مرت أمس الذكرى 1429 لغزوة بدر الكبرى التي فرّق الله بها بين الحق والباطل ومكّن فيها للمسلمين، فانتصروا لدينهم وعقيدتهم وهم الفئة المستضعفة في نظر أعدائهم، واضعا بذلك قاعدة راسخة في أذهان المؤمنين على مرّ التاريخ، فما حاد مسلم عن قِيَمه ومبادئه إلا ذاق الذل والهوان، وما رجع إلى الحق واتباع شرع الله إلا نُصِر ومُكِّن له في الأرض، ولقد أجرى الله هذه السنة على لسان عمر ابن الخطاب الذي قال: "نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزّة في غيره أذلنا الله". ووقوفا عند هذه الذكرى العظيمة التي تعدّ بداية التّمكين لهذا الدين الذي بدأ بفرد واحد ليصير أمة، ومن القبائل والعشائر إلى أعظم دولة على وجه الأرض يمتد حكمها من الأندلس غربا إلى بلاد الهند شرقا، يُعبد فيها الله عز وجل وحده لا يشرك به شيء، حتى بدأت هذه الأمة تحيد عن شرع ربها ومنهاج نبيّها فتكالبت عليها الأمم الأخرى، فضاعت الكثير من البلاد الإسلامية التي عاد إليها الظلم والكفر كما كان قبل الفتح. وارتأينا نحن جريدة "النهار" التطرق إلى الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هوان الأمة الإسلامية اليوم، بلسان أئمة ورجال دين وفقا لما جاء في كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ذلك أنه حدّث عن عصرنا هذا فشخّص الداء ووصف الدواء عليه الصلاة والسلام، وهو ما جاء على لسان محدثي "النهار" الذين قالوا إنه لا فلاح لهذه الأمة إلا بالرجوع إلى ربها واتباع ما دعا إليه نبيُّهم الكريم. الشيخ عبد القادر لشهب عضو لجنة الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية: يا أمة الإسلام لا تكتفوا بصفة الإنتساب للدين والتزموا شرع الله الذي نُصِر به الأوّلون قال الشيخ عبد القادر لشهب عضو لجنة الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية، إن الأمة الإسلامية ما صارت إلى ما هي عليه اليوم إلا ببعدها من دينها، واجتنابها للحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه السلام: "تُرِكتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيع عنها إلا هالك"، والمحجة هي الطريق. واعتبر الشيخ تفرّق الأمة الإسلامية واعتمادها على مبدإ المصالح الذاتية جعل شملها يتشتّت، فلم يعد هناك أي تطبيق فعليّ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الأعضاء بالسهر والحمى"، فغزة اليوم تحترق وفلسطين تئن تحت وطأة الإستعمار الصهيوني.. لكن مما من مجيب. وحمّل عبد القادر لشهب المسلمين سبب هذه الحالة من الهوان والضعف التي آلوا إليها، نتيجة اكتفائهم بالإنتساب للإسلام بدل الإلتزام بما جاء به من تعاليم سمحة كانت وراء قوة الإسلام والمسلمين على مر التاريخ، حيث قال الله تعالى في سورة الروم: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين"، حيث وعد الله المؤمنين في هذه الآية بالنصر والتمكين في حال تمسكهم بدينهم واتباع ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقال الشيخ إن أكبر دليل على نصرة الله للمسلمين ما كان في غزوة بدر الكبرى التي مرّت ذكراها الكريمة أمس، أين مكّن الله للنبي وصحابته في الأرض وهم القِلّة فهَزموا جيش المشركين الذي جاء بكامل عدته وعتاده، بينما لم يخرج المسلمون للقتال أصلا، فقد كانت هذه الغزوة الفاصل في تاريخ الأمة الإسلامية وعلى كل مسلم أن يتّخذها قدوة في حياته وأن يجعل منها أسوة في التوكل على الله والعزم لأن الله مع المؤمنين. وضرب الشيخ في الجهة المقابلة مثلا بغزوة أُحُد حين انهزم المسلمون على يد جيش قريش، وهم الذين استعدوا لهذا اليوم أتمّ الإستعداد لكنّ ذلك جاء لحكمة أرادها الله، فلم يشفع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة حين عصوا أمر نبيِّهم فانهزموا، وذلك أنه من يتّبع قواعد النجاح لا بد سيصل ومن حاد عنها فهذا هو حالنا اليوم بعدما فرطنا في ديننا. وقال الشيخ عبد القادر لشهب إنه من هوان الأمة وضعفها أن بعض الدول الإسلامية ترى بأن أمر فلسطين لا يعنيها، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "من لم يهتمّ لأمر المسلمين فليس منهم"، مشيرا إلى أن غزوة بدر الكبرى ستبقى مثالا راسخا في أذهان المسلمين، عن التوكل الحق والعقيدة الصحيحة التي مكّنت للإسلام في الأرض لقرون طويلة خلت. محمد لبيوض إمام مسجد أبي ذرّ الغفاري بوهران: يا أمة الإسلام حلِّلوا أسباب نصرة من قبلكم وعُضّوا عليها بالنواجد فَثَمَّ عِزُّكُم واعتبر الشيخ الحاج محمد لبيوض إمام مسجد أبي ذر الغفاري بوهران، أن معركة بدر الكبرى هي المدرسة التي يجب على المسلمين أن يقفوا أمامها وقفة إجلال وتقدير، والتفكر في المعايير الإيمانية التي وقف بها الحق أمام الباطل، فلا عتادا حربيّا ولا عدة بشرية لكن حين أخلصت الفئة المستضعفة في الأرض، لربها وتجردت لعقيدتها، وانخلعت من الأهواء والشهوات أعزَّها الله، وسخَّر لها جنود السموات والأرض وكذلك يفعل إن فعلنا. وقال الشيخ إن أسباب تخلُّف الأمة الإسلامية اليوم هو ابتعادها عن مقوِّمات دينها وتشبّثها بالثقافة الغربية الماجنة، وما نراه اليوم هو عضّ النصارى على دينهم بالنواجد وهم على ظلال كما قال الله تعالى، فيما غفلنا نحن المسلمون عن كل ما يقرّبنا إلى الله ونشتكي بعدها من الشتات والهوان بين الأمم، فقد عُدنا إلى أخلاق الجاهلية الأولى تحت شعار الحضارة من دون أن نشعر أو نريد الإقرار بذلك. وأضاف الشيخ أن الأمة التي تستقيم على أمر ربها لا بد ناصرها، فقد تعهد من فوق سبع سماوات فقال: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين"، وإذا أخلصت هذه الأمة لربها وعملت بما نزّل على محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله سيعيد لها مجدها وعزتها التي ضاعت باتباع الغرب والإعراض عن كل ما يمُتّ بصلة لدين الإسلام، فقد قال الله عز وجل: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ" الأنفال. وقال الشيخ لقد أمر الله بإعداد القوة للعدو، وليست القوة اليوم السلاح بمقدار ما نحن أحوج في ذلك إلى قوة الإيمان والتسلح بالطاعة والإخلاص لله عز وجل، فلو اجتمعت الأمة على كلمة واحدة متسلّحة بالطاعة لا تخشى في الله أحدا لما ضاعت فلسطين وبعدها العراق وأفغانستان وبعدها الكثير، فاليقين الراسخ السلاح الذي يُرهِب العدوّ وليست الدبابات والرشاشات، فما أحوجَ أمتنا اليوم إلى كلمة الحق والثبات عليها. ودعا الشيخ إلى التفكر في هذه الغزوة العظيمة وتحليل أسباب النصر والعمل بها، ولا بد سنجد أنها قامت على الإيمان والتضرع للمولى العليّ القدير، الذي قال في محكم تنزيله: "وما النصر إلا من عند الله"، فالقاعدة التي يجب على المؤمنين أن يدركوها هو أنه لن تغني عنهم عدتهم ولا عددهم ولا حسن التخطيط والتنظيم إن لم يأذن الله بالنصر، فمن آمن بهذه الآية انطلق لأداء حق الله عليه، وترك ما له هو عند الله لأنه "خير حافظا وهو أرحم الراحمين". زهير بوذراع مدير الشؤون الدينية لولاية باتنة: غزوة بدر رسالة ربّانية لأمة الإسلام تبصرهم بضرورة التزام شرع ربهم اعتبر مدير الشؤون الدينية لولاية باتنة زهير بوذراع غزوة بدر الكبرى مثلا ورسالة ربانية إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام، تدعونا من خلالها إلى ضرورة إصلاح ذات البيْن كشرط أساسي لاستكمال الإنتصارات والنجاحات، لأنّ أي انتصار لن يتحقق بالكامل إلا إذا تصالح أبناء الأمة الواحدة واتحدوا فيما بينهم. وقال زهير بوذراع إن المسلمين بغزوة بدر نصرهم الله لأنهم كانوا متّحدين وملتفّين حول رأي واحد، رغم أنهم كانوا القوة المستضعفة في نظر المنطق لقلة عدّتهم وعتادهم، إلا أنهم آمنوا بربهم وعملوا بما أنزله على نبيه حق الإيمان واعتمدوا على عقيدتهم الراسخة التي قال عنها العلماء "تتزعزع الجبال ولا تتزعزع"، إلا أنه وبمجرد أن اختلفوا حول الغنائم انقلب الإنتصار إلى هزيمة بغزوة أُحُد. وأضاف محدثنا قائلا إنه علينا كأمة إسلامية أن نستلهم العِبر من مثل هذه الوقائع الإسلامية، حتى نتّحد ونوحّد الصفوف ونعود إلى الطريق الصحيح.