أصبحت عملية محاربة الفساد خيارا استراتيجيا للدولة في النهوض بالاقتصاد الوطني وفي دعم أسس الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد، مما أدى إلى حراك وطني يصر على ضرورة كسب رهان مكافحة الفساد والغش بعد ربح معركة الارهاب وهزمه. ولعل الرسالة الأخيرة التي وجهها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى العمال بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأسيس اتحاد العمال الجزائريين، وتأميم المحروقات، تؤكد مرة أخرى وبصراحة وحزم، عزم الدولة على التصدي لاستشراء الفساد حماية للاقتصاد الوطني وكسب مرحلة ما بعد الارهاب، وترجمتها إلى نهضة تنموية تعزز ركائز السلم والأمن الاجتماعيين وتزيد في قوة الدولة. لقد أكد رئيس الجمهورية الارادة السياسية للدولة، بعدما وضعت الأطر القانونية والآليات اللازمة لجعل الاقتصاد الوطني في مأمن عن الممارسات الطفيلية والغش، في "مواصلة محاربة كل أشكال الفساد في اطار القانون المستمد من وحي المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، والتي كانت الجزائر من أوائل الدول المصادقة عليها". وجاء خطاب الرئيس حول محاربة الفساد في هذه المناسبة ذات الدلالات والرموز القوية ليزيد في توضيح منهجية الدولة وعزمها على التصدي لهذه الآفة، حيث أكد بأن صور المكافحة تبدأ بدعم هيئات الرقابة على مختلف المستويات وفي مختلف الميادين. وتم في هذا المجال، كما هو معروف، تسخير وسائل مادية وبشرية هامة، لتعزيز هيئات الرقابة وتحديث وسائل تدخلها. ولأن أمر التصدي للفساد، لا يقتصر على إدارات الدولة ومؤسساتها، فقد دعا رئيس الدولة كافة المتعاملين في الحقل الاقتصادي الى التزام صريح وقوي لإضفاء النجاعة والفعالية اللازمتين على عمل هيئات الدولة المكلفة بمحاربة الفساد، حتى تكون الجهود كما قال رئيس الجمهورية منسقة لأن هذه الآفة تقوض كل جهد تنموي. وامتدادا للإجراءات التشريعية والمؤسساتية التي اتخذتها السلطات العمومية في السنوات الأخيرة، كثفت الحكومة نشاطها في محاربة الفساد بكل اشكاله من خلال دعم الهياكل المختصة القائمة، وإنشاء هيئة جديدة، هي الهيئة المركزية لقمع الفساد، كأداة عملية مكلفة بتنسيق الجهود المبذولة في هذا الاطار. ولعل ما طغى إلى السطح في المدة الأخيرة بشأن قضايا فساد كبيرة، عزّز إرادة مؤسسات الدولة ورغبة الرأي العام الوطني، بضرورة التصدي لها ومحاربتها، وذلك وفق الآليات والاجراءات التي وضعتها الدولة لمكافحة هذه الآفة التي تأتي على الأخضر واليابس في جميع اقتصاديات العالم اذا ما لم تواجه بإرادة سياسة حازمة وسند اجتماعي قوي. ولما كان البرنامج التنموي المعتمد للسنوات الخمس القادمة يهدف اساسا كما أكده رئيس الجمهورية في رسالته الأخيرة للعمال، الى تعزيز النمو الاقتصادي، فإن تعبئة كافة الطاقات والمهارات الوطنية من أجل تجسيد هذا البرنامج يصبح أكثر من ضرورة استراتيجية، يتعين على الدولة والمجتمع، تجسيدها معا بدءا بمحاربة الفساد افقيا وعموديا، داخل مؤسسات الدولة وخارجها في أوساط المجتمع. ولاشك أن عملية محاربة الفساد بشتى اشكاله، ليست باليسيرة كما أنها ليست بالمستحيلة خاصة وأنها عززت إرادة السلطات العمومية وضاعفت من مطالب الرأي العام الوطني بضرورة تكثيف الجهود للتصدي لآفة الفساد.