إن كنتِ متدينة، فهذا من نعم الله عليك، وكم من فتاة كانت في مثل حالك وتزوجت وفتنها زوجها فأبعدها عن دينها وانتكس حالها، فخسرت في الدنيا والآخرة، وقد حدث هذا حقا، فهذه فتاة تربت في بيت متدين وعلى طاعة الله، وبعد زواجها اشتكى الجيران من حالها وحال زوجها بسبب أصوات الغناء المزعجة والعالية الخارجة من منزلهما، الآن يا عزيزتي أليس الله لطيف بك و أنت مثل هذه الفتاة التي كانت تدعو الله بالزوج الصالح، فكانت هذه هي نهاية حالها! إذا أشكري الله أن فضلك على كثير من خلقه، وقدر لك هذا الحال لحكمة لا تعلمينها، ولعل فيها تخفيف لذنوبك. لن أنسى الجانب الهام، والذي هو سبب رغبة الفتيات في الزواج، وهو الإنجاب وإشباع عاطفة الأمومة بداخلها، وهنا أتمنى منك أن تنظري حولك وترين حال من تزوجت وقدر الله عليها عدم الإنجاب، تخيلي شعورها وكيف هو حالها؟ فهي والله في شقاء وعذاب، لأنها حُرمت من شيء هام تسعى له كل امرأة، والحزن يملأ نفسها بالتأكيد، والله يرحم حالها ويفرج عنها، ويرزقها بالذرية الصالحة. أختاه أليس حالك أفضل من حالها، فأنت محرومة من هذه العاطفة، بينما تلك المرأة محرومة وفوق ذلك تشعر بالحزن، لأنها سببا في حرمان زوجها من عاطفة الأبوة، وهذا يُشكل ضغطا نفسيا كبيرا عليها. أنت لديك أبناء إخوتك وأقربائك، فوجهي عاطفتك نحوهم، وعلميهم وساعدي في تنشئتهم على أحسن الأخلاق وعلى طاعة الله، وقد تكوني معلمة و لديك فرصة لتربي من هم بين يديك خير تربية فأنت مربيه أولا ومعلمة ثانيا، وقد تكونين طبيبة فتساهمي في شفاء طفل - بإذن الله - وتكوني سببا لسعادته، المهم في كل هذا أن تحتسبي الأجر عند الله، وسيمتلئ قلبك بالسعادة الحقيقية ومعها الأجر العظيم. إن كنت تشعرين بأن عمرك يمضي ويحترق، فلا تجعليه يحترق فيكون هباء منثورا، كعود الخشب اليابس، بل اجعليه يحترق كالشمعة التي تحترق لتنير الدرب للآخرين، وتضيئ للآخرين حياتهم، وهدفها ابتغاء وجه رب كريم. أما إن كنت تنشدين المودة والرحمة في الزواج، فلا يخفى عليك ذلك الحرمان والشقاء والجفاء الذي تعيشه كثير من النساء، في ظل أزواج قصروا في حقوقهن ولم يراعوا شرع الله، فكان الزواج هما عليهن، لذا عليك شكر الله فأنت لا تعلمين عن حالك بعد الزواج كيف سيكون. لا تجعلي كل تفكيرك محصورا في الزواج، فهكذا سيمضي العمر سريعا وموحشا عليك، بل اصرفي هذا التفكير عن بالك، وتوكلي على خالقك، و اجعلي همك رضا الله وتعلم دين الله، فأنت أن لم تكوني عالمه بكتاب الله وحافظه، فقد فاتك الكثير، فعليك بطلب العلم وابتغاء وجه الله الكريم، وهكذا سيمر العمر وأنت كلك ثقة بنفسك وبالله لأنّك توكلت على الله. عزيزتي لا تبالي بتلك الأوصاف التي تطلق عليك ، فالعنوسة الآن تشمل الشباب قبل الفتيات، ولدي خمس قريبات في الثلاثين من أعمارهن، تزوجن بشباب تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين، وفي هذا التأخير حكمة عظيمة شعرن بها هؤلاء الفتيات والشباب معا، وهي أنهن عرفن قيمة الزواج، وجعلهن هذا الأمر يقدرن الحياة الزوجية، وكان دافعا لهن لقيامهن بواجباتهن على أكمل وجه ابتغاء مرضاة الله، ولتعويض ما فاتهن، وسبحان من يوزع الأرزاق كما يشاء، وغيرهن كثيرات من تزوجن وهن في منتصف الثلاثينات بل وحتى في الأربعين، وعشن في سعادة وهناء، فليس المهم طول الحياة الزوجية، المهم وقت السعادة الحقيقية فيها. اجعلي كلمة عانس رمزا لعزتك وافتخارك بنفسك، ولا تجعليها خنجرا مسموما تغرسينه بيديك في قلبك، إن شعر الآخرين بعظم شخصيتك ونجاحك وعلو قدرك، فسيخجلون من توجيه هذه الكلمة لك، ولو حدث ووجهوا لك هذه الكلمة، فهذا لن يهز ثقتك بنفسك وثقتك بمن خلقك وصورك وشق سمعك وبصرك، فمن أنعم عليك بهذا قادر على أن ينعم عليك بما هو خير لك. بأي عمر كنت، في العشرين أو الثلاثين أو الأربعين أو حتى أكثر، أتعلمين بماذا أشبه حالك؟ حالك كحال تلك اللؤلؤة الثمينة، الساكنة في أعماق البحار، لا أحد يراها، فهي محفوظة في تلك الأصداف، والتي لم تستخرج بعد، وأقول ( بعد ) لأنّه لم يأت ذلك الصياد الماهر الذي يعرف كيف يستخرج الجواهر الثمينة، أو بسبب وجودها في أماكن بعيدة وعميقة يصعب على الصيادين الوصول إليها، وما أكثر اللؤلؤ الذي لم يُستخرج بعد من أصدافه، لأي سبب كان، فهل يعني هذا بأنه رخيص أو ثمنه قليل. افرحي، وأخرجي للناس، وارفعي رأسك عاليا ليس من أجل العباد، بل من أجل رب العباد، و املئي قلبك بالعزة والرضا بقضاء الله، واجعلي هذا اليوم هو البداية الحقيقة لك، وتوجهي فيه لله، وأدعيه أن يعينك على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن ييسر أمرك، ويفقهك في أمور دينك، ويجعلك نورا لمن حولك، وأكثري من هذا الدعاء وردديه: " اللّهم اغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك". لا يحزنك ذلك، وتذكري كما قلت لك أنّك لؤلؤة مكنونة في صدفة محفوظة، تعيش حياة ساكنة في أعماق البحار، وعدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبدا. مشاركة القارئة "العلجة س" من تبسة