زوالية ومغرر بهم وراء القضبان مقابل إعفاء البارونات من الضّرائب يصعب التّصديق والإقتناع بأن موجة أعمال الشغب التي شملت مناطق واسعة من ولايات الوطن على مدار الأيام الماضية، كانت بمثابة رد فعل طبيعي على الزيادة في أسعار الزيت والسكر، وهي مواد استهلاكية أقل إنهاكا لجيوب الجزائريين، بالمقارنة مع ما يستهلكه الجزائري من خضر وفواكه مقابل استهلاكه للسكر والزيت في شهر واحد، وبالمقارنة أيضا مع الزيادات العشوائية في أسعار النقل البري، خصوصا الحضري في كبرى المدن.. لكن لنفترض أننا سلمنا وصدقنا ''الرواية'' القائلة بأن المراهقين والشباب الأقل من 23 سنة، فعلوا ما فعلوه احتجاجا على الغلاء، وأنهم رفعوا ورددوا شعارات تنادي بخفض الأسعار. فما الذي جعلهم يتوقفون، هكذا دفعة واحدة عن الحرق والتخريب، أو على الأقل تراجعت حدّة الشغب في الكثير من المناطق؟ الأكيد أن الإجابة ستكون كالتالي: ''بعد قرار الحكومة تأجيل تطبيق قرار رفع الرسوم الجمركية والجبائية على استيراد الزيت والسكر''. يقول وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، ''لا يمكننا نكران حقيقة معرفتنا منذ مدة قصيرة، أن غلاء الأسعار الذي غالبا ما يكون غير مبرر ومفتعل، قد كان له أثر سلبي وأدى بالتالي إلى حالة قلق لدى جميع الفئات وليس فقط ضمن تلك الفئة الفقيرة التي تشكل مجتمعنا'' .. هذه الكلمات قالها ولد قابلية، بصريح العبارة، دون زيادة أو نقصان في حديث أجرته معه وكالة الأنباء الجزائرية، وهو ما يعني أن السلطات العمومية والحكومة تعترف بشكل واضح بأن الزيادة في أسعار الزيت والسكر كانت ''مفتعلة''، زيادة على وصفه لها بأنها ''غير مبررة''، أي أن بارونات الزيت والسكر في الجزائر، استغلوا احتكارهم للسوق وفرضوا منطقهم وسياستهم، لأهداف مجهولة، سواء كانت زيادة هوامش الربح لديهم أو تحقيق مآرب أخرى، من خلال إشاعة الفوضى والتخريب.ومن كلام وزير الداخلية حول هذا الإجراء غير القانوني في الزيادة في الأسعار، يستخلص أنّه كان ينبغي على السلطات أن تُواجه بحزم وعزم، المضاربين ومحتكري السوق، لإجبارهم على التراجع عن الزيادات، لا أن تقوم بمنحهم امتيازات تعفيهم من الضرائب والرسوم الجبائية والجمركية. فهل من المنطقي أن يخرج الجزائريون إلى الشارع وتُخرب المنشآت والمؤسسات، وتُسجل عشرات الضحايا بين المدنيين ورجال الأمن، لكن في الأخير يستفيد من كل ذلك بارونات الاحتكار؟ ألا يمكن تشبيه ما حدث بكلمات تتلخص في المثل الشعبي القائل ''زيد الماء للبحر''؟ قد يقول قائل أن نوايا الحكومة في إعادة جو الأمان والطمأنينة، فرضت عليها اللجوء إلى الرضوخ لمطالب البارونات وأرباب المال والأعمال، وأنّ النية الحسنة تسبق أي شيء وتبرر أي شيء. ونحن بدورنا نحيي مثل هذه التضحيات، لكن أليس هذا الإجراء قد يكون دافعا لبارونات آخرين ليفرضوا منطقهم في ممارسة الإقطاعية واللصوصية على الجزائريين ويبتزون الدولة لنهب أموال الشعب؟ ماذا لو قرر غدا بارونات الدواء ومستوردي المواد الغذائية الأخرى رفع الأسعار، وخرج إثر ذلك الجزائريون إلى الشارع، ألن تكون الدولة حينذاك مجبرة على التعاطي معهم بنفس المنطق المتمثل في الرضوخ والخنوع تحت ''شعار المصلحة العليا للبلد؟ إن ما حصل خلال الأيام الماضية من فتنة، ثم ربطها بطريقة غير مباشرة، بالإجراءات التي أقرتها الحكومة والخاصة بمنع تداول الأموال نقدا عندما تتجاوز قيمتها 50 مليون سنتيم، وهي الإجراءات التي هدفت إلى محاربة تبييض الأموال وتهريبها في إطار مكافحة الفساد، يثبت بالدليل القاطع أن من كان وراء ''الهول'' الذي حصل، أباطرة أقلقتهم سياسة مكافحة الفساد، كما يثبت أيضا أنّ ما قاله بعض رجال ثقة أويحيى عندما اتهموا أياد من وراء ستار بالوقوف وراء الأحداث الأخيرة، لم يكن مجرد كلام للإستهلاك.