يوميات الرعب في شهادة المعذبين في الوقت الذي تختلف فيه بعض الأوساط بجدلية تمجيد الاستعمار وايجابياته في الجزائر كان لزاما ان نعيد مشاهد الإجرام الأقصى المرتكب في حق شعبنا ونسترجع صفحة من أساليب التعذيب النازية التي مورست بفنيات عالية من سفاحين اعترف بعضهم بما ارتكب من ذنوب ضد أحرار رفضوا الخيانة فكانت البداية من مركز التعذيب الشهير برج نام بالذرعان ولاية الطارف الذي تذكرك كل زاوية منه بمغارة الرعب التي شهدت أبشع فنون التعذيب و ليس سهلا ان تجمع شتات الذاكرة التي بدأت تتلاشى برحيل شاهدي القرن فكنا نسارع الى التقاط آخر الشهادات حفاظا على ما تبقى من ذكريات. شيد المعتقل أواخر 1955 بسعة ألف شخص بزنزنات لا تزيد عن 12 يقع بهضبة وسط الذرعان في موقع استراتيجي يمكن لحراس السجن مراقبة أي حركة و من كافة الاتجاهات حيث يتم رصد التجمعات المحيطة في الذرعان و بجانبه يمر خط سكة الحديد التي تعود الى مشروع ديغول بنقل المعادن الخام نحو عنابة و تهريبها بعد نهبها مباشرة الى فرنسا يتكون من الطابق الأرضي حيث يزج بالمساجين المعتقلين أفرادا و جماعات في زنزنات ضيقة لا تتجاوز المتر المربع الواحد لأربعة أشخاص بينما يخصص الطابق العلوي الى ممارسة التعذيب . يوميات الرعب في شهادات المعذبين..الجلوس على الزجاجات و أسلاك الكهرباء عندما تجلس الى هؤلاء المجاهدين تستمع الى شهاداتهم و هم يسترجعون مشاهد الرعب التي عاشوها لا تقدر على حبس أنفاسك و هم يروون مسلسل العذاب الذي بلغ درجة بشعة من الوحشية و القساوة و عندما يبكي الرجال أمامك بدموع حارة و قد بلغوا من العمر عتيا لن تتمالك نفسك من ذلك الشعور الغريب بحجم التضحيات التي وهبها هؤلاء لتكون الثورة الجزائرية أسطورة القرن.. التقينا المجاهد "صالح شلوفي" في بيته ببلدية شبيطة مختار يعيش حياة البؤس و الحرمان في مزرعة قديمة كان يسكنها مستوطنون فرنسيون حكى لنا عندما حكم عليه بالسجن لثلاث سنوات بتهمة معاداة فرنسا تهمته انه ضرب حركيا بعنف كان يقضي حاجته ثم ينظف جسمه بالأعلام الوطنية قضى أربعة أشهر منها في معتقل برج نام يتذكر ما فعل به جوزيف بمساعدة حركى جزائريين يقومون بنزع ثيابه ثم يجلسونه على زجاجات حتى يغمى عليه من شدة الألم و عندما يستفيق يكررون العملية مرة أخرى لا يستطيع التعبير عن وصف ما ذاقه من عذاب . أما المجاهد "هاني عبد القاد"ر الذي يحمل كل ذكريات المركز البشعة بدقة فحكى لنا قصص مغارات الرعب التي عايشها كل لحظة تقربه من الموت حيث تنزع ملابسه في عز الشتاء من أيام جانفي و تربط يداه إلى الخلف و يعلق بحبال غليظة بالخشبة الى الأعلى و يوضع على كرسي ثم ينزع من تحت قدميه فيبقى يتدلى بجسمه و في المرحلة الثانية عندما يعجز الجلادون على انتزاع اعترافاته عن حركة المجاهدين باعتباره كان مسؤولا عن منطقة الذرعان يدخلونه الى الغرفة المجاورة حيث يتواجد بها خزان الماء بداخله سلك كهربائي يشغل عندما يولج داخله و عندما يكاد يختنق يخرجونه و بعد عدة محاولات يجبرونه على شرب كمية من الجافيل تتكرر العملية يوميا. يتحدث إلينا عن يوميات المركز و بشكل متقطع اذ لا يستطيع في الكثير من الحالات الكلام عن بشاعة ما شاهده طيلة مكوثه هناك و أمر ما رآه تلك الفتاة الصغيرة التي كان الجنود الفرنسيون يأخذونها الى إحدى الزوايا و يمارسون عليها الجنس ببشاعة و يتداولون عليها طيلة اليوم كان يسمع صراخ النساء كان عددهن كبير حسبه يتذكر منهن جعدية التي توجد على قيد الحياة و مالية و أخريات.. المجاهد "احمد دالي" دخل برج نام عام 1956 بتهمة الانتماء إلى الثورة قضى فيه خمسة أشهر كاملة تلقى كل أنواع التعذيب بالكهرباء و الماء أصيب في رجله اليسرى أما شابي محمد الطاهر فقد ادخل الى المركز عام 1958 عذب بالكي بواسطة الكهرباء في شتى أنحاء الجسم منها الأنف و الأذن حيث يقومون بإدخال أنبوب الماء عن طريق الفم في حين يذكر زغدود عبد المجيد الذي دخل المعتقل لمدة عشرين يوما بربطه بالحبل و أسلاك الكهرباء تسقط أسنانه بعد ضربة على الفم مباشرة و إصابة عينه اليمنى بعدها يقومون بتحرير الكلب الشرس ينهش جسده فيصاب على كتفيه في حين يروي حفناوي زماري الذي قضى ثلاثة عشر شهرا في برج نام عذب سبعة عشر يوما كاملة بواسطة سكين يمزقون به أنحاء جسده و يعاودون الكرة معه بالكهرباء و الماء بتهمة انخراطه في صفوف الثورة كمسبل في عرش أولاد سليم و يذكر انه كانت معه في المعتقل ثلاثة عشر امرأة اما زماري محمد فلا ينسى الجلادين الغلاظ الذين اشرفوا على تعذيب المعتقلين في برج نام على رأسهم جوزيف و فرانسوا مكث بالسيلون ثمانية عشر يوما رفقة ثلاثة آخرين في مساحة لا تتجاوز واحد متر مربع تعرض إلى الضرب في البطن بالعصا يوضع على حجرة كبيرة يمدد على صدره سلك كهربائي و آخر داخل انفه و يصبون على جسمه الماء و يذهب عون قويدر في سرده لأحداث برج نام عندما قام حراس المعتقل بضرب حمار نادوا عليهم للقيام بسلخه و تقسيمه الى نصفين نصف للفرنسيين و النصف الأخر للمساجين الذين اجبروا على أكله عنوة. برج نام .. أو بيت الأشباح كما هو حاله الآن تدور حكايات العامة عن برج نام الذي ظل يشغل فضول الكثير من الناس الذين يعتقدون بأنهم يسمعون ليلا صراخ أشخاص من شدة التعذيب و طرقات الأبواب ..النهار حاولت استكشاف الأمر لتزور المركز ليلا و تلتقط صورا لذلك الهدوء التام الذي خيم على أركانه و تتجول بين زنزناته فلم نجد الا من يحفرون جدرانه بحثا عن خفايا و خبايا و ربما غنائم في سجن شهد أسوا سيناريوهات الفزع و الرعب التي تتنافى مع كل الشرائع و الأخلاق الإنسانية.. حالة المركز الآن لا تعبر إلا عن إهمال بشع و تدمير بكل المعاول لذاكرة الأمة فقد نهبت ممتلكاته و انهارت جدرانه و أتلفت أرضيته و يكاد يتلاشى رويدا المجاهدون و على رأسهم زبائن المعتقل القدامى دقوا ناقوس الخطر عندما زاره وزير المجاهدين محمد شريف عباس عام 2001 هذا الأخير يأمر بتحويل المعتقل إلى متحف مفتوح على الأجيال لدراسة مآثر الثورة و الاستدلال بشواهدها و عبقرية صانعيها و تم رصد ملياري سنتيم لمكتب الدراسات بالبوني لإعداد مخطط عمراني للمتحف و منذ ذلك الحين بقى المشروع حبيس الأدراج رغم النداءات و مساعي الأسرة الثورية سيما منظمة أبناء الشهداء و المجاهدين و في لقائنا مع رئيس البلدية أصر على مواصلة تنفيذ المشروع و ان البلدية ستقوم بكل المساعدات للحفاظ على المركز كمتحف تاريخي وطني.. الولاية ترفض اعتماد جمعية حماية برج نام من المفارقات العجيبة أن يأمر وزير المجاهدين يتحويل المركز الى متحف في حين ترفض مصالح التنظيم لولاية الطارف اعتماد جمعية مجاهدي المنطقة و قدماء المساجين و المعطوبين الذين تقدموا بملف تأسيس جمعية محلية ترعى المركز و تشرف على مشروع المتحف لأسباب مجهولة غير مؤسسة منذ سنتين من الإيداع القانوني في الوقت الذي يتعرض فيه المركز الى إبادة حقيقية و يوشك على الاندثار مما يعتبر جريمة في حق التاريخ الوطني و إتلاف ذاكرة المعتقل الذي شهد أبشع أنواع التعذيب التي تحاول الأوساط الفرنسية التستر عليها و قد لمسنا رغبة الكثير من مواطني المنطقة على ضرورة استثمار ما تبقى من شاهدي المجازر و الجرائم المرتكبة داخل هذا المركز و بشكل عاجل و يطالبون وزارتي المجاهدين و الثقافة و كذا رئاسة الجمهورية التدخل من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.