يتحول الكثير من الأطفال إلى ضحايا لطلاق الوالدين ورغبة كل منهما في الانتقام من الآخر ويستخدم العديد من الأولياء أطفالهم كوسيلة للانتقام من الطرف الآخر دون مراعاتهم لمصلحتهم, خاصة وأن هذا التصرف ستنتج عنه مشاكل نفسية تؤثر سلبا على الطفل في المستقبل. تشهد محاكم الأسرة نزاعات مستمرة بين الأزواج بعد الطلاق على حضانة الأطفال وحق رؤيتهم بالإضافة إلى إهمالهم من طرف والديهم من حيث الامتناع عن النفقة عليهم تصل في بعض الأحيان إلى التشابك بالأيدي والاعتداء بالضرب أمام الأطفال وأحيانا تضطر الشرطة إلى التدخل لتنفيذ قرار الحضانة, ويشكل حق مشاهدة الطفل حلقة أخرى من حلقات النزاع بين الزوجين المنفصلين ويكون الانتقام غالبا هو الدافع الحقيقي وراء الخلاف بينهما. وقد انتشرت ظاهرة أطفال ضحايا ما بعد الطلاق بشكل كبير في المجتمع التي تعقب غالبا فشل الزيجات تبعات الحقد المتراكم, كما قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد تلفيق التهم والقذف وهذا كله بسبب التعالي وتصفية الحسابات فيما بينهما بواسطة أطفال أبرياء لا ذنب لهم. ولمعرفة مدى تفشي هذه الظاهرة التي خلفت قصصا واقعية تنبض بالألم والمعاناة داخل العائلات وهو ما حاولنا رصده, حيث تقول السيدة مليكة التي مازالت تتجرع ألم فراقها عن رضيعها ليومنا هذا: «بعد طلاقي من زوجي, أعطت المحكمة حق الحضانة لزوجي, وأنا أعيش الآن في صدمة نفسية, لأنه تزوج مرة أخرى وسافر إلى دولة أجنبية وحرمني من رؤيته وهو طفل رضيع يحتاج إلى رعايتي وحناني وأنا أخاف أن يصيبه مكروه». أما جمال فيقول: «أعطت المحكمة حق الحضانة لزوجتي وهي تشترط أن أرى ابني عند بيت أهلها ولساعات قليلة فقط, خاصة وأنهم على خلاف معي», ومن جهة أخرى تقول سليمة: «بعد طلاقي, أعطت المحكمة حق الحضانة إلى زوجي, وابني يعيش الآن في بيت أهله وهم يمنعوني من رؤيته, لأنهم على خلاف معي». وهناك من دفعته الأحقاد إلى زرع صورة سيئة في عقل الطفل عن أحد والديه فيتأثر الإبن بها لدرجة أنه يرفض حتى سماع اسم أمه أو أبيه وفي هذا الصدد تقول ليلى: «لقد شاءت الأقدار أن أنفصل عن زوجي والذي حصل على حضانة ابننا وهذا ما جعله يستغل الظروف لحشو رأس ابني بأمور كاذبة أسوأها أنني لا أهتم به ولا أحبه وهذا ما جعله يرفض حتى رؤيتي». وفي الوقت الذي يتشاجر فيه الكثير من الأزواج عن موضوع الحضانة, هناك من يمتنع عن رؤية ابنه ويتهرب من مسؤليته تجاهه وهو ما أكدته منال: « عند طلاقي أعطت المحكمة حق الحضانة لي وبعد فترة قرر زوجي بناء أسرة جديدة وامتنع عن الإنفاق عليه ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد, بل امتنع حتى عن رؤيته وأهمله وهو يشعر وكأنه يتيم وأصبحت حالته النفسية سيئة, خاصة وما يؤلمني كثرة أسئلته عنه». إن أسوأ ما يحدث للأبناء بعد طلاق والديهم هو استغلالهم للتجسس على الطرف الآخر وهو ما يحدث مع سميرة التي تقول «زوجي يستغل ابني ويطلب منه أن يرصد له كل تصرفاتي مقابل المال, لدرجة أنه تعلم منه الكثير من الأفعال والعادات السيئة, وهو ما دفع بي إلى منعه من رؤيته, لأن الحضانة من حقي». إن ألم فراق الطفل لا يقتصر على الوالدين فقط, بل حتى على العائلة الكبيرة, حيث تشكو إحدى الجدات من منعها عن رؤية حفيدها وتقول: «عند طلاق ابني من زوجته منحت المحكمة حق الحضانة لها, ولأنها تكرهني تمنعني من رؤية حفيدي الوحيد وعندما أذهب إلى بيتها تطردني». وهناك من يعاني من مشاكل حول المدة التي يمكنهم قضائها مع أبنائهم, حيث يقول سليمان: «انفصلت عن زوجتي وهي الآن تقيم مع ابني عند أهلها وأنا غير قادر على رؤيته هناك, لأني على خلاف معهم وعندما ألتقيه في الحديقة تتركه معي لساعات قليلة في الأسبوع وهي غير كافية, وهذا ما جعلني أشعر أني محروم منه, وأسوأ ما في الأمر أنهم يحرضونه ضدي ويرسمون له صورة سيئة عني لكي يجعلوه يمتنع عن رؤيتي». ويتواصل سوء المعاملة بين الكثير من الأزواج حتى بعد الطلاق وهذا ما يحدث مع سلمى التي يستخدم معها زوجها العنف اللفظي عند رؤية أطفاله وهو السلوك الذي دفعها للانفصال من قبل, حيث تقول: «إنفصلت عن زوجي, لأنه كان كثير الشجار معي في البيت واستمر على هذا الحال حتى بعد الطلاق, فعندما يأتي لرؤية أطفاله يقوم بسبي أمامهم وهو ما يؤثر سلبا على نفسيتهم فقمت بمنعه من رؤيتهم». وترتسم ملامح البؤس والشقاء على هؤلاء الأطفال ضحايا عناد ورغبة كل طرف في الثأر من الآخر مما جعلنا نقترب لنتعرف على حكايتهم, ويقول عمر صاحب الثماني سنوات والدموع تتحجر في عينيه قائلا: «منذ طلاق والداي وحصول أمي على حضانتي بدأت عائلة والدتي في تحذيري من أبي بأنه شخص سيء وغير مسؤول ولا يجب أن أذهب معه أو أخرج بصحبته مما جعلني آخذ موقفا من والدي الذي كان في كل مرة قابلني ووالدتي في الأماكن العامة, يحول اللقاء إلى صراخ ونزاع وغالبا ما ينتهي بالشرطة مما أشعرني بالألم وعدم الرغبة في رؤيته مطلقا». ينما تروي إحدى الأمهات قصتها وتقول: «تسبب طليقي في إصابتي بحالة خوف على طفلي بعد أن قام بأخذه من أمام باب المدرسة وتركه عنده لمدة ثلاثة أيام دون أن يعلمني, كانت من أسوإ أيام حياتي, لأنني ظننت أنه خطف فأبلغت الشرطة وبعد فترة عرفت أنه معه فمنعته من رؤيته مجددا». رأي القانون في نزاعات ما بعد الطلاق والقضايا المتداولة في المحاكم يقول الأستاذ محمد.ب محامية لدى مجلس قضاء الجزائر: «تعتبر المحاكم من بين الأماكن التي تعج بالخلافات والمشاجرات بين المطلقين نتيجة موضوع رؤية الأطفال أو الحق في الحضانة. فالرؤية هي حالة استثنائية من نظام الحضانة التي شرعت لمصلحة الطفل المحضون وليس لمصلحة الحاضن سواء كان أبا أو أما والتي تهدف في جوهرها إلى رعاية الطفل الصغير وتنشئته تنشئة جيدة في حالة الخلاف المستحكم بين والديه, وبالموازنة بين احتياج المحضون إلى حنان الأم عندما يكون صغيرا, وقانون الأحوال الشخصية ينظم العلاقات الأسرية داخل المجتمع بما يهيء المناخ السليم للأبناء الذين لا دخل لهم في الخلافات الزوجية, وأن الأصل في نظام الرؤية هو الاتفاق بين الأطراف, أي أن الاتفاق الذي يتوصلون إليه مقدم على أي حكم قضائي, ففي حالة رفض الطرف الذي في يده حضانة الطفل أن يتيح للآخر أو الجدين رؤية الصغير فإن للطرف طالب الرؤية اللجوء إلى المحكمة المختصة لتنظيم ذلك سواء من حيث الزمان أو من حيث المكان ولو كان الصغير في حضن أمه فإنها لا يمكن أن تمنع أباه من رؤيته, ولكنها لا تجبر أن تحضر إلى منزله ولا تجبر أن توافق على حضوره إلى منزلها, ولكنها تؤمر أن تخرج الصغير إلى مكان يتاح فيه أن يرى الأب, ويفهم من النص أن تتم الرؤية في مكان لا يؤذي مشاعر الصغير كالحدائق أو أماكن عمومية, فلا يمكن أن في أقسام الشرطة, وفي حالة عدم تنظيم الرؤية لابد أن ينظمها القاضي بحكم يصدره وليس بقرار, والحكم الصادر في هذه الحالة لا ينفذ جبرا, بل أنه بعد صدوره يُعلم به الصادر ضده, فإذا امتنع عن تنفيذ حكم الرؤية بدون عذر كان للصادر لصالحه الحكم اللجوء إلى القضاء. ومن الآثار المترتبة على عدم تنفيذ حكم الرؤية أن يقوم برفع دعوى بإسقاط حضانة الممتنع عن تنفيذ حكم الرؤية ولكي يصدر حكم القاضي فإنه لابد أولا أن يتأكد أن الحاضنة قد امتنعت عن تنفيذ حكم الرؤية بغير عذر, فإذا كان الامتناع بعذر فإنه لا يحكم بإسقاط الحضانة, وإذا تأكد القاضي أن الحاضنة قد امتنعت عن تنفيذ حكم الرؤية بغير عذر فيجب عليه إنذارها وفي حالة تكرار امتناعها عن تنفيذ الحكم يحكم بسقوط الحضانة», ويضيف الأستاذ أنه في أغلب القضايا يستغل فيها أحد الأطراف جميع الوسائل الممكنة للإضرار بالطرف الآخر وبما يتعارض مع مصلحة الأطفال الضحايا, مضيفا «أنه في حالات كثيرة لا يكون الأب راغبا في رؤية أطفاله نظرا لزواجه بأخرى أو عدم تفرغه لهم, لكنه يدخل في منازعة مع طليقته على مسألة الحضانة والرؤية قاصدا معاندتها والإضرار بها, وأحيانا يصر أحد الآباء على حضانة طفل رضيع بعيدا عن والدته دون أن ينظر إلى مصلحته ومدى حاجته لأمه في مثل هذا العمر, ويستعرض الأستاذ بعض الحالات التي شهدتها محاكم الأسرة ومن بينها قضية لأب استحوذ على حضانة أطفال لم تتجاوز أعمارهم ست سنوات وحرمهم من رؤية أمهم مدة عامين وسافر إلى بلاد عربية دون علمها وطرقت أمهم جميع الأبواب لرؤيتهم, لكنها فشلت حتى تمكنت من استصدار أمر قضائي يضم حضانتهم إليها, لكن كانت المفاجأة رفض الأطفال الذهاب معها ما اضطر القاضي إلى إصدار أمر باصطحابهم بالقوة وطلب من الأب أن يترك الأولاد لتتمكن الأم من تسلمهم؛ ولكن صراخ الأطفال علا في أروقة المحكمة وهم يسحبون بالقوة من يد والدهم إلى صحبة والدتهم», وتابع «هناك قضية أخرى أسقطت حضانة طفلة عن والدتها بعد وفاة والدها وتم تسليمها إلى عمتها وبعد حرمان الأم عدة سنوات من رؤية ابنتها تمكنت من استعادة الحضانة بحكم قضائي, لكن سلطة التنفيذ فوجئت برفض الطفلة الذهاب مع والدتها وإصرارها البقاء مع عمتها مما اضطر الأم على استصدار أمر بالقوة لأخذ البنت عن طريق مركز الشرطة, فغياب الأم عن أطفالها فترة طويلة خلق فجوة في المشاعر بينهما وكان الأمر يتطلب التمهيد لإعادة العلاقة طبيعية بينهما». ومن جهة أخرى, هناك قضية لزوج منع من رؤية ابنته بعد صدور حكم بالحضانة لصالح زوجته وقامت أم زوجته من منعه رؤية ابنته لفترة طويلة ما دفعه لرفع دعوى قضائية عليهما لعدم تنفيذ قانون الرؤية ضد زوجته. وأشار ذات المتحدث إلى «أن هناك أطفالا من ضحايا الطلاق رفضوا تنفيذ أحكام قضائية تدعوهم للعيش مع أحد الوالدين بموجب حكم الحضانة وألزمتهم الشرطة الذهاب إلى منازل حاضنيهم, محذرا من التداعيات الاجتماعية لهذه المشكلة على مستقبل الأطفال, ويضيف أنه خلال إحدى جلسات التقاضي حول دعوى مطالبة أم بنفقة زوجية على زوجها بالإضافة إلى طلب رؤية هذا الأب لأولاده, لأن زوجته منعته من رؤيتهم, لأنه غير قادر على الإنفاق عليهم بعد الطلاق». وعن القوانين يقول «بالرغم من أن المادة 327 من قانون العقوبات تنص على ما يلي: كل من لا يسلم طفلا موضوعا تحت رعايته إلى الأشخاص الذين لهم الحق في المطالبة به يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات». ويضيف المحامي «إلا أن رعاية الأطفال بعد طلاق أوليائهم مازالت مشكلة صعبة, فبالرغم من حصول الطرف الذي لا تحق له الحضانة على حكم قضائي يقضي بمشاهدة الأطفال, إلا أن تعنت الطرف الآخر المكلف بالحضانة يحول في العديد من الأحيان هذا الحق الطبيعي إلى قضية نزاع في المحاكم عنوانها دافع الانتقام ليس إلا, فبعض الأمهات المطلقات والآباء غير قادرين على مشاهدة أبنائهم كما يرغبون بعد فض العلاقة الزوجية, فحقد الكبار يؤثر على الصغار الذين يغتال حقهم الطبيعي عندما يعيشون عند أحدهم تحت دافع تصفية الحسابات وعلى هذا الأساس تعد قضايا مشاهدة الأبناء بعد الطلاق من القضايا المؤلمة إنسانيا. ويعتبر مشاهدة الطفل حق شرعي وقانوني لكلا الطرفين, ولا ينبغي لأحد أن يتعسف بحرمان الطرف الآخر منه مهما كانت الظروف والأسباب, إذ أن تنفيذ حكم المشاهدة واجب لا ينبغي التحايل معه», مؤكدا «أن معظم النزاعات التي تنظر فيها المحاكم تقف وراءها الكراهية في حين لا يجوز أن يؤدي سوء التفاهم بعد الطلاق إلى التعدي على حقوق الآخرين لاسيما وأن عقوبة جنحة عدم تسليم الطفل قد تصل إلى حد الحبس النافذ», ويضيف الأستاذ «أن هناك نسبة قليلة من الأزواج الذين حصلوا على الطلاق يتفقون حول هذا الأمر ولا يلجأون إلى القضاء, إلا أن الغالبية تستخدم الأطفال كوسيلة انتقام, في حين أن الأولياء الذين يرتكبون جنحة عدم تسليم الطفل جراء انعدام الوعي القانوني لديهم يشكلون الاستثناء», ويضيف «أن مدة المشاهدة تتحدد وفقا للسلطة التقديرية للقاضي, فقد تستغرق مدة ساعتين, كما قد يتم تحديدها من الساعة التاسعة إلى الخامسة مساء في عطل الأسبوع, أما في فترات العطل المدرسية فتكون مناصفة بين الطرفين وحكم المشاهدة يشمل مكان المشاهدة ووقتها والمدة الزمنية, وبالرغم من هذا فإن العديد من الأولياء يخلقون أعذارا كثيرة تحول دون تمكن الطفل من مشاهدة الأم أو الأب, وفي العديد من الأحيان يحاول الأولياء الممتنعون عن تطبيق قانون الرؤية تبرير جنحة عدم تسليم الطفل بأعذار كعدم اعتناء الطرف الآخر بالطفل أو عدم الإنفاق عليه وعدم إرجاعه في الوقت المحدد», ويضيف الأستاذ «أنه يجب إدخال تعديلات على قانون الأحوال الشخصية يسد كل الثغرات في جميع القضايا التي تخص الأحوال الشخصية من دعاوى نفقة أو حضانة أو رؤية بالإضافة إلى ضرورة موافقة الطرف الثاني إذا كان هناك سفر, بالإضافة إلى وجوب التزام الأولياء بالأوقات المحددة لإحضار الأبناء لمنع حدوث أي مشاكل وتنظيم عملية رؤية الأطفال بين الزوجين بعد طلاقهما, كما يدعو إلى ضرورة استحداث وثيقة قانونية يتعهد فيها الزوجان بالتعاون فيما بينهما على رعاية الأطفال بعد الطلاق دون الدخول في منازعات تضر بمصلحة أطفالهما, وتتضمن اتفاقا مبدئيا على كيفية الرؤية لكليهما», ويضيف الأستاذ «أنه يجب استحداث مواد قانونية تنظم عملية الرؤية بعد التشاور مع المحامين والقضاة والجهات القائمة على تنفيذ الرؤية للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة لمصلحة الطفل, مقترحا أن يكون للأب حق اصطحاب أطفاله في الإجازات والعطلات والمبيت معه, ونفس الشيء بالنسبة للأم إذا كانت الحضانة في يد الزوج شريطة ألا يأخذوا الأولاد على سبيل العناد وذلك في ضوء تزايد النزاعات القضائية على حضانة الأطفال وحقوق رؤيتهم». ...ولرجال الدين رأي في الموضوع يقول الدكتور عبد الله بن عالية, أستاذ في الشريعة بجامعة الخروبة: «إن الله جعل الطلاق أبغض الحلال, وحرم زرع الكراهية والحقد في العائلة, ويعتبر حق رؤية الأبناء للأبوين المطلقين واجب على من يعيش معه الأبناء ويأتي في إطار قوله تعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم», فالخلاف لا يجوز أن يتجاوز حدود ما أمر الله به, ورغم معرفة الناس بذلك, إلا أن الصراعات مازالت تبنى على الانتقام, ويسعى كل طرف من المطلقين إلى إيذاء الآخر بكل ما يستطيع, متناسيا ما كان بينهما من ود, ويأمر به الشرع. ومسألة الرؤية ليست مواجهة بين الأب والأم وإنما هي مصلحة الطفل الذي هو المستقبل, ويجب تربيته بطريقة صالحة وهذه القضية هي اجتماعية لابد من تضافر كل الجهود لمواجهتها بطريقة صحيحة, وعادة عندما يحدث الانفصال وتعتبر الأم أن من حقها رعاية الأطفال وحدها والأب كذلك ويدخل الاثنان في حالة العناد لمنع الطرف الآخر من رؤية الأبناء, وهذا محرم في الإسلام, لأنه يزرع الكراهية بين العائلة, ويصبح الطفل هو الضحية الذي ينمو في جو من الحقد, وقد أعطت الشريعة الإسلامية الحق في الاستضافة, أي حق الرعاية المشتركة بين الاثنين, ويمكن تنظيمها من خلال مجموعة من الضوابط التي تمنع المشاكل والعناد, فلا يجوز حرمان الأب أو أقربائه أو الأم وأقربائها من رؤية الأبناء, لأن هذا فيه قطع لصلة الرحم ولأجل ضمان تربية سليمة للأولاد». حرمان الطفل من رؤية أحد والديه يؤثر سلبا على نموه تقول الدكتورة نبيلة صابونجي مختصة في علم النفس الاجتماعي: «إن حرمان الطفل من رؤية والديه له أثر خطير على نموه جسميا وعقليا ووجدانيا واجتماعيا, فالقطيعة الطويلة في العلاقة بين الطفل وأمه أو مع والده تجعله منكمشا ومنعزلا ويخفق في ربط أواصر الصداقة مع غيره من الأطفال, كما أن من شأن الحرمان الطويل من أحد الوالدين أن يشكل الشخصية الجانحة للطفل المحروم من الحب. ومن ناحية أخرى فإن غياب الأب في سن مبكرة من حياة الطفل يؤدي إلى اضطراب الجو الأسري الذي يؤدي إلى إحاطة الطفل بجو اجتماعي مضطرب يشعر فيه بالقلق وعدم الاستقرار وينجم لديه عدم الثقة في الآخرين, وبذلك تضطرب علاقاته داخل وخارج الأسرة, وقد ينشأ عند الطفل حالة من النكران تجاه أي طرف من الأبوين سواء كانت الأم أو الأب المبتعدين عنه», وتضيف الدكتورة «أنه من خلال الدراسات تبين وجود ارتباط بين الحرمان من الأب أو الأم والجنوح والجريمة والإدمان ولا شك أن الحرمان يؤثر سلبيا على التوافق الدراسي, وقد تبين أيضا أن الأطفال الذين يغيب عنهم أحد أوليائهم وأعمارهم في الثانية كانوا أكثر خجلا وإحساسا بالذنب والدونية وأقل ثقة, كما تضطرب علاقاتهم الاجتماعية وتظهر مشكلات في التوافق مع المجتمع, ويكون الطفل صورة عن نفسه بناء على تصرف والديه, فالأغلب أن يكون الذي يجتذبه الطفل في صورته عن نفسه في مواقف النزاع, خاصة عندما يؤكد كل طرف على سلبيات الجانب الآخر أو يستغل أحد الأطراف جلوس ابنه معه في بيته بعد الطلاق ويشحنه أو يرسخ في عقله صورة سيئة عن الطرف الآخر سواء كان هذا الشخص أمه أو العكس, وتكون النتيجة أن يرى الطفل أسوأ ما في الوالدين, وفي هذا النموذج السلبي يتكون مفهومه عن نفسه أو ذاته وتتشكل لديه عقدة في المستقبل, ويكرر أفعال والديه في علاقته الزوجية, لأنه يعيش في بيئة يسودها النزاع, ويتجه بعيدا عن الممارسات الإيجابية النمائية وبالتالي يلجأ الطفل إلى هذا الأسلوب خارج المنزل في علاقاته مع زملائه وأصدقائه سواء أخذ دور المعتدي أو المنهزم.