تسارعت الأحداث في ليبيا على مدار الأربع وعشرين ساعة الأخيرة، لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قادة ليبيا الجدد ماضون نحو إعلان إمارة إسلامية في ليبيا، ولو بطريقة غير معلنة. فبعد الخطاب الذي ألقاه مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقال بليبيا، خلال احتفالات ''إعلان التحرير'' التي أقيمت أول أمس ببنغازي، بدلا من إقامتها بالعاصمة طرابلس، وهو الخطاب الذي أعلن فيه عن بطلان كافة القوانين الليبية التي لا تتطابق مع الشريعة الإسلامية، بدا أن هذا الأخير قد شرع في ممارسة لعبة سياسية من جانبين، الأولى من خلال إصدار قرارات شعبوية، الهدف منها نيل دعم وتعاطف الليبيين، من خلال محاولة تصوير قوانين نظام القذافي بالمخالفة للشريعة الإسلامية، رغم علم الجميع أن ليبيا في عهد القذافي كانت تمنع بيع الخمور في كامل التراب الليبي، إلى جانب ارتكاز قوانينه على الشرع. أما التوجس الثاني الذي أخاف أكثر من جهة بعد خطاب عبد الجليل، فكان ظهوره بشكل مكشوف بمظهر الساعي لاستمالة دعم التيارات الإسلامية المتطرفة و''الجهاديين'' في ليبيا، من خلال تركيزه على قانون الأسرة الليبي فقط وإباحته لتعدد الزوجات، وكأن ما يهم ليبيا والليبيين في الوقت الراهن هو التيسير على ''الجهاديين'' والمتطرفين العثور على المزيد من الزيجات بدلا من البحث والتفكير في كيفية إعمار ما دمرته الحرب على ليبيا. وكان المؤشر الثاني على توجه قادة ليبيا الجدد نحو إقامة نظام حكم شبيه بنظام ''طالبان'' في أفغانستان، هو الفتوى ''الجاهلية'' التي أصدرها من يسمى بمفتي ليبيا، الصادق الغرياني، بحرمة دفن القذافي في مقابر المسلمين، مما يعني بشكل مباشر ب''تكفير'' القذافي، وهوما بدا جليا من خلال الفتوى الذي حرمت أيضا الصلاة عليه. المثير في قصة أولى فتاوى ''ثوار'' ليبيا هو أن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل تعهد بالالتزام بفتوى الغرياني حول جثة القذافي، حيث أعلن عن أن المجلس الذي يرأسه بصدد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما ورد في فتوى المجلس الأعلى للإفتاء بشأن جثة العقيد معمر القذافي. المخاوف من تحول ''ديمقراطية'' ثوار ليبيا نحو ديكتاتورية أشد بشاعة من تلك التي مارسها القذافي، تجلت أمس بعد الكشف من طرف منظمة ''هيومن رايتس ووتش''، عن اكتشاف 53 جثة لعناصر من كتائب القذافي، أعدموا بالرصاص، بعد تقييدهم، حيث تم إطلاق النار عليهم عن قرب، مما يشير إلى تعرضهم للتصفية الجسدية، ويقصي شكوكا حول مقتلهم في معارك مسلحة.