ليس من الغريب أن يرفع شخص ما سماعة الهاتف ليطلب حجز غرفة نوم في فندق خمسة نجوم ، أو تذكرة سفر على متن القطار والطائرة أو حتى حجز طاولة بأحد المطاعم الفاخرة لمأدبة عشاء، إلا انه عندما يتعلق الأمر باتصال هاتفي واتفاق مسبق لحجز مكان في الصفوف الأولى لإقامة صلاة العشاء أو التراويح خلال شهر رمضان المعظم، سعيا منهم لجمع الكثير من "الحسنات".. بشتى الطرق، حتى وإن كانت "ملتوية" فهو أمر شد انتباهنا رغم النية الطيبة لأصحابه.. الأهم بالنسبة لهم هو التقرب إلى الله عز وجل والتفاني في عبادته.. حتى وان كان إدمانهم على الجلوس في الصفوف الأولى أمر قد يوصلهم الى العراك في كثير المرات وعوض الحصول على حسنات أكثر تمنعهم تداعيات ما صاحب "الدبزة" ربما من حصد حتى ثواب أداء صلاة الجماعة على حد تعبير أحد محدثينا.. في الوقت الذي يضاعف فيه الكثير من المسلمين مع حلول شهر رمضان المعظم من عبادتهم وتفانيهم في طاعة الله واقامة ما تيسر من اركان الإسلام، تيمنا بفضل هذا الشهر المبارك وعملا بقوله تعالى ".. فليتنافس المتنافسون"، هناك أشخاص آخرون لا يكلفون أنفسهم حتى مشقة الوصول مبكرا إلى المسجد، رغم ما لذلك من فضل واجر، ورغم ذلك يفعلون كل ما بوسعهم، ويلجأون إلى استخدام كل الأساليب للظفر بمكان في الصفوف الأولى، بحيث يقومون بتكليف أصدقائهم وأحبابهم بالتكفل بعملية "الحجز" ليس لحجز تذكرة سفر، وإنما لحجز مكان في الصف الأول، لكن قد تتساءلون كيف يتم ذلك.. الأمر بسيط جدا، فالحجز يتم عن طريق وضع "هاتف نقال".."مفاتيح" أو الاستعانة بقارورات الماء، وحين تقام الصلاة يحضر هؤلاء المصلون لأخذ أماكنهم وفي الصفوف الأولى كما طلبوا.. اتصال هاتفي أو اتفاق مسبق...و"البلاصة" مضمونة "روح تلحق ببلاصة في الجامع ؟.... اواه ما رانيش مقلق... راني مريزارفي في الصف الأول" أنه مقطع من محادثة جرت بين افراد إحدى العائلات الجزائرية بعد اذان الافطار في هذا الشهر الكريم، قد يعتقد القارئ بأن كلامنا من نسج الخيال ومن صنع تفكيرنا، لكنها حقيقة حين تعددت السبل واختلفت معها الاساليب والحيل لبلوغ الأهداف مهما كانت طبيعتها ولو كان ذلك على حساب الآخرين، فالحرص على الصلاة في الصف الأول أمر طيب وينبغي على المصلي المواظبة عليه دون المزاحمة، بل من السنة الحضور مبكرا إلى المسجد والصلاة في الصف الأول، غير أن الكثيرين في زمننا لجئوا إلى طرق ملتوية للظفر بالأجر وبلغ بهم الحد إلى تدبر أمرهم لحجز مكان للصلاة في الصفوف الأولى، لما له من فضل كالقرب من الإمام، واستماع قراءته والتعلم منه والتبليغ عنه، فضلا عن السلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدّامه وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين. لكن الغريب في الأمر هو أن حجز مكان للصلاة في المسجد أصبح شبيها بحجز مساحة لركن السيارة في إحدى شوارع العاصمة في ضل انعدام مواقف ومستودعات للسيارات، فتجد البعض يضع قضيبا حديديا أمام مقر سكناه قبل أن يغادر المكان، في حين يلجا البعض الأخر إلى ركن سيارته بشكل يشغل مكانين في آن واحد، حتى يضمن مكانا لأحد أفراد عائلته الذين هم في طريق عودتهم إلى المنزل وغيرها من الطرق التي قد يبتكرها المواطنون، وهو نفس الحال بالنسبة لحجز مكان في الصفوف الأولى. و عليه و بمكالمة هاتفية فقط يحصل المصلي على مكان في الصفوف الأول، ليقوم زميله بوضع "هاتف نقال" وذلك بمنع أي شخص من الجلوس إلى غاية قدوم صاحب المكان..لا تستغربوا أيها القراء لكنها حقيقة قد زاد انتشارها في رمضان 2010.. للحجز في الصف الأول أخي المصلي..فعليك بقارورات الماء، المعاطف و حتى المفاتيح وللوقوف على هذه الظاهرة الجديدة، لم يكلفنا ذلك سوى إجراء جولة بسيطة في عدد من مساجد العاصمة ساعات قليلة بعد الإفطار، خاصة أن رصد مثل هذه التصرفات تستوجب الوصول من بين المصلين الأوائل المتوافدين إلى المسجد، نظرا إلى العدد الهائل من المصلين الذين يقصدون بيوت الله بما يفوق طاقة استيعاب المساجد، و كلهم تجدهم يتسابقون لاحتلال الأماكن الأولى وراء الإمام، غير أن أول ما شد انتباهنا أن الداخل باكرا إلى المسجد من أجل تأدية صلاة العشاء، يندهش عندما لا يتسنى له احتلال مكان في الصفوف الأولى كون معظمها قد تم حجزها مسبقا، فرغم الفراغات الملحوظة في صفوف المصلين إلا انه لا يمكنك الجلوس فيها بحجة أنها محجوزة و أصحابها لن يتأخروا في المجيء، فتجد هم يستنجدون بقارورات الماء البلاستيكية، أو وضع معاطفهم وحتى هناك من لا يتردد في خلع ساعة يده ومفاتيحه الشخصية ويقوم بوضعها أمامه إلى حين وصول صديق له ليحتل هذا الأخير تلك المساحة، في حين يضطر من وصل إلى المسجد باكرا أن يكتفي بأحد الأماكن الخلفية رغم أحقيته في الصفوف الأولى. هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل واسع في السنوات الأخيرة بين أوساط المصلين و المسنين على وجه الخصوص، و زادت انتشار في هذا رمضان، وجدت ضالتها بفعل استغلال المباحات الشرعية حسب الأهواء، حيث هنالك أناس ممن يستغلون أحقية المصلي بمكانه في حال خروجه للوضوء أو لقضاء أمر طارئ ليقوموا بحجز أماكن قبل دخولهم إلى المسجد ليبيحوا لتصرفاتهم الطائشة والتي تسيء إلى سمعة المصلي في بلادنا. زوايا خاصة بالمصلين..و آخرون يتعاملون بذهنية "هذي بلاصتي" و في الوقت الذي يتسابق المصلون ويجتهدون لصلاة التراويح في الصفوف الأولى، فإنه قد شد انتبهنا في مسجد الفتح بالعاصمة، حالة جد خاصة لمصلي اتخذ من أحد الزوايا بالمسجد بالقرب من الجدار مكانا خاصا به و ذلك للاتكاء عليه، كأنه ملكه الشخص و الفردي، و الويل لمن سولت له نفسه أخذ مكانه إن تأخر قليلا عن الصلاة، فانه يضطر إلى مخاطبة خليفته بالسماح له بترك له المكان بعبارة "هذي بلاصتي" و إذا رفض أو تقاعس أحدا فان مصيره في بعض الأحيان يكون الضرب، خاصة إذا وجده طفلا صغيرا لا يقوى على الدفاع عن نفسه، فتجده يحضر كافة الصلوات من الفجر و إلى العشاء مخافة من ضياع المكان منه.. ومصلون..يرفضون "تسوية الصفوف"..وينزعجون لاقتراب المصلين منهم "تسوية الصفوف" من بين المواضيع التي تأخذ القسط الأكبر من حديث الجزائريين خاصة في شهر رمضان الذي تكتظ فيه المساجد، فبدل أن يسعى الجميع إلى الوقوف أمام يدي الخالق عز و جل بأحسن طريقة ممكنة خاصة بالنسبة إلى مرتادي المساجد، فتصبح مشكلة الكثيرين التراص في الصف والوقوف جنبا إلى جنب مع غيره من المصلين ...روايات كثيرة تبقى في الحقيقة "طريفة" لأنها في الغالب تصدر عن أشخاص مسننين عذرهم الوحيد هو جهلهم.. فمن بين أغرب الروايات أو أطرفها هي تلك الحادثة التي وقعت لزميلي في العمل، لما قصد المسجد لأداء صلاة التراويح، و خلال أخذه لمكان إلى جانب شيخ في السبعين من العمر، و حين كان يحاول هذا الأخير أن يسوي الصف و يضع كتفه على كتفه و قدمه بمحاذاة قدمه، إلا أن الشيخ الذي بدا انه جد منزعج، كان يبتعد في كل مرة يقترب فيها منه و من دون قصد، كان زميلي يعاود الاقتراب منه إلى أن نفذ صبر العجوز و انفجر في وسط الصلاة فصرخ في وجهه طالبا منه الابتعاد و ما كان عليه إلا أن يفعل ذلك. حتى بيوت الله.. لم تسلم من "الدبزة" شهدت نهاية الأسبوع الماضي أحد مساجد العاصمة حادثة فريدة من نوعها، حيث كادت أن تتحول صلاة التراويح إلى حلبة ملاكمة شارك فيها أزيد من 30 شخصا، و لم ينجح لا تدخل إمام المسجد و لا مساعديه في توقيف الاشتباكات التي كادت أن تأخذ منحى أخر لولا تدخل بعض العقلاء فتداركوا الموقف، و الغريب في الأمر أن سبب هذه الاشتباكات مردها طفل صغير حضر رفقة والده إلى صلاة التراويح، الأمر الذي أثار إزعاج أحد المصلين الذي صرخ في وجهه طالبا منه التزام الصمت و هو الأمر الذي لم يرق لوالده الذي تدخل للدفاع عن ابنه، لتتحول الحادثة إلى ملاسنة كلامية ثم اشتباكات بالأيدي استدعت تدخل أزيد من 30 شخصا.. غير أن أكثر ما يجهل البعض كون للصلاة بصفة عامة و في الصفوف الأولى وراء الإمام على وجه الخصوص، آداب وحكمة أبرزها أن يكون من بين هؤلاء من يصلح لاستخلاف الإمام في حال أغمي على الإمام أو انتقض وضوؤه فيجد من يخلفه ممن وراءه بيسر من الذين يصلحون للإمامة، كما لا ينبغي التزاحم والمشاكسة على سد فرجة وراء الامام في الصف الاول، مثل ما يفعل البعض ممن يجهلون آداب الصلاة، فمتى رأوا احد المصلين يهم بالتقدم لسد مكان شاغر وراء الامام وثبوا عليه من الصفوف الخلفية وأزاحوه ليقفوا فيه.