أعطت مجموعة من الجالية المسلمة ببريطانيا صورة دقيقة عن وضعية المسلمين في هذا البلد الأوروبي المعروف بالتسامح العرقي والأقليات والطوائف بعيدا عن التطرف والغلو. وذكرت المجموعة المشكلة من مختصين في الشؤون الإسلامية وفكرها، وعضو بحزب العمال، وناشطين في الجمعيات التي تقود حملات تعبئة وإعلام للتعريف بقيم الإسلام السمحة، أنها تخوض معركة هادئة نقيضة للشبكات الإرهابية التي اتخذت من لندن ومدنها الكبرى، وتجند الأئمة والعلماء الموالين لهم لإصدار فتاوى تحرض على قتل ما حرم الله، وتبيح لنفسها بالتفوه بأشياء ما انزل الله بها من سلطان. وأكدت المجموعة في ندوة نقاش بمركز ''الشعب'' للدراسات الإستراتيجية أن تتولى ضمن شخصيات بارزة من الجالية المسلمة مهمة تعريف الآخر البريطاني بحقيقة الإسلام البريء من التهم الملصقة به والمرسخة، في الأذهان، زادتها سوء أعمال متطرفين إسلاميين يحرضون على العنف وقتل الأبرياء بلا وجه حق. وحدث هذا في الاعتداءات الإرهابية على محطة الميترو بلندن خمس سنوات مضت. وهي اعتداءات غيرت من الموقف البريطاني بصفة جدرية وأدركت لندن عندها حقيقة الإرهاب العابر للأوطان والحدود وعدم اقتصار نشاطه على رقعة جغرافية محددة. وتحركت بريطانيا وغيرت سياستها تجاه جماعات الموت التي اتخذت منها فضاء للأنشطة والتحريض على التطرف والغلو. وكانت الفتاوى تصدر من مسجد فانسبوري بارك بعمق لندن يتولاها في اغلب الأحيان ما يعرف بابوحمزة المصري المحرض جهرا على قطع الرؤوس في الخطب، جاعلا منها منبرا للتهجم على الجزائر التي واجهت الإرهاب بمفردها لسنوات ولم يسمح لنداءاتها حول التعاون الدولي الواسع لاستئصار الخطر من جذوره بعيدا عن التدابير الأمنية البحتة وقاعدة ''تخطي راسي''. وقد نبهت لهذا منى حميطوش الوجه الإعلامي البارز، عضوة المجلس البلدي بلندن، ممثلة عن حزب العمال. وقالت حميطوش التي غادرت الجزائر في أوج الغليان والجنون، أنها أسست الرابطة الجزائرية البريطانية غايتها الترويج للثقافة الجزائرية الحقة ومضمونها وقوة تسامحها ودورها في الحضارة الإنسانية . وكشفت أن قيم التسامح التي تربى عليها المجتمع الجزائري عبر العصور وتحمل أكثر من علامة شاهدة، هي التي تتولى نشرها في الأوساط البريطانية التي تغذت على أفكار التطرف وترسخت في أذهانها صورة مغلوطة مشوهة بفعل الجماعات الإرهابية التي وجدت الساحة شاغرة لعملها وادعاءاتها، شجعها غض الطرف البريطاني عنها، وتركها وشانها تحت حجة تعددية الآراء والمعتقدات ومعارضة أنظمتها ومقاومتها بدعوى التغيير وترسيخ الديمقراطية والتداول على السلطة. وعلى هذا المنوال تحركت الجماعات الإرهابية متخذة من بريطانيا غطاء لأنشطتها واعتداءاتها. وظل رؤساء المجموعات الإرهابية وشبكتها العنكبوتية في أوروبا يطل علينا بعد كل عمل إجرامي يقتل الأبرياء ويحطم المنشات والهياكل، عبر الفضائيات للتهليل والتبرير بلا متابعة أو معارضة من لندن التي قيل أنها موطن الجماعات الإرهابية وفضائها المتميز. لم تستمع بريطانيا للتحذيرات الجزائرية لوقف أنشطة الجماعات الإرهابية وكانت تعتقد أنها ابعد من أن يصلها الخطر الداهم الذي ضرب فرنسا واسبانيا وايطاليا وألمانيا، وهز أركان الولاياتالمتحدة اثر اعتداءات الحادي عشر سبتمبر. لم تعبأ بالتحذيرات وكان ساستها يرددون على الملأ في كل مرة يكون الحديث عن الجماعات الإرهابية الجزائرية ''أنها من صنع محلي''، مدعية ضرورة تغيير الحكم ودمقرطته وتفتحه على الرأي الآخر النقيض. وسارت على هذا المنهج حتى اعتداءات لندن التي كشفت أمام البريطانيين الحقيقة الساطعة أن الإرهاب لا لون ولا مشرب له، وانه يضرب الجميع بلا استثناء حتى الدول التي ترعاه بإغماض الأعين عن أنشطته. وعن التغيير الحاصل لدى مقرر السياسة البريطانية والمسيطر على دواليب الحكم أكد محمد علي موساوي وهو من أصل عراقي، انه نتاج عمل نشطاء الجالية المسلمة الذين لم يقبلوا أن تلصق شبهات التطرف بكل مسلم، ويدرج في خانة المغضوب عليهم ومن يلاحقون بلا توقف في كل مكان من الشرطة أو غيرها. وذكر موساوي أن الكثير من الشخصيات المسلمة انضمت تحت الجمعيات والمنظمات بغرض التحرك في الاتجاه المعاكس من اجل إقناع البريطانيين بان دعاة التقتيل والتطرف الذين غزوا الجامعات، والمساجد في فترات سابقة هم غرباء عن الإسلام المتسامح المشدد على احترام الآخر ومجادلته بالتي هي أحسن بعيدا عن المشاجرة الكلامية والتناحر الفكري المولد للفتنة والانقسام. وانساق البريطانيون وراء هذه الأفكار واقتنعوا بجدواها وعقلانيتها ومنطقها بعد اعتداءات لندن الإرهابية. وتكونت لهم أجوبة شافية قاطعة حول لماذا يتولى من ينتسبون للمسلمين بهذه الأعمال الشنيعة ويعتدون على أقدس حق من حقوق الإنسان الحق في الحياة؟ وكيف تسقط أمامهم في رمشة عين قيمة بني ادم الذي كرمه الله وأحسن تقويمه إلى درجة يباح بقتله بلا رحمة وشفقة؟ وكيف تصدر من أشباه العلماء فتاوى بقتل أجنة في بطن أمهاتهم حتى لا يتحولون إلى طغاة مثلما يروج ويطلق العنان لأوصاف ونعوت غريبة عن الإسلام وبعيدة عن محتواه ومضمونه بعد الأرض عن السماء.