يعرف سوق العقار ارتفاعا كبيرا في كراء وبيع مختلف العقارات من شقق وأراض، حيث بلغت أسعارها حدودا غير معقولة حتى بات مجرد التفكير في شراء، بل وكراء مسكن من أصعب الأمور التي تواجه المواطن الذي يجد نفسه في رحلة ذهاب وإياب وسلسلة من الاتصالات بالوكالات العقارية بغرض إيجاد شقة للإيجار بثمن يناسب المدخول. "السلام اليوم" حاولت الوقوف على أسباب هذا الارتفاع، حيث يتقاذف كل من الوكلاء العقاريين والمواطنين التهم، وكل طرف يضع المسؤولية على عاتق الآخر. لإيجار شقة من غرفتين بثلاثة ملايين سنتيم شهريا، للبيع شقة من ثلاث غرف بمليار ونصف سنتيم، كانت هذه نماذج من إعلانات تنشرها مختلف الصحف. وللوقوف أكثر على أسعار الإيجار والبيع، قمنا بجولة استطلاعية لبعض الوكالات العقارية، حيث تراوح ثمن بيع شقة من ثلاث غرف في كل من عين النعجة،براقي، جسر قسنطينة، الحراش بين ما متوسطه 750 إلى 900 مليون بدون عقد ملكية، أما أسعار الإيجار فقد بلغت السقف، حيث يصل ثمن كراء شقة من غرفتين بالأبيار ما يفوق ثلاثة ملايين سنتيم، بينما تجاوز ثمن كراء شقة من ثلاث غرف بالقبة مبلغ أربعة ملايين سنتيم للشهر الواحد، فيما تبقى الأسعار تختلف باختلاف عدد الغرف، المساحة ومكان تواجد العقار، وما إن كان متوفرا على متطلبات الحياة من النقل والمدارس والمحلات. اعتقد الكثير من المواطنين أن الفرار من المدن سيقلل من الغلاء الفاحش في الأسعار، ولكن الأمر ليس كذلك، حيث لاتزال أسعار الإيجار في كل من تسالة المرجة، سيدي موسى، الدويرة، مرتفعة، فثمن كراء شقة من ثلاث غرف لا يقل عما متوسطه 35 ألف دينار، فيما تجاوز سعر بيع بعض الشقق الثمن المعقول، أين أصبح يقدّر بالملايير، فشقة من أربع غرف بتسالة المرجة قدرت بمليار ونصف. هذا ويلاحظ أن الكثير من السكنات التي تؤول إلى السقوط لم يشفع ذلك لمن أراد كراءها حتى وإن كان يعلم أنه يخاطر بحياته وحياة أفراد من عائلته، أين تجاوز كراء ما يعرف ب"أستوديو" ثلاثة ملايين سنتيم في كل من مناخ فرنسا،الأبيار وبلكور. أسعار الأراضي تتجاوز حدود المعقول أما عن أسعار الأراضي فحدث ولا حرج، أين يتراوح سعر المتر المربع الواحد من الأراضي في سيدي موسى والدويرة مبلغ 25 ألف دينار، فيما تجاوزت مبلغ 50 ألف دينار بنواحي سطاوالي، وتكون حجة الكثير من السماسرة أن صاحب الأرض اشتراها بمبلغ كبير، خاصة إذا كانت هذه الأرض في المدن الكبرى سيما الساحلية منها وتحتل موقعا لا بأس به، وهذه الأراضي حسب صاحب وكالة عقارية لها زبائن من نوع خاص وعادة ما تتم عملية البيع عن طريق المزايدة ما ساهم في ارتفاع أسعار الأراضي المخصصة للبناء ما جعله يؤكد هو الآخر أن الزبون في حد ذاته أصبح طرفا مساهما في ارتفاع أسعار العقار، خاصة الزبائن الذين يأتون من المناطق الداخلية، ولا همّ لهم سوى امتلاك عقار بالعاصمة وضواحيها على حد قول المتحدث.ويفسر أحد أصحاب الوكالات العقارية ارتفاع أسعار المتر المربع الواحد من الأراضي بنقص المساحات المخصصة للسكن، خاصة على مستوى العاصمة، حيث ارتفع السعر لكون الطلب يتزايد من سنة إلى أخرى، وبذلك تناقصت المساحات المخصصة للبناء في عدة مناطق. مواطنون يرجعون ارتفاع الأسعار إلى الوكالات العقارية ومن الأمور التي تؤرق المواطن وزادت من معاناته في الحصول على سكن هي تلك القوانين التي تعمل بها، إذ تطلب عمولة تتراوح بين واحد إلى ثلاثة بالمئة عن كل عملية بيع وشراء، ففي عملية الإيجار مثلا يجد المواطن نفسه مجبرا على دفعه مبلغ يوافق ثمن الكراء لشهر كامل يحصل عليه صاحب الوكالة العقارية من طرف المؤجر والمستأجر على حد سواء، إضافة إلى ثمن سنة كاملة من الكراء تدفع يوم توقيع العقد لصاحب الشقة.لاتزال جهود الدولة منصبة في كيفية القضاء على مشكل السكن، وذلك من خلال إنجاز العديد من الوحدات السكنية في عدة مناطق، إلا أن ذلك لم يحد من المشكل، بل وعلى العكس لاتزال أسعار بيع وكراء الشقق ترتفع دون حسيب أو رقيب، أين بلغت الذروة، حيث أكد بعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم أن مسألة شراء مسكن صارت من المستحيلات، إلا في حال كان سكنا اجتماعيا ممنوحا من طرف الدولة، حيث يقول "عمي بوعلام" وهو الذي بلغ من العمر 80 سنة ،ولم يحصل بعد على سكن: "لقد أصبحنا نعيش عمرا كاملا ونعمل طوال حياتنا دون أن نستطيع شراء منزل لائق، سنموت ونحن في انتظار ذلك الحلم البعيد المنال"،ه ذا ويرجع الكثير من المواطنين هذه الأسعار التي قالوا أنها تجاوزت حدود المعقول إلى بعض الوكالات العقارية التي تلعب دور الوسيط بين البائع والمشتري. اشتكى الكثير من المواطنين وجود الوكالات العقارية كوسيط في عملية البيع والشراء، حيث يؤكدون أنهم السبب في عملية المضاربة التي تعرفها مختلف العقارات، حيث يقوم بعضها بإخفاء بعض العقارات التي لا يكون أصحابها على عجلة لبيعها أو إيجارها إلى أن يتوفر لديهم أكثر من زبونين يحرصان على أخذ المسكن، هنا يعمدون إلى بيعه لمن يدفع أكثرو ما يزيد في معاناة المواطن الراغب في كراء شقة صغيرةو فتجده يوفر ثمن الكراء لمدة عام كامل بشق الأنفس، هذا ما جاء على لسان بعض من تحدثنا إليهم منهم "مروان" الذي أرجع السبب الأول في الغلاء إلى الوكالات العقارية: "ارتفاع أسعار العقار يرجع إلى الوكالات العقارية التي صارت تعمل على فرض أسعار خيالية وتعجيزية لا يمكن أن تتوافق مع دخل العامل البسيط، فالوكالات تحتكر السكنات والمساحات من أجل بيعها عن طريق المنافسة بين الزبائن حول من يدفع أكثر". وهكذا صار للعقار زبائن من نوع خاص هم أصحاب المال، ليبقى المواطن البسيط في الطابور ينتظر الحصول على سكن اجتماعي أو تساهمي، وما زاد في تأزم الوضع ظهور السماسرة الذين يسعون هم أيضا لتحقيق الربح.