فتح الرئيس بوتفليقة الباب على مصراعيه أمام جهاز الإستخبارات العسكرية للتحقيق في قضايا الفساد الثقيلة التي أصبحت تنخر الإقتصاد الوطني، بعد أن فضحها قانون الفساد، وجاء قرار الرئيس المتعلق بمحاربة الفساد بعد أن أغلق باب الحرب ضد الإرهاب، الذي تواصلت محاربته طيلة عشرية كاملة من الزمن، وقد توصلت التحريات التي قادتها هذه الهيئة العسكرية إلى ثبوت تورط عدد من الإطارات والمسؤولين الكبار في الدولة في هذه الملفات الثقيلة، فمن قضية الطريق السيّار التي تورط فيها الأمين العام لدى وزير الأشغال العمومية، إلى فضيحة سوناطراك التي يشتبه في تورط الرئيس المدير العام السابق لها محمد مزيان'' ونجليه، وعدد من الإطارات السامية بالشركة فيها، حيث أفادت التحريات الأولية التي قامت بها ''الإستخبارات'' أن المتهمين ساهموا في حصول عدد من مكاتب الدراسة الأجنبية على صفقات من الشركة عبر الوساطات، في وقت لازالت التحريات جارية بهذا الشأن منذ أكثر من 5 أشهر، في وقت تم إيداع عدد من المسؤولين الحبس المؤقت، ووضع آخرين تحت الرقابة القضائية وتعيين مسؤولين جدد لاستخلاف المتابعين في القضية، وقد وصلت التحريات العسكرية في الظرف الحالي إلى مؤسسة ميناء الجزائر التي لم تسلم هي الأخرى من الفساد المستفحل في عدد من القطاعات، إذ اشتبهت التحريات التي قادها جهاز الأمن العسكري في تورط الرئيس المدير العام للمؤسسة وعدد من المسؤولين في صفقات مشبوهة في استعمال الرافعات، في الفترة التي كان المدير العام الحالي نائبا للمدير أي قبل أكثر من سنة.ويعزو متتبعون للملف أن الرئيس بوتفليقة حرص شخصيا على أن تتابع هيئة الإستخبارات التحقيق في قضايا الفساد لامتلاكها أدوات فعالة في التحري وفعاليتها في إنجاز المهام، وكذا توفرها على فرق مختصة تعنى بالتحريات الإقتصادية، فضلا عن تورط ''رؤوس كبيرة'' في هذه القضايا وإمكانية تعرض الأجهزة الأخرى إلى ضغوطات من قبل الهيئات المعنية بالتحقيق خاصة إذا تعلق الأمر بأجهزة الدولة، وهو ما من شأنه التأثير على مجريات التحقيق، ويضيف متتبعون أنه ورغم الكفاءة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية الأخرى المعنية بالتحقيقات، غير أن الرئيس أصر في هذه المرة على أهمية توكيل مهمة التحري لجهاز المؤسسة العسكرية من أجل تحريك المصلحة المركزية للشرطة القضائية بالمصالح العسكرية التي تم استحداثها شهر فيفري 2008، إذ لا يستبعد أن تضرب هذه الهيئة بيد من حديد على الملفات الثقيلة التي كان في وقت غير بعيد لا يجرؤ أحد على فتحها، كما لا يستبعد أن تفتح ملفات ثقيلة أخرى تخص عددا من القطاعات الحساسة التي تعمل الآن تحت مجهر ''الأمن العسكري''، إذ تم تدعيم هيئة الشرطة القضائية للمخابرات بفرق تحريات متنقلة وأخرى جهوية من شأنها توسيع التحريات في مختلف القضايا المعنية بالتحقيقات، والوقوف عند الفساد في كل شبر من ربوع الوطن.وكان الرئيس بوتفليقة، قد أبدى انزعاجه في أكثر من مرة من استفحال الفساد في أجهزة الدولة وشدد على ضرورة محاربته وتوفير كل الوسائل لفضحه، وقال إنه لن يتوانى في تقديم كل من ثبت تورطه في قضايا الفساد أمام العدالة مهما كانت صفته أو منصبه، كما أمر بإنشاء مرصد وطني لمحاربة الفساد يعنى بمتابعة الصفقات العمومية والحرص على أن تكون في الأطر القانونية، بعد أن أضحت هذه الأخيرة لب القضايا المطروحة أمام جهاز القضاء للفصل فيها.