في وجه جديد من الأوجه التي تنذر بعودة خطر التطرف والغلو إلى المجتمع الجزائري، تزايدت في الأشهر الأخيرة الماضية ظاهرة تحول المساجد إلى ساحات صراع، وفي بعض الأحيان اقتتال، من أجل الظفر بمناطق النفوذ واستغلال المؤسسات المسجدية لأغراض شخصية واستعمالها في تصفية حسابات ضيقة، وهو ما يذكّر بسنوات مضت، عندما تحولت منابر المساجد إلى قلاع ومعاقل للخطاب المتطرف الداعي للإرهاب وتكفير الآخرين لمجرد عدم الإتفاق في الرأي. وتطرح ''النهار'' أمام القراء نماذج من حالات تحولت فيها بيوت الرحمن إلى ''ساحات وغى'' ومنابر انتخابية، بشكل يعود بالذاكرة إلى بدايات الأزمة والفتنة في الجزائر. إمام يساند معارضة المجلس الشعبي البلدي بخطبة الجمعة في تيارت وقفت ''النهار'' عند صراع تم تسجيله بأحد مساجد البلديات النائية بتيارت، بعد تدخل إمام مسجد بإحدى بلديات دائرة عين كرمس، الذي ساند بخطابه في المنبر المعارضة للمجلس الشعبي البلدي، محولا خطبة صلاة الجمعة إلى خطاب سياسي، وهو الخطأ الذي وقع فيه هذا الإمام الذي أدى إلى إحداث فتنة وانقسام بين مواطني البلدية بالمسجد، تحول إلى مشادات وعراك بالأيدي، استدعى تدخل مصالح الأمن التي فتحت تحقيقا في الأمر، لتنتهي الإشكالية بتحويل الإمام إلى وجهة أخرى، بعد تدخل مسؤولي قطاع الشؤون الدينية. إمام يلكم شرطيا بسبب صلاة النافلة في المقصورة قام إمام مسجد ببلدية الأبيض سيد الشيخ، بالإعتداء على شرطي بالزي المدني والدخول معه في معركة حامية في الساحة المقابلة للمسجد، بعد خلاف حول تأدية الشرطي لصلاة النافلة داخل مقصورة المسجد، فمنعه الإمام من ذلك بحجة أن الصلاة في المقصورة مكروهة، إلا أن الشرطي وبعد الخروج من المسجد سأل بعض المصلين، فأشاروا له أن الصلاة بالمقصورة ليست مكروهة، فانتظر الإمام وواجهه بالأمر أمام المصلين، الأمر الذي اعتبره الإمام إهانة له فأقدم على الفعل سالف الذكر أمام جمع من المصلين. إمام ''ينطح'' على طريقة زيدان بسبب أموال الزكاة أقدم إمام مسجد حي عين الدفلى بتلمسان، على إنهاء صراعه الدائم مع اللجنة الدينية بالإعتداء على رئيسها، رغم أنه شيخ كبير، وذلك بفعل خلاف ما بين اللجنة الدينية والإمام حول مواقيت افتتاح وإغلاق المسجد والمدرسة القرآنية، فاستغل الإمام وقت إقامة صلاة المغرب، ليعتدي على رئيس اللجنة بضربة رأسية على شاكلة زين الدين زيدان، ما جعل هذا الأخير يتقدم بشكوى أمام أصحاب الحل والربط عجل بإصلاح ذات البين، ليعيد الإمام مرة أخرى اعتداءه على أحد المصلين الذي يعد عضوا باللجنة، حيث إن المصلي كان يؤدي صلاة النافلة ليفاجأ بضربة من الإمام أوصلته إلى مشادات أخرى. ويبدو أن ملف هذا الإمام موضوع على طاولة الشؤون الدينية في انتظار اتخاذ قرار في حقه، على خلفية عدوانيته الزائدة. وآخر يهين محام داخل مسجد لأنه ترافع ضده في المحكمة من بين الصراعات التي حدثت في مساجد وهران، تلك التي أخذت أبعادا بين لجنة وإمام مسجد بلقايد شرق المدينة، بعد أن اتهم أعضاء اللجنة الإمام بتحويل أموال المساعدات وتبرعات المحسنين لصالحه، وهي القضية التي رفعت بشأنها شكوى لدى محكمة الجنح وأدين الإمام بغرامة مالية نافذة، وتواصل المد والجزر برفع العديد من القضايا على مستوى المحاكم، ومن بين التهم التي وجهت للإمام هي قضية الفعل المخل بالحياء ضد طفل كان يدرس بمدرسة المسجد، والتي لم يتم النظر فيها قضائيا، وآخر قضية كانت السب والشتم الذي تعرض إليه أستاذ محام داخل المسجد من طرف الإمام، ورغم ذلك لا يزال الإمام يواصل مهامه، بل أسندت له الكثير من المهام داخل الوطن وخارجه، كما أن مدير الشؤون الدينية نفى في اتصال مع ''النهار'' شهر رمضان الفارط، كل هذه التهم، رغم الأحكام القضائية. أئمة ضحايا وشاية من مجموعات المصالح بمعسكر اهتزت مؤخرا العديد من مساجد ولاية معسكر، على وقع صراعات وفتن انتقلت من ساحة المساجد إلى أروقة العدالة ومصالح الأمن، ومن بلدية المحمدية إلى المامونية، مرورا ببلدية غريس، حتى أضحت حديث الشارع المعسكري. وقد اندلعت تلك الصراعات سبب حجج واهية أو مصالح شخصية وأحيانا على طريقة وكيفية تسيير بيوت الله، في ظل غياب معلومات صريحة لدى المصالح المعنية، من أجل التدخل، حيث تعيش المساجد على وقع تنابز كبير بين جمع من المصلين لاسيما ممثلي الجمعيات الدينية من جهة والإمام من جهة أخرى، الأمر الذي استدعى تدخل الجهات المعنية، استنادا إلى شكاوى وجهت لمديرية الشؤون الدينية وأحيانا لوزارة المعنية، يتهمون فيها الأئمة أحيانا بالتطاول وتغذية نزاعات ضيقة، وأحيانا يتهمونهم بسرقة مال المتبرعين، إلى حد الإشتباه في سرقة مصوغات المتبرعات لإتمام المساجد كواقعة غريس والمامونية التي فتحت فيها المصالح الأمنية تحقيقات أمنية انتهت أغلبها بحفظ الملفات نتيجة انعدام الأدلة. تداخل الصلاحيات بين الإمام واللّجان الدينية وفي الشرق الجزائري وبالتحديد بولاية ميلة، تشهد عدّة مساجد صراعات منها ما طفا على السطح ومنها ما يزال قيد الكتمان، وتباينت هذه الصراعات بين الرغبة في الإستحواذ على تسيير المسجد، سواء من طرف بعض الأئمة أو بعض لجان المساجد، ما تسبب في مد وجزر، أدى إلى تداخل الصلاحيات، حيث أصبح الأئمة يقحمون أنفسهم في شؤون التسيير من مداخيل ومصاريف، وحتى جمع التبرعات، في حين أصبحت اللجنة تحشر نفسها في طريقة إلقاء الخطب، إلا أن المشكل داخل المساجد لم يقتصر فقط على هذه الصراعات المصلحية، بل تعدى إلى الصراع الفكري، بين مختلف التيارات الدينية، خاصة بعد انتشار التيار السلفي المتشدد، حيث يعمد منتسبوه إلى محاولة فرض آرائهم ليس بالإقناع فقط. صراعات إيديولوجية داخل بيوت الله كما يجد الأئمة نوعا من الصعوبات في تسيير الجانب الفكري والديني داخل المساجد، بتواجد هذه الفئة التي تحاول فرض منطقها والذي يتجلى في أحيان عدة بالصلاة خارج الجماعة وفي شكل مجموعات. وكان المدير السابق للشؤون الدينية بولاية ميلة، قد كشف ل'' النهار'' عن تسجيل بعض الحالات فيما تعلق بمحاولة المجموعات السلفية المتشددة في استغلال بعض المساجد، لإلقاء قناعاتهم وأفكارهم المستوردة، غير أن التفطن السريع للمديرية والأجهزة الأمنية، عجل في ردع هذه التصرفات. عندما يختلف السارقون يظهر المال المسروق وبولاية سوق أهراس لم ينجو قطاع الشؤون الدينية من تلك المظاهر، خاصة بين القائمين عليه من لجان وأئمة ومصلين، مثلما حدث مؤخرا بمسجد عوادي حيث أدى عدم تفاهم اللجنة وإمامه إلى العديد من المشاكل، وأيضا مثل ما حدث بمسجد عمر بن الخطاب حول اختفاء 3 ملايين سنتيم اتهم الإمام باختلاسها، إلى جانب اتهامه بالمحاباة والتلاعب بمسابقات حفظ القرآن الكريم وإعطاء شهادات لغير مستحقيها، أين رفعت عديد الشكاوي بهذا الشأن. وفي المسجد العتيق، الذي عين على رأسه إمام شاب، لم ترض لجنة المسجد بالوافد الجديد، لأنه لم يوافقهم على كيفية توزيع الزكاة التي توزع فيما بينهم دون وجه حق، حيث كانت تقسم على الإمام والقيم، لكن هذا الإمام لم يتواطأ معهم مما اضطرهم إلى رفع شكوى ضده، وعملوا على تنحيته وإمام آخر بمسجد بحي 26 أفريل كان على وفاق تام مع اللجنة، حيث قاموا بتزويجه من فتاة من المدينة، لأنه سار في مسارهم، خاصة حول تقسيم الزكاة فيما بينهم وأمور أخرى، كما قام رئيس اللجنة رفقة زملائه بجمع التبرعات واشتروا له سيارة وعند تفطن المصلين لهذا الأمر، اعتبروه بمثابة الرشوة ورفضوا تواجده بمسجد التوبة. السياسة تنذر بتكرار سيناريو التسعينات وفي مناطق بولايات الجنوب، فقد عرفت العديد من مساجد الوادي خلافات بين الجمعيات القائمة على تسيير شؤون المساجد والمصلين، وكان مصدرها وخلفيتها دائما، محاولة تسييس المؤسسات المسجدية، من خلال محاولة كل طرف السيطرة وفرض منطقها على المسجد، على غرار ما يحدث بمسجد الهداية بحي الحرية، أين يتعرض المصلون لمضايقات كبيرة بسبب تصرفات الجمعية، رغم مساعي الإمام الحثيثة في فرض هيبة المسجدوتدخلاته المستمرة. أما في مسجد الهمايسة ببلدية حاسي خليفة؛ فإن الصراع مازال قائما بين تيارين في المسجد؛ كل واحد له رؤية ونظرة حول كيفية توسعة المسجد. شيخ يتهم قنصل بالإعتداء عليه داخل مسجد بأم البواقي وبولاية أم البواقي، لم تخل بيوت الله من المشاحنات والشجارات، على غرار باقي مساجد الوطن، حيث شهدت ''النهار'' إحداها وصلت إلى أروقة المحاكم حيث عالجت محكمة ''مستيانة'' قضية اتهم فيها شيخ في العقد السابع من العمر قنصل سابق للجزائر بتونس سنوات السبعينات، بالإعتداء عليه في المسجد بالضرب، في الوقت الذي أكد فيه السفير الذي أدين بغرامة مالية، أنه قام بدفع الشيخ، بعد أن أحدث هذا الأخير ضجة وضوضاء داخل مسجد بلال ''بن رباح'' في وقت الصلاة، إلا أن الشيخ لم يهضم هذا الفعل من القنصل، فتقدم بشكوى لدى مصالح الأمن التي استمعت إليهما، ثم قدمت الملف إلى الجهات القضائية، إذ أدين السفير بغرامة مالية قدرت ب 2000 دينار عن الفعل الذي أدين به من دون قصد، بعد أن كان مراده احترام المسجد وقت الصلاة، بدل إحداث فوضى ومشاكل داخل المسجد وقت الصلاة، خاصة وأن الحادثة وقعت أثناء صلاة الجمعة.