''ألو.. أنا في خطر ''، ''بابا يضربني''، ''كرهت حياتي''.. هي عبارات يرددها الأطفال الذين يتصلون بالرقم الأخضر للإستنجاد من حالات العنف التي يعيشونها، والغريب في الأمر أنه في كثير من الأحيان يكون الوالدان هما مصدر الرعب، الذي يتعرض له هؤلاء القصّر الذين ليس لهم في مثل هذه الحالات من معين إلا الهاتف الأخضر 3033، الذي يكون بالنسبة إليهم المؤنس والمرشد والمعين في ذات الوقت. خدمة الهاتف الأخضر أو ما يسمى بالمساعدة التلفونية، أطلقتها بعض الجمعيات المدافعة عن حقوق الأطفال من بينها شبكة » ندى «، وهي عضو في الحركة الدولية للأرقام الخضراء المساعدة لقضايا الطفولة، التي شغلت هاتفها الأخضر 3033 لمدة سنة كاملة تحت شعار ''أنا أسمعك''، إلا أن هذا الرقم توقف عن الخدمة بهدف تقييم التجربة على حد قول رئيس الشبكة عبد الرحمن عرعار الذي أكد أن التجربة كانت ناجحة وقوبلت بالكثير من الترحيب، أين سجلت الشركة 7000 مكالمة خلال مدة سنة يكون في معظمها الأطفال الذين يلجؤون إلى الهاتف للحديث عن مأساتهم وإيجاد متنفس لم يجدوه تحث سقف بيوتهم، حيث تقوم الشبكة بتكليف مجموعة من الأعضاء لاستقبال المكالمات والإستماع إليهم وتوجيههم - والذين يتم توجيههم خصيصا لهذا الغرض - كما يمنح هؤلاء الفرصة للطفل للتعبير عن مشاعره بأخذ كامل وقته، كما يسمح ''الرقم الأخضر'' بتسهيل عملية الإتصال بالأطفال والتدخل لصالحهم فضلا عن تقديم المساعدات النفسية عبر الهاتف. وحسب ما أفادنا به رئيس الشبكة، فإن هيئته قد تلقت العديد من المكالمات لأطفال لا حول ولا قوة لهم هاربين من بطش آبائهم..أحمد هو طفل من باب الوادي اتصل بالرقم الأخضر في حالة انهيار ليشكو والده الذي يضربه بقسوة لأتفه الأسباب، وهي الحالة التي عالجتها شبكة ندى عن طريق فتح باب الحوار مع أفراد العائلة ومتابعتهم، لتتوصل في الأخير إلى حل يرضي الجميع ومن ثم إخراج ''أحمد'' من حالته اليائسة ،الذي لولا رزانته لكان قد دخل عالمي الإنحراف والإجرام من بابيهما الواسعين. أما سارة فاستعملت الرقم 3033 للإبلاغ عن زوجة والدها التي تمارس عليها كل أنواع التعذيب، أما أمينة التي لا يتجاوز سنها ال14 فقد اتصلت هي الأخرى من أجل الإبلاغ عن حملها بعد تعرضها إلى اعتداء جنسي من قبل أحد جيرانها الذي يفوق عمره الستين سنة..كلها حالات استطاعت الشبكة معالجتها عبر ''الرقم الأخضر''. الأولياء يرفضون الفكرة.. ويعتبرونها دخيلة على مجتمعنا هناك الكثير من الأشخاص أو الأولياء ممن يرفضون وجود هذا النوع من الخدمات في الجزائر، بدعوى أنها فكرة دخيلة على المجتمع، وأنها تحرض الأولاد على العصيان وتتدخل في طريقة تربيتهم التي تختلف تماما عن الطريقة الغربية، حيث أكد أحمد رب عائلة في الخمسين من العمر ''هذا تدخل في العايلة'' كما أضاف ''حابين يرجعونا كيما فرنسا''، أما فاطمة سيدة من العاصمة فتقول ''إن تربيتنا الإسلامية لا توصي بهذا النوع من التصرفات''.في حين أكد المسؤول الأول عن الشبكة أن هيئته تسعى جاهدة إلى احترام عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، مشيرا إلى أن أولى الطرق التي تلجأ الشبكة إلى استعمالها إثر تلقيها أية مكالمة من قبل الأطفال يشتكون من عنف أوليائهم، هي الصلح ومحاولة المعالجة السلمية للمشكل. كما أوضح أن ''الهاتف الأخضر'' ما هو إلا وسيلة لتسهيل التواصل وأن نجاح التجربة وكثرة الإقبال عليها، هو ما دفع بهم إلى التخطيط لتوسيع الشبكة إلى عشر ولايات. أزواج ينهالون بالضرب على زوجاتهم..وزوجات يشفين غليلهن في الأبناء أكد رئيس الشبكة أن ظاهرة العنف ضد الأطفال تنتشر بشكل كبير في الأوساط الشعبية وفي العائلات التي تعاني من مشاكل اجتماعية صعبة، والتي تفرض حالات عصبية تتحول في بعض الأحيان إلى''أمراض نفسية''، موضحا أن المشاكل الأسرية بين الأزواج تعد أيضا واحدة من الأسباب الفاعلة في الموضوع، فممارسة العنف ضد الأم يؤدي أيضا وبالضرورة إلى ممارسة العنف ضد الأطفال، كما أن بعض الأولياء يلجؤون إلى العنف ضد الأبناء، انتقاما من الطرف الآخر أو ليشفون غليلهم، بالإضافة إلى غياب ثقافة الحوار والتشاور. وفي نفس السياق، أشار محدثنا إلى أن العشرية السوداء كان لها بالغ الأثر على نفسية المواطن الجزائري، الذي أصبح اليوم أكثر توترا وعنفا لإحساسه بغياب الأمن وقرب الخطر منه، موضحا أن مؤسسات المجتمع المدني لازالت إلى يومنا هذا في مرحلة المطالبة بالحقوق الأساسية لحياة أي طفل كالحق في العائلة، التعلم، الإستقرار، المسكن والصحة. في الوقت الذي أكد أن الشبكة أصدرت مشروعا ''لميثاق الطفل''، الذي سيعوض النقص الموجود خاصة مع محدودية مهمة الخدمات الإجتماعية في الجزائر وغياب إطار دستوري. جرائم تحولت.. إلى ''عادات'' وكشف تحقيق قامت به منظمة اليونيسيف، بالإشتراك مع كل من وزارة الصحة والديوان الوطني للإحصاء، أن 22,5 من المائة من الأطفال الجزائريين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 2 و14 سنة، هو معرضون إلى العقاب الجسدي العنيف، في حين أن الأطفال ما بين 5 و9 سنوات هم الأكثر عرضة لهذا النوع من العقاب. وأكد الأخصائيون أن العقوبة الجسدية العنيفة هي الضرب على الوجه أو الرأس أو بواسطة أداة ما، خاصة وأن 71,6 من المائة من الأطفال معرضون لهذا النوع من العقوبات. أما فيما يتعلق بالتهديد اللفظي والضغط النفسي فإن النسبة بلغت 82,3 من المائة. أما الظاهرة الأكثر خطورة حقا هي أن 15 من المائة من الأولياء في الجزائر الذين يعتبرون الضرب حق طبيعي لهم، كما يعتقدون أن الطفل يستحق أن يعاقب عقابا جسديا، مما ينشر الإعتقاد بأن العنف ليس مرتبطا فقد بحالات الغضب أو الخروج عن السيطرة لدى الأولياء. عندما يكون الأولياء هم الجناة ! باتت ظاهرة اعتداء الآباء على فلذات أكبادهم من بين أبرز قضايا الأصول التي تتناولها المحاكم الجزائرية، وإن كان الجزائري لا يلجأ إلى القضاء إلا في الحالات التي تخرج فيها الأمور عن السيطرة كالجرائم الشنيعة، ومن بين القضايا التي هيجت الشارع الجزائري قضية تناولها مجلس قضاء سيدي بلعباس خلال الدورة الجنائية الفارطة، تمثلت في إدانة هيئة محكمة الجنايات للمدعو ''ب.ع'' البالغ من العمر 51 سنة ب8 سنوات سجنا نافذا وذلك بتهمة زنا المحارم، القضية تعود إلى تاريخ 8 فبراير 2009 بدوار تمازوغة التابع لإقليم ولاية عين تيموشنت شكوى، حيث أبلغت ''ب.ن'' البالغة من العمر 20 سنة بأن والدها ''ب.ع'' يعتدي عليها جنسيا منذ أزيد من 6 سنوات، كما عالجت ذات المحكمة قضية أخرى مشابهة خلال الدورة الجنائية الثانية لسنة 2008، كان بطلها الوالد المدعو ''س.ب.ب'' البالغ من العمر 40 سنة الذي أدين بعقوبة السجن المؤبد،بجناية الفعل المخل بالحياء ضد ابنته القاصر ''س.ب.س'' صاحبة 12 سنة، هذا فضلا عن قضية الحاجة فاطمة صاحبة 56 سنة والقاطنة بدوار الصفصاف رفقة زوجها وابنتيها البالغتان من العمر 14 و 20 سنة، اللتين كانتا تعيشان حياة رهيبة رفقة والديهما، حيث حرماهما من مشاهدة النور وتذوق طعم الدنيا، أطوار هذه القصة دارت في محكمة الجنايات لمجلس قضاء مستغانم وسط حضور مكثف للناس، أين تمت معاقبة الوالدة ب10 سنوات سجنا نافذا، بتهمة القتل العمدي وتحريض قاصر على الفسق والدعارة، حيث تعود وقائع القصة إلى شهر ماي من سنة 2007، أين تمكن أعوان الحرس البلدي من اكتشاف حقيقة مرة وخبايا كثيرة في ذات الدوار، بينما كان الأعوان في دورية في المنطقة، فإذا برائحة كريهة تصدر من بيت الحاجة فاطمة، وحين دخلوا إليه عثروا على جثة جنين حديث الولادة ملقى بداخل كيس بلاستيكي بالقرب من منزلها، حينها أقرت ابنتها القاصر من خلال التحريات التي قامت بها عناصر الدرك أن الجثة هي لابنها، الذي قامت والدتها بخنقه ورميه داخل كيس بلاستيكي دون أية رحمة، كما أن الضحية رفقة أختها تعتبران مصدر رزق بالنسبة إلى العائلة، كون الوالدان يقومان باستدراج الرجال إلى المنزل لممارسة الجنس رفقة ابنتيهما مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 1000 إلى 2500 دينار، وهي الحياة اليومية التي تعيشها الضحيتان رفقة والديهما، تحت تهديد الأم على ممارسة ذلك، للحصول على لقمة عيش. بحيث تركت هذه القصة الأليمة استياء عميقا في قلوب أهل المنطقة عند سماعهم الحادثة. القانون ليس من يجحف في حق الأطفال أكد محامي شبكة ندى للدفاع عن حقوق الطفل، أن المشكل الأساسي الذي تواجهه قضايا العنف ضد الأطفال في الجزائر ليس فقط النقص في المواد القانونية أو غياب الآليات التي من شأنها تحصيل حقوق الأطفال. حيث أوضح المحامي أن أكبر صعوبة هي استحالة قيام الطفل بالدفاع عن نفسه أو متابعة قضيته، ولهذا فإنه من الضروري تعيين مندوب خصيصا لهذا الشأن. في الوقت الذي أشار إلى أن قانون العقوبات يحتوي على باب في تعريض الأطفال والمسنين للخطر، وذلك من المادة 314 إلى المادة 320 إلا أن مشكل التطبيق يظل قائما. وقال محدثنا إنه نادرا ما نجد هذا النوع من القضايا في قاعات المحاكم إلا بعض الحالات التي يكون الضرر فيها جسيما، وغالبا ما يكون المبلغ عن الحادثة شخص آخر غير الطفل لعدة أسباب من أهمها الخوف، فضلا عن عوامل العرف والعادات والتقاليد التي تمنع الطفل من أن يقف في مواجهة أوليائه في المحكمة. وأولياء..ينتقمون من أبنائهم أكدت الأخصائية النفسية بارصة سليمة، أن العنف ضد الأطفال ينتج في غالبية الأحيان عن أولياء كانوا هم في الأصل عرضة للعنف سواء كان جسديا أو نفسيا، كما أوضحت أن الحالات النفسية والإجتماعية التي يعيشها الآباء يوميا تلعب دورا ليس بالهين في طريقة التعامل المتبعة بين الأولياء وأبنائهم، معتقدة أن العديد من التصرفات الخطيرة يعتبرها مجتمعنا بالعادية جدا.