الفنان السوري عباس النوري من أهم الفنانين العرب، ومن أشهر أعماله "الاجتياح"،"باب الحارة"،"البيادر"،"أبو جعفر المنصور" و"أولاد القيمرية"،و"ليس سرابا"، زار الجزائر بمناسبة الوقفة التي نظمت من أجل غزة، وكان بحق سفيرا مميزا لبلده، وفي هذا السياق، التقت "المساء" به وطرحت عليه أسئلة متنوعة عن الفن وعن غزة أيضا فكان هذا الحوار. - وأنت تشارك في وقفة الجزائر مع غزة، هل تعتقد حقا أن خلاص غزّة لا يتأتى إلاّ من اتحاد العرب فيما بينهم أم أن القضية قضية فلسطينية بالدرجة الأولى؟ * أعتقد أن الجوهر الحقيقي للأزمة في قضايانا الكبرى أظهر تماما أنه يبدأ عموما من فلسطين، يعني كل الانقسام العربي سواء كان في سياسات الحكومات أو سياسات الأحزاب أو غيرها عبارة عن انعكاس لما يحدث من تأزم الوضع في الواقع الفلسطيني نتيجة تناقض الفصائل الفلسطينية، وهنا أقف وأتساءل: ألا يكفي كل هذا الردم والدمار الذي يلحق بالفلسطينيين"؟ ففلسطين أمام عدّو واحد وواضح والمشكلة تكمن في أسلوب المواجهة الذي لم يتفق عليه الفلسطينيون رغم اعتمادهم على موضوع واحد يتمثل في الكفاح المسلح، ولكن على ما يبدو بعد كل هذا العمر من الكفاح المسلح، دخلت القضية الفلسطينية في متاهات الاتفاقيات الجانبية على حساب الاتفاقات العربية والتفكير العربي الذي من المفترض أن يكون واحدا، يعني مجرد الذهاب إلى أوسلو وكامب ديفيد قسم العرب. نحن بحاجة إلى إعادة اللحمة الحقيقية للساحة الفلسطينية في الدرجة الأولى عبر تحقيق أكبر قدر ممكن من الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني، لأن هذه الوحدة تختلف عن غيرها وأنا سبق وأن قلت هذا الكلام، الوحدة الفلسطينية في داخل فلسطين ليست ضرورة فقط بل ناقوس خطر إذا ما انفصلت هذه الوحدة سنرى تجلياتها في الانقسامات العربية فيما بعد، لان كل فصيل يحسب على نظام عربي ما بشكل من الأشكال، وأتمنى من كل قلبي أن تحدث معجزة ويتفق الفلسطينيون لأن الوحدة الفلسطينية هي وحدة دم وليست وحدة على مستوى المجتمع فقط، هي وحدة مصير وليست وحدة على مستوى العلاقات العشائرية والقومية والمناطقية، هي وحدة نار فالفلسطينيون تحت النار وحتى الآن لم يفهموا أم لا يريدون أن يفهموا أنهم أمام عدّو واحد. أيضا، كل المؤسسات التي اخترعها العرب بدءا من الجامعة العربية وغيرها حاولت جاهدة في هذا الصدد، إنما لا تستطيع أن تدخل في هذا النظام والمعركة الآن قائمة داخل فلسطين ما بين قصر وما بين خندق. - هل تعتقد أن غزة بحاجة إلى الفن في الوضع الراهن؟ * أعتقد العكس، فالفن هو الذي بحاجة إلى غزة وإلى هذه الهزة لتخرجه من بعض عيوبه وإشكالاته، غزة مسألة قاسية وشائكة وهي عسيرة حتى على التعبير، ففي وقفة الجزائر مع غزة، حكت السيدة أحلام مستغانمي الكاتبة العظيمة كلاما جميلا جدا عن غزة وقد أحست أنها لا تستطيع أن تفي غزة تعبيراتها، التعبير صعب جدا والفن يأتي متأخرا عما جرى، الصور التي شاهدناها من الفيلم الأمريكي الصهيوني الذي كنا نتابعه بشكل مباشر من غزة، يستحيل أن نجد صورة يمكن أن تحدث نفس الأثر في المتفرج. - في اعتقادك أين يلتقي الفن بالسياسة؟ * الأنظمة العربية في واد والشعوب العربية في واد آخر وهذا معروف وهو ما أثبتته أحداث غزّة مؤخرا أي ما يجري في الشارع لم نجد له صدى عند الأنظمة إلا قليلا، بالمقابل يسعدني جدا الترحاب الكبير من الجمهور الجزائري وأنا لا أخفيك أن السوريين يحبون الجزائر كثيرا وهي عندهم ليس كبلد وشعب فحسب، وإنما كقيمة كبيرة جدا تعلّموها وتعلّموا منها ثقافة المقاومة. - هل هناك معايير معينة إعتمدتها الدراما السورية مكّنتها من التميز؟ * لفن دائما رهن تجربته والنتائج ستكون محصلة للمقدمات مثل الطبخة في القدر نضع مجموعة من الخضروات وإذا لم نضع اللحم فلن يخرج اللحم في النتائج، أعتقد أن ما ميز الدراما السورية بشكل من الأشكال هو هذه الجدية في تعاملها مع المواضيع المطروحة، هي قضايا اجتماعية ساخنة وحارة وحاضرة، إضافة إلى أن الدراما السورية لم تأت من فراغ بطبيعة الحال، ذلك أنه في فترة من الفترات هوجمت الدراما السورية عند ثورتها الأولى، وقيل عنها أنها أتت بقرار سياسي أو بقرار كذا وكذا، لا إطلاقا فالحكومة تأخرت في دعمها للدراما. والدراما السورية قدّمت نفسها وإمكاناتها البشرية عبر تجاربها، وأنا أعتقد أن المسألة رهينة بالتجارب دائما والطموح الذي لا يجب أن ينضب وينتهي حتى نستطيع أن نحقق نتائج أفضل في تجارب قادمة أخرى. - وماذا عن آفاق هذه الدراما ؟ * ليس هناك منهج محدّد تنتهجه الدراما السورية، هناك عدة شركات وزخم وهناك حوار باستمرار ورغم أنه ليس منطقيا في بعض الحالات إلا أنه يفيد، أنا أعتقد أن الحوارات القائمة في كواليس الدراما السورية هي التي تدفعها بشكل من الأشكال نحو تقديم الأفضل، على الأقل هناك مجموعة من الحوافز تساعد الفنانين على التنافس وتقديم الأفضل دائما، ومع ذلك ما زلنا في سوريا وفي كل العالم المتخلف في حاجة إلى إرساء تقاليد لإبداعاتنا على كل الأصعدة وخاصة على الأصعدة الفنية، أنا شخصيا أكون سعيدا جدا عندما أرى فن بلدي محبوبا إلى هذه الدرجة والناس تتابعه وأنا بشكل من الأشكال مسؤول عنه، ولا استطيع إلا أن أمثله،بالمقابل يجب أن نعترف بعيوبنا وأن لا نتجمل في نجاحاتنا ونفرح على طريقة الأطفال الصغار بهدية العيد. - هل هناك طابوهات لا يمكن أن تتناولها الدراما السورية؟ * حتما فهذا الموضوع لا يخص الدراما السورية بل يخص كل الفن العربي، الطابوهات والرقابة موجودة، وهي شأن عالمي وليس عربيا فقط، وما يناسب هذه المحطة كسياسة لا يناسب محطة أخرى، فلكل محطة سياستها ولكل فضائية سياستها الخاصة بغض النظر عن تبعيتها الحكومية أو غير الحكومية لأنه حتى ولو كانت تجارية بحتة فهي بشكل من الأشكال لها سياسة محددة، طبيعي أن يكون هناك اختلاف ولكن أرجو أن لا يكون هذا الاختلاف على حساب الإبداع والفنان والهامش المتاح له لتقديم إبداع مختلف وجريء وبغض النظر عن الطابوهات والمحرمات ما زلنا نعيش عقل القبيلة الذي لا يناسب عقل الرقمية وعصر العولمة الذي نعيشه الآن، أيضا الدخول في هذه القبيلة له ايجابيات لكن الخروج منها أصبح ضروريا حتى نستطيع أن نحاكي العصر ونقدم عليه في رؤية مختلفة، أقدامنا ثابتة في التراث الذي نريد فهناك قيم جميلة في التراث وفي شكل الشخصية العربية عموما، لكن هناك عيوبا في بعض القيم ولا تناسب العصر ولا تناسب حرية المرأة على سبيل المثال وفي حق الرجل في حياة كريمة، العالم وصل إلى القمر واقترب من المريخ ونحن ما زلنا نرى المرأة خلف الباب وصوتها عورة.. الطابوهات كثيرة جدا وعلى كل المستويات وهذا يعاني منه كل فنان عربي. - إذا كانت مشكلة السينما السورية تتمثل في صغر السوق، فلم لا تتّجه إلى السوق العربية الكبيرة؟ * أعتقد أن السينما السورية بحاجة إلى دراسة كيفية دخولها إلى هذا السوق، مشكلتها الأساسية هي السوق حتما وبشكل من الأشكال هي علاقتها بالجمهور، نحن في سوريا لدينا مؤسسة واحدة فقط تنتج الأفلام السينمائية، وهي مؤسسة عامة للسينما، أما عن بقية المنتجين فقد تراجعوا مع قرار التأميم الذي حصل منذ حوالي أربعين سنة أو أكثر، وأرى أن التطور في السينما يجب أن يسير في كل خطوطه متوازيا ومتساويا وبنفس الانطلاقة يعني أنه لا ينفع صنع فيلم في مستوى "التيتانيك" وليس لدينا قاعة لعرضه، فكل المسائل مرتبطة ببعضها البعض، السينما السورية بحاجة إلى أن تجرب نفسها في السوق العربية وحتى الآن أعتقد أنها لم تجرب نفسها كما يجب، أو أنها تلمست خطوات مرتجلة وغير مدروسة حتى تفهم نتائجها وتعول عليها في تنفيذ خطوات قادمة، أعتقد أنه يمكن للسينما السورية أن تجرب نفسها في السوق العربية. - هل وجد عباس النوري نفسه مختلفا في دوره في المسلسل التاريخي "أبو جعفر المنصور"؟ * لكل عمل نكهة خاصة وأبوجعفر المنصور عملا تاريخيا وأنا شخصيا كان اختصاصي التاريخ في الجامعة ودائما كانت تعرض عليّ الأعمال التاريخية وكنت أرفضها من حيث المبدأ لأنني أعتقد أن الأعمال التاريخية العربية عموما موصومة بصفة واحدة وهو أننا يجب أن نبحث عن كل ما يجعلنا نفتخر ونرفع الرايات وكأن كل ماضينا بطولات وفخر، فنحن لم نعمل العقل ولم نسمح لأنفسنا بأن نفكر في تاريخنا بشكل حقيقي ومحلل. لما قرأت مسلسل أبو جعفر المنصور، وجدته رغم ملاحظاتي عليه على المستوى الفكري والتاريخي، مسلسلا يستفز المشاهد ويدفعه إلى التفكير في الكثير من القضايا التاريخية ويسأل عنها، وإن اختلف معها ومع حقائقها، بلا شك أن مسلسل أبو جعفر المنصور من حيث كونه حدثا تاريخيا نجد من يتفق معه ومن يختلف معه، وهو أحد المسلسلات التي تعبت لأجلها كثيرا حتى أصل فيها إلى نتائج يمكن أن تناقش، وأعتقد أن أولى علامات النجاح أثارته للنقاش، وهو ما فعله "ابو جعفر المنصور" . - تطرق مسلسل "ليس سرابا" إلى قضية مهمة تتمثل في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فهل تعتقد أننا امة تعيش في الطابوهات، في الخفاء وأننا أمة نفاق؟ * مسلسل "ليس سرابا" واحد من المسلسلات التي تطابقت بشكل كبير مع أفكاري الشخصية أنا رجل استطيع أن أدعي أنني علماني، وأناقش كل شيء وأرى أن المجتمع العربي بحاجة إلى أن يفرز قوانين متطورة تناسب معيشة الأجيال القادمة؟ نحن أمة نريد لأولادنا أن يعيشوا كما أسلافنا وليس مثلنا، يعني أننا نريد أن نعود إلى الوراء وليس أن نتقدم، التقدم إلى الإمام ليس بحاجة فقط إلى جرأة بل إلى إعمال العقل واحترام الآخر. ففي الشريعة الإسلامية هناك دعوة كبيرة جدا للتسامح والتعامل مع كل الأديان والآن هناك أصوات جريئة تدرس التاريخ الإسلامي تقول بإمامة المرأة وحق الرجل في اختيار دينه، هذه الدراسات يجب أن تكون مهمة وقائمة حتى يأخذ المجتمع العربي بعدا حقيقيا، نحن نعيش في مجتمع فسيفسائي، نحن بحاجة إلى تشريعات مختلفة حتى نجيب عن أسئلة صعبة، يجب أن نكون إنسانيين. - انتقدت توجه الفنانين السوريين إلى الدراما المصرية فلماذا تستعد الآن لنفس الخطوة؟ * أنا لم أنتقد بغاية النقد ولم أنتقد ذهاب الفنانين السوريين إلى القاهرة على الإطلاق أو أن يجربوا نفسهم في الدراما المصرية، كنت أقول كلاما عن صعوبة هذه التجربة في ظرف معين، هناك تجارب لفنانين في القاهرة أثبتت نجاحها وجدواها، إنما هذه مسألة تمس كل فنان بشكل شخصي وله الحق في المشاركة في كل الأعمال واللغات واللهجات، إنما الدراما المصرية بنت لها جدارا سميكا يصعب اختراقه. قد أذهب إلى مصر كعباس النوري وأقدم عملا مصريا ويكون المعيار في أن أجيد اللهجة فهل المعيار الحقيقي أن أكون مجيدا للهجة؟ وهذه إحدى العناصر التي يعول عليها للحكم على الممثل، هناك مصريون وأسماء كبيرة تجرب نفسها في عالم الفن هذا لا يعني أنها دائما ناجحة ومقنعة وتثير لدينا الانبهار، على الإطلاق،أنا لا تبهرني الأسماء الكبيرة وإنما تبهرني الأعمال الكبيرة. - لم يحقق الجزء الثالث لمسلسل "باب الحارة" نجاحا، هل تعتقد أن ذلك راجع فقط إلى غياب شخصية "أبو عصام" وحسب؟ * يشكل لي "باب الحارة" حرجا كبيرا وإن كان قريبا إلى قلبي، وساهم إلى حد كبير في شهرتي عبر العالم العربي، وأدين له كثيرا ونجاحه يهمني حتى ولو كان من دوني لأن هذا المسلسل بشكل من الأشكال أنا واحد من أصحابه، وإذا لم ينجح المسلسل فهذا يحزنني حتما، لكن عدم نجاحه لا نستطيع أن نرده إلى غياب شخصية "أبو عصام" فقط رغم أن هذا حقيقي لأن صانعي المسلسل وخاصة في جزئه الثالث قرروا أن يواجهوا ذاكرة الجمهور ولم يستطيعوا ذلك لأن الجمهور لم يقتنع بغياب أبو عصام، وبالتالي بقي ظله يخيم على المسلسل ولم يستطع احد أن يلغيه أو حتى أن يصل إلى قامة ظله.. - ماذا أضافت جائزة أدونيا التي توّجت بها عن دور البطولة في "ليس سرابا" لعباس النوري؟ * جلبت لي المزيد من الخوف، والمزيد من الحرص على أن أقدم نتائج أفضل، والمزيد من الحرص على أن أكون إن شاء الله أصيلا في دخولي السباقات نحو الجوائز. - هل يمكن أن يحس الفنان بنجاح عمل ما قبل أن يعرض على الجمهور؟ * يمكن تلمس ذلك من النص الجيد والمخرج الذي يستطيع أن يقدم له مفردات هذا النجاح منذ البداية، فيبدأ العمل والنجاح الحقيقي من النص ومن المؤلف حينما يلمس قضية حقيقية في الحياة الاجتماعية ويتصدى لها مخرج حقيقي ويوزع الأدوار بشكل ملائم ومقنع أعتد أنها تلامس النجاح بكل تأكيد. - ما هو أقرب دور لقلب عباس النوري؟ * أقرب دور إلى قلبي هو دوري في مسلسل "الاجتياح" بشخصية أبو جندل وهذا منذ العشر سنوات الأخيرة، أعتقد أنه شخصية هامة للغاية لأنها شخصية حقيقية فعلا . - ما هي المشاريع الفنية المستقبلية لعباس النوري ؟ * انهيت تصوير مسلسل "شتاء ساخن" وهو مسلسل اجتماعي معاصر يتحدث عن جريمة سرقة تتطور إلى أن تصبح جريمة قتل وأنا ألعب دور شرير سيفاجئ الجمهور، وأتمنى أن يلامس النجاح، وسأذهب إلى دمشق لأبدأ عملا جديدا بعنوان "قلبي معكم" وأنا أقول للجزائريين أنا مسافر إلى دمشق وقلبي معكم. - رغم زيارتك القصيرة للجزائر، هل يمكنك أن تخبرنا عن أهم ما شد انتباهك في زيارتك الأولى لها؟ * عادة في كل بلد أزوره أذهب إلى المناطق الشعبية فيه، لأنني أعتقد أن التاريخ والإنسان الحقيقي للبلد يعيش هناك، لم يتسن لي في الأيام القليلة هذه أن أخرج من الجو الاحتفالي والإعلامي الذي أحطت به ومع ذلك تمكنت من زيارة باب الواد والقصبة إثر مشاركتي في برنامج تلفزيوني جزائري، وأعجبت للغاية بكيفية عيش الناس في القصبة وبطريقة حملهم للقيم، أنا متأكد من أن هؤلاء جزائريون مائة في المائة ومن هنا خرجت المقاومة والحب لهذا البلد ومن هنا نستطيع أن نرفع رأسنا بشكل من الأشكال، نعم خرجت من الجزائر وأنا مليء بالطمع في أن أزورها مرة أخرى علما أن الجزائر هو آخر بلد زرته في البلدان العربية فلم يسعفني الحظ في القدوم من قبل وأنا الآن نادم لأنني تأخرت في المجيء ولكن حتما سأعود وليس فقط لمرة واحدة بل لمرات أخرى إن شاء الله.