة قريب خمسين واحد طاح كامل ماتوا رجال عالذمة شهداء تاع الصح عرسان يوم القيامة أما قتّالين لرواح ما رايحين يربحوا ليوما ولا يطل عليهم الرباح ومصيرهم نشالله جهنّمَا تأليف فيصل كرشوش كل الحقوق مجفوظة