تشهد قاعات المحاكم العديد من القضايا بسبب خلافات حول الحضانة، ورغم أن من لا تحق له حضانة الطفل يمنحه قانون الأسرة حق مشاهدة أبنائه، إلا أن البعض منهم يلجأ للانتقام من الطرف الآخر عن طريق خطف الأولاد وإخفائهم. أكد بعض المحامين خلال حديثهم حول القضايا الناجمة عن منع الزوجة طليقها من رؤية أولاده أنها باتت تعرف انتشارا واضحا، حيث تعمد كثير من النساء إلى إخفاء الأطفال من خلال تغيير مكان الإقامة دون إطلاع الزوج، ما يجعل هذا الأخير يبدأ رحلة البحث عن مقر سكن أولاده قبل أن يقرر اللجوء إلى العدالة التي تستدعي الزوجة عن طريق برقية رسمية ويمكن أن تعاقب قانونيا إذا ما تم إثبات حالة التهرب من تسليم الأولاد لوالدهم حسب عدد الزيارات التي يسمح بها القانون. إن تهرّب الزوجة من تسليم أطفالها قد يكون بداية زرع للأحقاد بينهما ما يجعل بعض الآباء أو حتى أهاليهم يسلكون طرقا غير قانونية لرؤية أولادهم أو حتى لمجرد الانتقام من الأم، فأكثر ما يحزّ في نفس الكثير من الرجال بعد فض العلاقة الزوجية هو عدم رؤيتهم لأولادهم بصورة عادية، هي مشاهد تبعث على الشفقة والحزن، هذا ما يبدو جليا خلال جلسات المحاكمة التي يكون الزوج مدعيّا على زوجته بسبب عدم التزامها بتسليم الأولاد وهو ما حدث مع أحدهم، حيث أكد خلال مثوله أمام هيئة مجلس قضاء العاصمة أن زوجته عمدت إلى تغيير محل إقامتها لتحرمه من رؤية بناته لأكثر من ثمانية أشهر قبل أن يقرر مقاضاتها، رجال آخرون لم يجدوا من سبيل للاستفراد بأولادهم سوى اللجوء إلى خطفهم انتقاما من الأم، ومن القضايا المماثلة التي عولجت بمحكمة حسين داي لرجل أقدم على خطف ابنه من المدرسة بعد ما شعر بتعسف الأم في حقه ومنعه في الكثير من المرات من التحدث إليه عبر الهاتف أو حتى رؤيته، إلا أنه لم يفكر في البداية في أن يرفع دعوى قضائية على الأم، بل اعتمد على نفسه في الانتقام منها، حيث اتجه إلى المدرسة وأخذ الطفل معه إلى ولاية تيزي وزو، والأدهى من ذلك أنه تظاهر بأنه لا يعرف مكانه، بل وأكد أنه سينتقم أشد انتقام إذا لم يظهر الطفل، ليترك أمه كالمجنونة تبحث عنه، وهو ما لم تقبل أم الزوج استمراره، فقد اتصلت بطليقة ابنها لتخبرها أن ابنها مع والده لتكون هذه المكالمة بداية سلسلة من جلسات المحاكمة بعد أن اتهم الرجل بخطف ابنه وحرمان أمه منه، القصة كادت تكون نفسها مع الطفلة (ب.ن) صاحبة السبع سنوات، ولكن المختطف هذه المرة ليس الأب لكونه توفي بعد سنة من تطليقه لأم ابنته، ولكن هذه الأخيرة تقول أنها لم تذق طعم الراحة، وصارت لا تأمن على ابنتها، وهي خارج البيت، خاصة بعد أن حاولت عمتها خطفها من أمام باب المدرسة التي تدرس فيها "ولولا أن المراقبة في المدرسة تدرك أن لا أحد يمكنه اصطحاب البنت من غير أمها لكانت العمة قد تمكنت من ذلك". قضايا خطف الأطفال بعد الطلاق موجودة وتعالج في العديد من المحاكم، وإن قلت العينات التي استحضرناها في هذا الموضوع لتبقى الأسباب مهما اختلفت، إلا أن هدفها يكاد يصب في وعاء واحد حسب ما أكده بعض المحامين ممن سبق لهم معالجة مثل هذه القضايا، وهو أن تحرق الأم قلب الأب على أولاده كشكل من أشكال الانتقام منه، لأنه طلقها أو دفعها لطلب الطلاق ليبقى الأطفال بين مد وجزر. نساء يتذرعن بأسباب عدّة لمنع تسليم الطفل وفي نفس السياق، يؤكد أحد المحامين أنه وبالرغم من وضوح القوانين الخاصة بالحضانة، وحق كل من الوالدين، إلا أن الواقع يثبت وجود العديد من التجاوزات، خاصة من جانب بعض الأمهات باعتبارهن الأولى بحق الحضانة، فتبرر بعض النسوة ممن امتنعن عن تسليم الأولاد أن الطفل كان مريضا أو أنها كانت مسافرة أو حتى أنه لا يريد أن يرى أباه، فيما تبرر أخريات ذلك بكون الأب لا يولي رعاية كاملة لابنه خلال فترة تواجده معه، أما بعضهن فقد وجدن من عدم التزام الطليق بالمدة المحددة لإعادة الطفل لأمه سببا لعدم تسليمه في الموعد مرة أخرى انتقاما من الأب، في حين امتنعت أخريات عن عدم تسليم الأطفال بحجة عدم علمهن بالقوانين. القانون صارم في جنح عدم تسليم الأولاد المحامية (و.ك) خلال تصريح لها لجريدة "السلام اليوم" تؤكد أن قضايا الحضانة صارت تطرح في المحاكم بالموازاة مع قضايا الطلاق، مشيرة إلى أن الطفل هو المتضرر الأول من كل تلك النزاعات، تقول تذكيرا بالقوانين المنصوص عليها في هذا الجانب: "إن المادة 327 من قانون العقوبات جاءت صريحة في نصها، فكل من لم يسلم طفلا موضوعا تحت رعايته إلى الأشخاص الذين لهم الحق في المطالبة به، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، كما أن مدة مشاهدة أحد الزوجين ممن لم يعط له حق الحضانة يكون حسب ما يقرره القاضي سواء في الأيام العادية أو في أيام العطل والمناسبات، ولا يمكن لأحد الطرفين أن يحرم الآخر من هذا الحق الذي يكفله له القانون". هذا، وجاء في سياق حديث المحامية أن المشرع في سنه لتلك القوانين، راعى بالدرجة الأولى مصلحة الطفل، كما عمل على ضمان مصلحة المحضون من جهة، وحق كل الأطراف الذين لهم الحق في رؤية الطفل من جهة أخرى. تضيف معلقة عن قضايا خطف الأبناء من قبل الأب: "إن الكثير من المطلقين لا يراعون ضرورة إشعار أولادهم بحالة من التوازن من خلال تلك النزاعات التي تكون بعد الطلاق، فعادة يصعب على أحد الزوجين تجاوز تلك النزاعات التي توجد بينهما رغم أنهما يدركان تماما أن ذلك يؤثر سلبيا على حالة الطفل، فقلة قليلة من الأزواج من لا تحدث بينهم خلافات حول الحضانة، إلا أن الكثير منهم يلجأون للقضاء". وبخصوص المتابعات القضائية تقول المحامية (و.ك) إن رؤية الطفل هو حق يكفله القانون، ويعاقب كل من يتحايل على ذلك مهما كانت الأسباب، كما أن الامتناع يجب أن يتم إثباته من خلال محضر قضائي يسجل ذلك الامتناع قبل أن يتم رفع دعوى قضائية بتهمة ارتكاب جنحة عدم تسليم الأولاد.