الحديث عن كفاح ونضال الشعب الجزائري لا يقتصر فقط على الفترة الممتدة من الفاتح نوفمبر 1954 إلى 5 جويلية 1962 بل يضرب جذوره إلى بدء غزو المستعمر الفرنسي الغاشم للأراضي الجزائرية منذ 1830 حينها بدأت المقاومات الشعبية التي تزعمها الأمير القائد العسكري عبد القادر بن محيي الدين ثم مقاومة الشيخ المقراني والحداد ولالة فاطمة نسومر والشيخ بوعمامة لسنوات ما بعد 1880 لكن يرى المختصون أنه حتى وإن كانت هذه المقاومات بسيطة نوعا ما من حيث العدة المادية لكنها كانت متشبعة بمبادئ الذود عن حياض الوطن والديار والمنافحة عن اللغة والدين بالنفس والنفيس وكان فعلا ذلك في أبهى وأروع صوره ولنا أن نستحضر استشهاد قائد سلاح الأمير عبد القادر بزمالة مليانة الشيخ بن علال وكيف قطع رأسه وأخذ إلى المتروبول وقتها ليقدم هدية لحاكم فرنسا وإسترسالا في ذات السياق فإن الشعب الجزائري لم يتوان في تقديم القرابين على مذبح الحرية إذ لا ننسى محرقة الظهرة التي إقترفها أحد جنرالات الجيش الفرنسي السفاحين في حق السكان العزل بنواحي مستغانم هكذا تواصلت المعارك حتى بدأت بوادر الحرب العالمية الأولى وجاءت حركة الأمير خالد سنة 1911 والتي رفع فيها لواء معاداة التجنيد الإجباري في الجيش الفرنسي لمحاربة الألمان لأن حربا مثلها لا ناقة ولا جمل للجزائريين فيها سوى الموت تحت القنابل وفي الخنادق . والأمير خالد الذي أسس جريدة سماها «الإقدام» تميز إلى جانب تكوينه العسكري متخرج من مدرسة سان سير الحربية الشهيرة فهو متكون ثقافيا وسياسيا كانت جريدته منبرا للأقلام الجزائرية المسلمة المناهضة للإستعمار وأبواته الداعين إلى التغريب والإرتماء في أحضان الثقافة الفرنسية النصرانية فراحوا يناضلون بالقلم والأفكار السياسية إلى أن بزغ فجر حزب نجم شمال سنة 1926 بفرنسا بزعامة أب الحركة الوطنية ميصالي الحاج هذا الحزب كان في بداياته حركة نقابية تطالب بتحسين ظروف العمال المغاربيين والدفاع عن مصالحهم المهنية والإجتماعية لكن تنامي الحس الوطني مع إنتشار مبادئ الرئيس ويلسون الأمريكي الأربعة عشر حول حرية تقرير مصير الشعوب أضحى نجم شمال إفريقيا يطالب بإستقلال كل أقطار المغرب العربي من ربق الإستعمار الفرنسي وميصالي الحاج أكد مطلب إستقلال الجزائر في خطابه الشهير ببلكور بالعاصمة سنوات الثلاثينات أين جمع قفة من التراب أمام مناضليه وأقسم أن هذه الأرض لن تكون فرنسية لتبدأ إهاصات التحضير للفكاح المسلح بالتوازي مع بروز حركات سياسية هامة مثل حزب أحباب البيان والحرية للزعيم فرحات عباس وكان من ضمن طاقمه الدكتور بن جلول ولمين دباغين والمثقفين الآخرين الذين أثروا جرائد الحزب بالأفكار التحررية والمطالب المساواتية للحكومات الفرنسية المتوالية . ولم تتوقف الحركة الوطنية عند ذلك بل جاء حزب هام هو حزب الشعب الجزائري لميصالي الحاج أين ترسخت مطالب الحرية والإستقلال وتأكدت عقيدة الإنعتاق وقتها بل أنها توطدت على أرض الواقع مع مجازر الثامن من ماي 1945 المقترفة من قبل الفرنسيين في سطيف وڤالمة وخراطة ومناطق أخرى من الوطن فأظهرت فرنسا فظاعتها وكرهها المقيت للجزائريين في وقت كان العالم الحر ينتشي بنكهة الانتصار ضد النازية والفاشية إذن فمنذ ذلك الوقت تأكد لدى زعماء الحركة الوطنية أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وأن السلاح هي اللغة الوحيدة التي يفقهها العدو فخرجت حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية ومن رحمها تكونت المنظمة السرية الخاصة «لوس» التي كان لها شرف التحضير للكفاح المسلح فكان من بين أعضائها الراحل سي أحمد بن بلة وسي الطيب الوطني ومصطفى بن بولعيد وكريم بلقاسم وآخرين عقدوا العزم ذات ليلة من أواخر أكتوبر 1954 في فيلا بحي «سالمبيي» بالعاصمة وعددهم كان 22 عضوا على تفجير الثورة المسلحة فأبلت هذه المجموعة التاريخية ما أبلت في سبيل التحضير المادي والبشري لثورة نوفمبر فتوحدت كل الحركات الوطنية تحت لواء جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير كقوة ضاربة واحدة ضد الظلم والإستبداد فتوج هكذا نضال الحركة الوطنية المباركة بالثورة المظفرة التي إلتف من حولها الشعب وراح يضحي بدون تردد في سبيل عزة الوطن وسؤرده لكسر قيود قرن ونيف من إستدمار شرس لم يرقب إلا ولا ذمة في الشعب الجزائري.